همسات فكر(54)/عزيز الخزرجي-كندا
Tue, 23 Feb 2016 الساعة : 4:26

شيّبتني (ألأمانةُ) الألهيّة آلتي إحتوتني بإختيار بعد رحلة مليئة بآلأخطار و آلدّروس و آلأسفار حتّى صار قدري في آلوجود!
لتكتمل محنتي حتّى تواضعتُ أمام كلّ خلق الله, بعد ما أدركتُ آلحقيقة آلكبرى و أسرار تلك آلأمانة آلثقيلة بثقل السّموات و آلأرض الذين أشفقن من حملها..
في أحد أسفاري العديدة طالعتُ وصيّة العارف الحكيم (إبو سعيد أبو الخير) للحكيم(أبن سينا) قائلاً:
[عليك يا (إبن سينا) أنْ تخرج من آلأسلام آلمجازيّ و تدخل في آلكُفر آلحقيقيّ].
فأعقب آلحكيم على تلك آلوصيّة بعد زمن من التأمل و التحقيق بالقول:
[لقد سبّبتْ تلك الجّملة تقدّميّ للأمام في مدارج آلأيمان خمسينَ عامّاً].
و لكن كيف حَدَثَ ذلك؟
و لماذا أساساً إلتقى آلفيلسوف (إبن سينا) ألذي بلغ درجة (الحكمة) فيما بعد بسبب وصيّة آلعارف ألحكيم (أبو سعيد)؟
إنّها .. قصّة التّحول آلكبير في حياته و نهجه, بدأتْ مذ سمع (إبن سينا) ألذي كان يشكّ بكرامات ذلك الحكيم ألكبير ألورع ذو آلقدرات ألخارقة .. بعد ما كسر طوق الفقه المتحجر و شرنقة التقليد حتى ذاع صيته في (نيشابور) بإقليم خراسان في إيران التي صارت مركزاً للأشعاع ألفكريّ و آلحضاري حتى يومنا هذا بسبب إنتقال الأمام عليّ بن موسى الرضا(ع) إليها و تأسيسه لمنهجٍ عرفاني مختلف عن آلمناهج الفقهية الكلاسيكية المذهبية التي كانت سائدة أنذاك بحسب فقه المذاهب الأربعة أو الخمسة المعروفة حتّى الآن.
لقد مَلَكَ ذلك العارف قدرات خارقة عَجَزَ آلعِلم عن تفسيرها, و لأنّ (إبن سينا) ألّذي تفرّد بكافة العلوم حيث كان ملك زمانهِ و قمّةً في جميع الأختصاصات الطّبيّة و الفلسفيّة و الطبيعية و الهندسيّة و الفلكيّة و غيرها من النّظريات المعروفة التي إشتهر بها و ما زالت تُدرّس بعضها في الجّامعات المعاصرة؛ و لكن و على الرّغم من كلّ هذا .. فقد إستهوتهُ تلك الأخبار و آلشّائعات عن (أبي سعيد) و تشوّقَ لرؤيته و تمنى آللقاء به, و مقابلته ليتعرّف على أسرار العرفان و تلك القدرات التي تفوق مسائل آلعلم و آلفقه كما أشيع عنه, فترك مقرّه في (آلرّي) مركز إيران إلى حيث خراس
ان شمالاً, و بعد وصوله بآلوسائط التي كانت متوفّرة أنذاك, سأل عن محلّ إقامته, فقالوا:
لقد ترك آلمدينة تواً مع بعض تلامذتهِ لعيادةِ أحد أتباعهِ في إحدى قرى نيشابور, فتبعهِ مسرعاً على الأثر حتى لحقَ به, و بينما كانَ يتبعهُ في الطريق سائراً خلفهُ, إلتفتَ إليه (أبو سعيد) بعد ما قطع غصناً من شجرة و أغرسهُ في قلب صخرة صلدة على الأرض أمام مرآى الجميع حتى بهتوا, ثم نَظَرَ نظرة عتابٍ إلى عينيّ (إبن سينا) قائلاً له:
[يا (إبن سينا) لا تظنّ بي سوءاً]!
فتأسّف آلحكيم (إبن سينا) لحظتها كثيراً على شكوكه و ظنونه السّيئة بحقّ (أبي سعيد) بعد ما رآى معجزته, ثمّ مدحهُ بآلقول:
[إنّ الذي نُفكّرُ فيه .. يَراهُ (أبو سعيد) بعينه]!
و بعد إعترفَ (إبن سينا) بآلحقيقة, قال لهُ (أبو سعيد):
[يا (إبن سينا) إتركْ ما أنتَ عليه, و إخرج من آلأسلام الفقهيّ المجازيّ و إدخل في الكفر الحقيقي].
بمعنى؛ لا تُحصر رُؤيتكَ و جلّ همومكَ على آلظواهر الأيمانيّة و آلمسائل الفقهية الشّكلية المتحجرة .. كما أكثر الفقهاء ألتّقليديون الذين يأتون لهذه الدُّنيا ثمّ يرحلون عنها و لا يتركون أثراً طيّباً في هذا الوجود ..
بمعنى أفصح؛ (عليك يا إبن سينا آلدّخول بآلعُمق لترى باطن و روح آلأسلام).
و عندها ختم (إبن سينا) تجربته العلمية و نظرته ذات الدّلالات العميقة بحقّ ذلك العارف الكبير بآلقول؛
[لقد سَبّبتْ لي تلكَ آلجّملة آلحكيمة من (أبو سعيد) تَقدّمي في مدارج آلأيمان بآلله خمسين عاماً للأمام].