همساتُ فكر(46) الأديان بين المذاهب و العرفان/عزيز الخزرجي-كندا
Sun, 7 Feb 2016 الساعة : 23:19

للرّوح علينا حقوقٌ كما للبدن و هي الأصل الباقي بعد فناء البدن و ضمور الملذات المادّية الآنية لأنّها من الله تعالى وغير قابلة للفناء كما المادة, بل و تزداد قوّةً و ظهوراً كلّما خمدت الشهوات و من حقوقها علينا؛
العناية الكاملة بها و أداء المتطلبات اللازمة لأداء دورها عبر:
الرّياضة الرّوحيّة و قراءة ألآيات و الدُّعاء و آلتأمل و التفكر؛
طرد آلأفكارالسلبية التي تنفذ عن طريق الحواس إليه و آلأبتعاد عن الفساد و التنابز و الوقائع المؤلمة و عدم السّماح للأفكار و الصور المؤلمة الدخول إليها؛
كثرة النظر للسماء و البحار و الأنهار و الزّرع و الألوان السماوية كآلأزرق و الأخضر و الوردي و البنفسجي و اللون الأصفرالمائل للون التربة.
ألتّفكّر و آلتّلذذ بمحاسن و أسرار و نغمة الكون و ما فيها من جمال المخلوقات لإشباع الرّوح بها؛
ألوعيّ و آلأدراك العميقين لكلّ ما في الوجود المرتبط بعضه ببعض و الكل بآلخالق؛
كشف العلاقات الخفية التي تربط تلك المخلوقات ببعض من جانب, و من آلجانب الآخر كلّها بآلخالق.
إدرك ألطاف و رحمة الباري في كلّ صغيرة و كبيرة و حادث و موقف و تسليم الرّوح له في كل الأحوال؛
كشف خفايا و أسرار و آفاق النّفوس التي جعل الله فيها آيات عظيمة, و تيّقن بأنك لو عرفتَ إنساناً واحداً لعرفت الناس جميعأاً؛
معرفة مديات و تداخل آلآفاق كل ما أمكن, و آلأحداث و التلذذ بموسيقى الكون و بآلجّمال الحقيقيّ لا المادي ذات الأبعاد آلآنية المحدودة خصوصا البشرية ثمّ الأنسانيّة ثم الآدمية و أبرزها و أهمّها العلاقات الزّوجيّة الّتي يصفها القرآن الكريم بقوله:
[خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليهاٍ]، و لم يقل؛
[خلق لكم من أبدانكم أزواجاً لتسكنوا إليها],
يعني تزاوج بين النفوس لا بين الأبدان ، كما هو المستفاد من كلمة ( أنفسكم ).
و لكن هل ينفي الباري تعالى البعد المادي من العلاقة الزوجية!؟
بآلطبع كلا, حيث إن التزواج المادي يُسبب تداوم النسل البشري و بدونه تنقطع أسباب ادامة الحياة, لكن يجب أن يُقترن بآلبعد الرّوحي , من حيث لا فائدة في ولادة مخلوق تنقصه الأبعاد الروحية التي تنبثق منها المودة و المحبة و الأنسانية و حب الخير و السخاء و كل الصفات الأخلاقية العالية التي تضفي الحياة و المعنى لوجود الأنسان في الحياة,.
و الواقع و من خلال الدلالات الواضحة للنمط الأخلاقي السائد لأكثر آلبشرية اليوم؛ أن كثيرا من الأزواج حتّى المُؤمنين لا يُدركون تلك الحقيقة ألحسّاسة للغاية، و لذلك يصَبُّ كلّ إهتمامهم في (عوارض البدن) و جمال المال و الماديات و إلإلتذاذ البدني لأنها قريبة من الحواس الظاهرية, من دون الأهتمام بآلغيب الذي هو الأصل الذي يريده الله تعالى أن يتحقق في وجود المؤمن(الذين يؤمنون بآلغيب ...) .. و من المعلوم أنّ الّذي يُحقّق السّكن و الأُنس بين الأزواج العاشقين هو التزاوج النّفسي – أيّ البدن مع الرّوح – الّذي ليس فقط لا ينقطع مع تقادم العمر .. بل و يزداد كلمØ
§ تقدم العمر بآلأنسان، خلافا للعشق التّجاري و آلتزاوج البدني ألمُجرّد ألدائر اليوم بين بني البشر و الذي عادةً ما يفقد بريقه و قوّته في ثوانٍ معدودة و يضعف تدرجياً بعد الشّهور الأولى من الزّواج البدنيّ ثمّ كلّياً في سنّ الشيخوخة .. و من الملفت في هذا السياق أيضاً .. أنّ القرآن جعل الغاية من العلاقات الأنسانية و على رأسها الزّوجية و حتى بين آلأنسان و المخلوقات الأخرى؛ (السّكون) و (المودّة) و (الرّحمة) .. كلّ ذلك من بركات تلاقح الأرواح ألنّورانيّة الطيبة التي تشبّعتْ بمحبّة الله و تنزّها من الموبقات و الحرام!
