دولة التظاهرات-غفار عفراوي

Thu, 13 Oct 2011 الساعة : 11:08

قلتها سابقا وأكررها مستمرا، أنني ضد الديمقراطية، وخصوصا الديمقراطية الفوضوية. ولا يعتقد احد أنني صدامي أو أتمنى العودة للحكم الدكتاتوري الاستبدادي فهذا خلاف العقل والدين والمنطق. إلا أنني أضم صوتي لما قاله السيد أفلاطون وهو فيلسوف معروف لدى البعض من العراقيين، حين قال إن الحكم الديمقراطي يدمر الدول ويسلبها الاستقرار ويمنع عنها الماء والهواء. لماذا يا أخ أفلاطون، يقول لان حكم الشعب معناه أن يتحكم بمصير الدولة كل من هب ودب، صاحب الشهادة العليا والراسب في صفه لعدة سنين، العالم والجاهل، العبقري والغبي، الأسد وكذلك المطي.
ورغم أن كلام أفلاطون للوهلة الأولى يدل على رؤية استعلائية وفكر شوفيني كما يعبر أصحاب الأحاديث المطولة الذين ( سبونا ) بكثرة كلامهم، إلا أن رؤيته لا تخلو من حكمة ونظرة ثاقبة للأمور وخاصة السياسية والاجتماعية منها. فلا يمكن أن يكون صوت الجاهل في أمور الدولة والحياة بل الجاهل في كيفية ظهوره للحياة هل هو من بطن أمه أم من مكان آخر، كصوت العالم والفقيه والفيلسوف والمبدع، ولان الأغلبية ستكون بطبيعة الحال للجهلاء فبالتالي ستكون الأغلبية في الحكومات (البرلمانات والمجالس البلدية ) لأصحاب هؤلاء الجهلاء الذين سيتحكمون بالقرار والدولة والحكومة من خلال تحريك (شارعهم) الجاهل متى ما أشاروا له!
العراق دولة خرجت من دكتاتوريات متلاحقة، ولم يعرف المواطن طيلة عقود من الزمن معنى لحرية الرأي أو الكلام أو الاختيار، وبين ليلة وضحاها أصبح الشعب هو مصدر القرار وهو الذي يتحكم بالدولة والحكومة من خلال الديمقراطية (الأميركية) سيئة الصيت التي ابتدأت بحمل السلاح وانتهت بالتظاهرات اليومية بعد التظاهرات التي أسقطت رؤساء عربية وأخرى تنتظر.
لست ضد التظاهرات، ولست مع تكميم الأفواه، لكني ضد التظاهرات العشوائية وضد الأفواه المفتوحة دائما بمناسبة وبدون مناسبة. فهل يعقل ما يحدث اليوم في العراق من تظاهرات يومية بل يحدث أن هناك تظاهرتان أو ثلاث في يوم واحد وفي عدة أماكن من محافظة واحدة. تظاهرة للخدمات وتظاهرة للكهرباء وتظاهرة للشوارع وتظاهرة للعاطلين عن العمل وتظاهرة للشرطة وكلها تصب في نفس السياق فهي تطالب بالعدالة الاجتماعية. إلا أن اغرب مطالبة حدثت لحد الآن هي مظاهرة الطلبة الراسبين في الدور الثاني! وسميت من قبل أصحابنا (المتهكمون) بتظاهرة (الساقطين) وهي تسمية عرفية تدل على من يفشل في الامتحان، وأضافوا إن هؤلاء (الساقطين) يطالبون أن تكون درجة النجاح من ثلاثين لكي يستطيعوا اجتياز الامتحان! واعتقد أن هؤلاء لو حصل واجتازوا الامتحان وتم تعيينهم في دوائر الدولة فسيخرجون بتظاهرات للمطالبة بإلغاء غياباتهم المستمرة عن الدوام.
دعوة لكل العقلاء في هذا البلد أن لا يسمحوا للأمور أن تسوء أكثر بداعي الديمقراطية لان السكوت سينتج تفسخا وفسادا لا يحمد عقباه ولن يكون الحل سهلا حين يخرج الأطفال بتظاهرات ضد الآباء مطالبين بزيادة يومياتهم، أو تظاهرات للأزواج تطالب بما لا يمكن تحقيقه (للضعفاء) كزيادة ساعات ليالي الجمع!!

كاتب وإعلامي
[email protected]
7-10-2011

Share |