ملائكة الرحمة تحلق دون أجنحة في مستشفيات العراق

Thu, 13 Oct 2011 الساعة : 8:41

وكالات:

ملائكة الرحمة لا أحد يرحمها، وتلك قسوة بالغة، فالنظرة الدونية للعاملات في التمريض تكاد تكون مرضا متفشيا لدى شرائح وأفراد في المجتمع، وهي قضية جعلت الارتباط والإقبال على المهنة أشبه بالنزول إلى ميدان أو ساحة معركة لا تخلو من الخطورة أو المجازفة في الكثير من الأحيان، مع ذلك هناك من تطوعن وعملن في أصعب الأوقات والظروف وواجهن بشجاعة عالية "سخرية" و"تعليقات" وحتى "بذاءة" البعض وواصلن مشوارهن في الرعاية والتضميد والسهر على راحة المريض صغارا وكبارا، نساءً ورجالاً، ليثبتن بحق وجودهن عن استحقاق وجدارة عبر تضحياتهن التي لا تقدر بثمن.. فالصبر والسهر والمثابرة يبقى العنوان الأبرز لهذه المهنة الإنسانية المعطاء.

إضاءة عامة

التمريض مهنة إنسانية أخلاقية وعلمية تعتمد في أساسها على العلم والمعرفة المنبثقة من الأبحاث العلمية وهي مهنة قديمة نشأت من الحس الغريزي الطبيعي لحماية الأسرة ورعايتها كرعاية الأم لوليدها ومساعدة المرأة للمرأة في حالات الولادة هذه الأمور وجدت قبل أن يعرف الطب. وعلى الرغم من أن الأهداف النبيلة للتمريض استمرت على مدى العصور إلا أن ممارسة التمريض تغيرت تأثرا بالمجتمعات المختلفة والتطور الطبي حتى نشأ التمريض كمهنة لها أصولها ودرجاتها العلمية ولا يمكن الاستغناء عنها في أي مجتمع ولا يمكن ممارسة الطب من دونها في أي وقت. وهي من أكثر المهن شيوعاً بين النساء حتى ان كلمة ممرضة أصبحت تعني مهنة خاصة بالنساء في اغلب الأحيان ومن السهولة تعلم تلك المهنة ولكن من الصعوبة الإجادة بها كما يترجم العاملون في مجال التمريض طاقاتهم من اجل خدمة كل فرد من دون تميز للآخر ونظرا لما تتحلى به هذه المهنة من أخلاقيات فهناك مواصفات خاصة يجب ان تتوفر لها كالتسامح والصدق والصبر والإيثار والانفتاح على أصحاب المهن الأخرى في نفس المجال الصحي لان روح التعاون هي مركز قوة يصب في مصلحة المريض.

 

 

أهمية عمل الممرضة

ولتسليط الضوء على هذه المهنة الإنسانية النبيلة  التقينا الدكتور نبيل عبد الرحمن العبيدي طبيب جــــراح وسألناه عن أهمية عمــل الممرضة جنبا إلى جنـب مع الكادر الطبي فتحدث قائلا: إن أصل هذه المهنة هو الإتقان ومن يريد العمل في مجال التمريض عليه الاســتعداد لممارسته عن علم وهناك صورتان رئيستان هما ممارسة تصنع وهو العمل بادعاء المعرفة وهذا لا يخدم أطلاقا والممارسة الثانية هي الاحتراف ويكون ذلك حسب قواعد ومعايير متفق عليها بوسيلة ومدخلات ملائمة ومهارة خاصة لتلبية الاحتياجات والمطالب وهذا طبعا وفق شروط معينة نذكر منها:

الانتماء وتقمص المهنة.

امتلاك علم التمريض.

تكوين الشخصية الواثقة.

استخدام عقلية البحث والاستقرار.

قبول وجهات النظر المغايرة واحترامها خاصة الذين يعملون بنفس المجال الصحي.