إذْ أنَّ للسّكونِ و المودّة و الرحمة معانٍ مرتبطةٍ بعالم الأرواح القدسيّة الطاهرة و النّفوس الطيبة المطمئنة ألمدركة و المرتبطة بأصل الوجود، خلافا للمعاشرة المادية و العلاقات الشهوانية التي تقترب من المعاملات التجارية و المصالح الآنية, و علينا أن نؤمن بأنها لا تتعدى بكونها وجدت للتناسل الذي هو من عوارض و إفرازات الهرمونات البدنية ألدّنية ألنجسة ألكريهة الرائحة لكونها ؛[خلقت من صلصال من حمأ مسنون].
و بسبب المفاهيم الدِّينية المشوّهه المنتشرة بين اكثر المسلمين و منهم العراقييين و العرب بسبب المراجع التقليديين الذين يُفسرون آية الزواج كما معظم الآيات القرآنية بآلبعد المادي فقط, و لا يتطرّقون للأبعاد الرّوحية و التربوية و الأخلاقية و الغيبية و المبادئ الأنسانية السامية التي على الزوجين معرفتها و التمسك بها, لأنهم – أي مراجع الدين – أنفسهم لا يفقهون هذه المعاني الألهية العميقة!
هذه المقدمة تُفيدنا لمسألة أهمّ ترتبط بمصيرنا و عاقبتنا و هي نظرتنا و وعينا للأحكام و القونين و المفاهيم الأسلاميّة الثابتة ككل, فهناك نظرتان تُحدّدان رؤية و مسيرة الأنسان و مصيره؛
- ألرؤية الفقهية ألمُتحجرة للمسائل الشّرعية ؛ و هذه آلرؤية السائدة لا تَخرج من حيز أداء الفروض الواجبة في أفضل الحالات و تتحقق عبر مراسيم و عبادات تقليدية يوميّة و فصليّة تتحول لعادات بمرور الزمن تشبه إدائها آلآلات الميكانيكيّة.
- ألنظرة ألعرفانيّة ألأعمق للمسائل الشرعيّة ؛ و هذه تتعدى آلأشكال و القوالب الفقهية و شرنقة الواجبات الديناميكية التقليدية ألتي تقتل روح الأنسان مع تقادم الزّمن, حيث تتحول العبادات الشكلية إلى مجرد حركات و و عادات لا أكثر, بينما من خلال اللنظرة العرفانية ينظر المؤمن إلى الغاية و المراد من الأحكام و المقرّرات الفقهيّة و كيفية تطبيقها و تحقيقها في مسارات الحياة الأجتماعية و السياسية و الأقتصادية .. لا فقط أداء العبادات كطقوس دينيّة عند حدودها الفقهية التي تُكبّل أصحاب (النظرة الفقهية) لأسقاط التكليف الشرعي, بل يتحرّى السّالك العارف من وراء
أحكام الأسلام كوسيلة .. أبعاد و أعماق و فلسفة المسائل الفقهيّة التي ترتبط بآلوجود و ما تهدف إليه من غايات.
هذا هو جوهر الدِّين الذي يُحقّق للمسلم الغاية من العبادات لحلّ لُغز الوجود و معرفة فلسفة خلق الخلق.
و هذا هو الفارق الجّوهري بين التقليديين الذين يُفسّرن سبب الخلق بآلعبادات و بين العرفانييين ألذين يفسرون سبب الخلق بآلعمل و المحبة و التضحية لخدمة المخلوق من أجل الخالق .
و نختم كلامنا بكلام الحكيم كنفسيوش الذي قال: أمام الأنسان ثلاث طرق؛
التقليد ؛ و هو أسهل الطرق.
التجربة ؛ و هي أمَرّ الطرق.
التفكر؛ و هو أسمى الطرق.


