معالم المشروع السياسي للصدر المقدس-رشيد السراي

Thu, 13 Oct 2011 الساعة : 9:35

قبل الحديث عن معالم المشروع السياسي للصدر الثاني قدس سره، والإجابة على انه هل كان للسيد أصلاً مشروع سياسي أم لا ؟ لا بد من تعريف السياسة والمشروع السياسي.
فما هو المشروع السياسي؟
السياسة لغة واضحة ولكنها اصطلاحاً أُختلف في تعريفها فمنهم من عرفها بتعاريف مطولة معقدة ومنهم من عرفها بتعاريف مختصرة غير وافية وغير دقيقة، ولعل أشهر هذه التعاريف هو القول بان السياسة فن الممكن وهو تعريف فضفاض لا يوصل إلى شيء من خصوصيات السياسة.
وقد عرف الكيالي في موسوعته السياسة بأنها" هي فن ممارسة القيادة والحكم وعلم السلطة أو الدولة، وأوجه العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وفي تعريف أكثر دقة وشمول يمكننا القول بأن السياسة هي النشاط الاجتماعي الفريد من نوعه، الذي ينظم الحياة العامة، ويضمن الأمن ويقيم التوازن والوفاق – من خلال القوة الشرعية. والسيادة بين الأفراد والجماعات المتنافسة والمتصارعة في وحدة الحكم المستقلة على أساس علاقات القوة، والذي يحدد أوجه المشاركة في السلطة بنسبة الإسهام والأهمية في تحقيق الحفاظ على النظام الاجتماعي وسير المجتمع "
ولعل تعريف السياسة بأنها (فنّ رعاية المصالح العامة) من أكثر التعاريف اختصاراً ووضوحاً.

والمشروع واضح ويقصد به هنا البرنامج أو الخطة.
فيكون لدينا معنى عبارة "مشروع سياسي" هو "برنامج أو خطة لرعاية المصالح العامة"
وهنا نعود إلى السؤال الأساسي هل كان لدى السيد (قد) برنامج أو خطة سياسية؟ وماذا كان يهدف من ورائها؟
يبدو من الواضح من خلال التعريف الذي أوردناه للمشروع السياسي انه من غير الممكن القول بعدم وجود مشروع سياسي لدى الصدر الثاني (قد) وهو الذي قاد عملية إصلاح كبرى في العراق دفع حياته الشريفة ثمناً لها.
ولعل البعض يتسرع ويقول انه (قد) لم يكن يمارس أي نشاط أو عمل سياسي ولم يكن لديه أي مشروع أو برنامج أو خطة سياسية ،وأقول يتسرع لان هذا الكلام تنقصه الدقة فهو إما ناتج من الخلط بين المفاهيم وعدم معرفة المقصود بـ"المشروع السياسي" بدقة ، أو ناتج من عدم فهم حركة السيد (قد) ومقاصده.
وبالنسبة للأول سببه كما قلنا الخلط بين المفاهيم، أما الثاني فأسبابه كثيرة منها إن نسبة معتد بها من أتباع السيد (قد) لم يكونوا يفهمون في حياته بدقة مشروعه الإصلاحي عموماً والجانب السياسي منه بوجه خاص ،ولهذا تجد الغالبية من هؤلاء اتجهوا اتجاهات غير صحيحة وتنوعت أطروحاتهم حد التناقض وما ذلك إلا لان البعض منهم لم يكن يفهم ما يدور حوله والبعض كان يأخذ المعلومة من مصدرها غير الصحيح والبعض كان يفهم المعلومة بفهمه الخاص الخاطئ والبعض كان ولازال يعلم لكنه يغالط لمصلحة تخصه. ولعل متابعة المنهج الذي انتهجوه بعد استشهاده (قد) يوضح هذا المطلب بدقة فترى الكثير منهم فهم جانب من حركة السيد (قد) وعممه على غيره أو تراه يتابع السيد في أمور لا علاقة لها بالإتباع الحقيقي.
فعند هؤلاء لن تجد الإجابة الشافية الحقيقية.
ولو رجعنا إلى من هم اقرب وأكثر فهم للسيد وحركته لوجدنا الإجابة مختلفة فقد قال سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مثلاً في معرض إجابته على سؤال مشابه ما نصه " من الواضح إن للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) مشروعاً سياسياً أو على الأقل له عمل سياسي وهذا ليس خافياً على أحد، نعم قد تكون معالمه أو تفاصيله خفية، أما أصل الموضوع فهو ثابت وقد دفع حياته الشريفة وحياة ولديه ثمناً لهذا النشاط وقد أثمر مشروعه المبارك في نخر كيان صدام وزمرته بحيث عاد خاوياً متهالكاً سقط في أول صفعة وُجهت له عام 2003."