هذه هي الأمور الاحترافية الواجب توفرها عند الممرضة أو الممرض. أما السيدة (سليمة عباس) مسؤولة التمريض في احد المركز الصحية في بغداد ،فقد حدثتنا عن مجمل الأعمال المهنية التي تقوم بها الممرضة في الردهة قائلة : حين تعمل الممرضة فإنها تمر من خلال عملها بعدة مراحل بنائية أحداهما مكمل للآخر إذ تكون في بادئ الأمر غير محترفة العمل وواجباتها تقتصر على ابسط الأمور في رعاية المرضى ثم تكتسب الخبرة الكافية مع تقادم الزمن والمتابعة والإشراف عندها تكون مهيأة مع مرور الوقت لتتحمل مسؤوليات اكبر على عاتقها كأن ترافق الكادر الطبي في صالات العمليات والأشراف على حالات مرضية حساسة في مراحل الخطورة وهناك بعض الممرضات يقمن بأعمال الخفر والسهر على راحة المرضى وتنظيم أوقات النوم والغذاء وإعطاء العلاج حسب المواعيد وقد صادفت بعض الحالات الطارئة الخطورة على حياة المريض ولكن لوجود الممرضات قل الخطر واستقرت الحالة.

وأضافت لذلك لا يجب الاستهانة بالممرضة مهما كان مستواها الدراسي ومن أكثر الأخطاء الشائعة في هذه الفترة هو دخول الفتيات صغيرات السن فقد يقعن في أخطاء تنعكس سلبا على نزاهة هذه المهنة.

 

 

التطوير مطلوب

وبشأن تطوير مهنة التمريض والارتقاء بها نحو الأفضل حدثنا احد الكوادر الطبية في مستشفى حكومي كبير قائلا: على وزارة الصحة البدء بتوفير كافة المستلزمات التي يمكن ان ترقى بها هذه المهنة بما يساوي ويوازي التطور الهائل في مهنة التمريض والطبابة عموما من خلال إقامة دورات متقدمة والاعتماد الكلي على خريجات المدارس والاعداديات التابعة للتمريض وتوفير فرص إكمال الدراسة وتعليم اللغة الإنكليزية وإقامة دورات الحاسوب ووضع الحوافز خاصة بعد التخرج والسفر والاختلاط بخبرات أجنبية وكل هذه الأمور بالإمكان ان تتوفر ولكن بجهد خاص من كبار المسؤولين.

إما السيد جاسم حسين مردان وهو من احد كوادر التمريض في مدينة الحلة فقد حدثنا عن أهمية هذه المهنة قائلا: إني ازاول هذه المهنة منذ عام 1994 وهذه المهنة تعجبني لأنها إنسانية بالدرجة الأساس وتعلمنا الصبر في التعامل فما أجمل ان ترى أنسانا كان مشرفا على الموت وقد تعافى وعادت الابتسامة تعلو وجهه.. وأضاف . ان توفير تعليم مستمر وإقامة دورات متقدمة في علوم التمريض وجلب المعدات الطبية الحديثة التي تناسب مع ما وصل إليه العالم من تطور وحداثة والعمل على توفير كوادر وقيادات مهنية لها مهارات علمية متميزة وقادرة على صنع القرارات وتحقيق الأهداف العملية، تعد من القضايا المهمة التي تساعد في النهوض بمهنة التمريض أكثر، أضف الى ذلك ضرورة القيام بالأبحاث العلمية التي تهدف إلى حل المشكلات الاجتماعية والإدارية والفنية التي تواجه مهنة التمريض. وبهذا نقطع أشواطا متقدمة الى أمام.

 

 

تخفيف الآم الناس

وقالت السيدة (عذراء محمد) وهي ممرضة متميزة: في بادئ حياتي أحببت تلك المهنة ووجدت صعوبات كبيرة في مزاولتها ولكن لحبي وإصراري على خدمة الآخرين وفقت من قبل الله سبحانه وتعالى على تحقيق حلمي وها إنا اليوم اعمل في مستشفى اليرموك التعليمي رغم صعوبة الحياة والوضع الأمني الا اني اشعر براحة كبيرة إزاء الخدمات التي أقدمها للمجتمع وبصراحة أجد نفسي هنا مع تخفيف آلام الناس وتوفير الراحة والأمان لهم وخلال عملي هنا حصلت على أكثر من شكر وإنا فخورة بهذا الإنجاز. وعندما سألناها عن طموحها اليوم في عالم التمريض، أجابت: اطمح إلى أن تصل تلك المهنة وخاصة في العراق إلى ارقى ما يكون وقد أكدت مع بعض زملائي على ضرورة التنسيق مع منظمات الصحة العالمية لتقديم دعم من خلال المناشدات بواسطة جمعية الهلال الأحمر الدولية لتوفير فرص الدراسة وإقامة الدورات التدريبية فضلاً عن وضع مناهج متطورة للتمريض.

 

 

الاستراتيجية المطلوبة

وترى إحدى الباحثات في شؤون الطبابة والتمريض  ان الاستراتيجيات المستقبلية لتطوير التمريض في العراق تتطلب أعداد برامج تدريبية وتعليمية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى من قبل القيادات التمريضية في مجال الإدارة ودعم نقابة التمريض للقيام بدورها القيادي لخدمة وتطوير الملاكات التمريضية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمرضية ووضع قانون خاص بمزاولة مهنة التمريض ومنح التراخيص وآلية عمل الاستمرار في مزاولة المهنة وتجديد التراخيص فضلا عن وضع معايير وآلية عمل للعمل في القطاع الخاص بما يعزز مكانة مهنة التمريض في النظام الصحي والمجتمع وتطوير الجانب المهني للتمريض وتأسيس جمعيات تحت مظلة نقابة التمريض لدعم وتحسين اختصاصات التمريض كالقبالة والأطفال والصحة النفسية وصحة المجتمع زيادة على أعداد أدلة عمل خاصة بتعليمات وقوانين التمريض والقبالة في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية وتأهيل وحدات أنموذجية في المستشفيات لممارسة مهنة التمريض بشكل نموذجي وتكون مواقع تدريبية للملاكات التمريضية وطلبة التمريض وتوفير بيئة آمنة نوعيا للعاملين في خدمات التمريض والقبالة وتحسين نوعية العناية التمريضية من خلال التدريب والتعليم المستمر وعمل مسح شامل للملاكات التمريضية العاملة في العراق لاستحداث قاعدة معلومات وإصدار تعليمات إلى المؤسسات الصحية بعدم تشغيل الملاكات التمريضية بالإعمال غير التمريضية وزيادة الحوافز للملاكات التمريضية التي تعمل ضمن وجبات العمل المسائية والليلية.

                     

                     مهنة التمريض وأسباب العزوف

وكان وزير الصحة السابق الدكتور صالح مهدي ألحسناوي قد أكد إن التمريض يعد المفصل الأساس من مفاصل وزارة الصحة وان الاهتمام به ينعكس إيجابا على الارتقاء بواقع الخدمات المقدمة من قبل الوزارة، موكداً في الوقت ذاته دعم وزارته لهذه المهنة الإنسانية. بالتعاون مع دوائر الصحة.

مشيرا "إلى إن القطاعات الصحية شهدت عزوفاً شديداً عن العمل في مهنة التمريض لاسيما العنصر النسوي"، وحدد ألحسناوي "أربعة محاور يمكن من خلالها الارتقاء بواقع التمريض وهي وزارة الصحة والممرض والنقابات الصحية والمجتمع بجميع مفاصله ومؤسساته الدينية والاجتماعية". واوضح "إذا أردنا أن نطور الواقع الصحي وننهض به فيجب أن تكون وزارة الصحة بكافة مفاصلها بعيدة عن التأثيرات السياسية".  ويذكر ان وزارة الصحة وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (كليات التمريض) ونقابة التمريض العراقية عقدت غير مرة مؤتمرات عن الخطة الاستراتيجية الوطنية لتطوير التمريض والطبابة في العراق والنهوض بواقع التمريض من خلال البحث العلمي وكذلك معالجة معوقات الخدمات التمريضية من خلال التوثيق التمريضي والتقويم والمتابعة وتنظيم العمل التمريضي في المؤسسات الصحية وتعزيز مشاركة المجتمع المدني للنهوض بواقع المهنة. 

المصدر:باب نيوز

Share |