فطبيعة الصراع في ذلك الوقت مع نظام طاغوتي كانت تقتضي عدم الوضوح في الظاهر، فلهذا فان نفي وجود مشروع سياسي لدى السيد قول غير دقيق.

الشواهد على عدم وجود مشروع سياسي:
وهي التي ساقها من ينفون وجود المشروع وهي:
1-العفوية في الظاهر:
السيد (قد) كان يوحي للسلطة وللآخرين بأنه يسير بلا خطة ،فهل كان فعلاً يسير بلا خطة أم انه كان يريد إيهام الأعداء في الداخل والخارج بذلك وتأخير الصراعات قدر المستطاع للتفرغ لإتمام خطته؟
يقول الشيخ اليعقوبي حول الموضوع " وإنما صَبَرت السلطة زمناً ما على حركة السيد الشهيد (قدس سره) لأنها تعتقد فيها أنها حركة عفوية عاطفية غير منتظمة في مشروع وقد تعمّد السيد الشهيد (قدس سره) إيقاعها في هذا التصور حينما سُئل في بعض لقاءاته المسجّلة عن خطوته اللاحقة قال (أنني لا اعلم ماذا أفعل غداً، وكل ما في الأمر انه عندما يأتي الغد أجد نفسي مقتنعاً بأن أقوم بفعل ما) وهو (قدس سره) يعلم إن هذه الكلمات تصل إلى السلطة لأنها تتابع بدقّة ما يصدر عنه من كلمات وخطب ومنشورات وتحللها".
2-كان موقف السيد (قد) من السياسة موقف المشكك والمنتقد ومن أفضل الأمثلة على ذلك موقفه من الأحزاب وعدم انخراطه في النشاط السياسي في فترة الشهيد الأول (قد).
3-لم يكن لدى السيد (قد) تنسيق مع المعارضة في الخارج وحتى لو وجد فانه ضعيف وابسط دليل على عدم وجود أو ضعف هذا التنسيق الموقف السلبي لهذه المعارضة من حركة السيد (قد) وعدم مساندتها له بل ووقوفها ضده وتشكيكها به. وهذا الأمر لم يدرس بدقة لحد الآن.
وهناك شواهد أخرى يسوقها البعض كأدلة على عدم وجود مشروع سياسي منها التوجه العرفاني للسيد (قد).
وسنرى إن الشواهد على وجود المشروع أرجح وأوضح.

الشواهد على وجود مشروع سياسي:
1- إن السيد كان تلميذاً للسيد محمد باقر الصدر(قد) وموقف السيد محمد باقر الصدر (قد) من السياسة والعمل السياسي واضح المعالم و السيد الشهيد الثاني (قد) طالما أكد على انه استمرار لمنهج أستاذه.
2-يقول البعض نافياً فكرة وجود مشروع سياسي لدى السيد (قد) بان هدفه كان إصلاح الأمة ولا نختلف مع هذا القائل في إن هدف السيد (قد) كان إصلاح الأمة ولكن السؤال المهم كيف يمكن تحقيق إصلاح الأمة دون وجود مشروع سياسي منسجم مع خطة الإصلاح وممارسة عمل سياسي يقود لتهيئة بعض مقدمات الإصلاح؟.
وهل أن اقتراح مشروع سياسي أو العمل على ضوئه يتطلب وصول الأمة إلى مستوى كمال معين؟ أم أن الأمر مرتبط بالموازنة بين المصالح والمفاسد؟
فنفس سعي السيد لإصلاح الأمة هو دليل كاف على وجود مشروع سياسي لديه.
3- تبنيه لولاية الفقيه وتصريحه بذلك بمنتهى الوضوح.
3-دوره في الانتفاضة الشعبانية وقيادته لها في النجف الأشرف من أوضح الأدلة على وجود النية للعمل السياسي.
4- السعي لتشجيع الناس على معارضة السلطة وتربيتهم بأساليب مختلفة على ذلك منها دعوتهم المشي في الشعبانية.
5- دعوة المسئولين إلى التوبة.
6- إنشاء المحاكم الشرعية كبديل عن القضاء الحكومي.
7- وأخيراً إقامة صلاة الجمعة التي يشترط فيها بسط اليد.

معالم المشروع السياسي:
بعد إن اتضح لنا القول بوجود مشروع سياسي لدى السيد (قد) فما هي معالم ذلك المشروع وخصائصه،وننقل هنا نص من جواب للشيخ اليعقوبي (دام ظله) على سؤال مماثل:
1- انه مشروع إسلامي يستند إلى الإسلام في قراراته وآليات عمله والمبادئ التي تؤطر حركته فلا مجال فيه للبراغماتية المحضة المتجردة من المبادئ.
2- انه وطني فلم يقتصر في خطابه على أتباعه ولا على الشيعة فقط. بل وجّه خطابه إلى أبناء السنة وأمر بإقامة صلوات الجمعة الموحّدة وخاطب كل شرائح المجتمع بغضّ النظر عن انتمائهم والمتابع لخطبه يجد الكثير منها مخصصّة لشرائح معينة وكان آخرهم الغجر الذين وجّه لهم خطاب الإصلاح والهداية في الجمعة التي استشهد في مسائها وفي تلك الخطبة عدّد الشرائح التي خاطبها.
وحينما نقول إن مشروعه وطني فهذا لا يعني الانغلاق على بلده العراق فقط لان رسالة الإسلام عالمية ولكن المتاح له كان ذلك مضافاً إلى أن المشروع الإسلامي العالمي لابد له من حاضنة وقاعدة يستند إليها وينطلق منها كما كانت المدينة المنورة قاعدة انطلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وستكون الكوفة عاصمة الدولة العالمية المباركة التي يقيمها الإمام الموعود (عليه السلام).
3- الجماهيرية وإشراك عامة طبقات الشعب في الحركة فلم يقتصر في خطابه ومشروعه على النخب بل تحدّث إلى جميع الناس مباشرة خصوصاً بعد إقامة صلاة الجمعة.
4- أصالة المرجعية الدينية وهذه نقطة مهمة إذ يوجد خلاف بين السياسيين الإسلاميين حاصله أنه من هو الأصل في اتّخاذ المواقف العامة ولمن مرجعية القرار السياسي، هل للمرجعية الدينية ويكون دور الحزب التنفيذ والعمل ضمن توجيهات المرجعية أم أن الأصل هو الحزب فهو الذي يقرر وينفذ ويكون دور المرجعية تقديم النصائح غير الملزمة.

نتائج المشروع السياسي:
1-إضعاف النظام مما قاد إلى سقوطه بسهولة بعد أربع سنين.
2-تشجيع الناس على مواجهة الظلم وتحديه.
3-تشجيع الخارج على اتخاذ موقف حاسم من طاغوتية النظام الحاكم.
4-بيان سلبيات وأخطاء المعارضة العراقية.
5-إنشاء طبقة مثقفة وواعية.
6-التنبيه على دور الحوزة وقيادته للعمل الإصلاحي والسياسي.

13/10/2011
 

Share |