مقتطفات مما يتبناه تيار الشهيد عز الدين سليم-الحلقة الثانية-مرتضى العبودي

Tue, 11 Oct 2011 الساعة : 12:22

حكومة الإنسان:
مهمة الحزب العفلقي خلفت تركة ثقيلة تجدست أولاً في التغير الطارىء على أخلاق أفراد المجتمع بدرجات متفاوتة نتيجة التدمير الواسع الذي أصاب غاليبية الشعب ، والتي بنفس الوقت أثرت سلباً على روح الإنسجام بين مكونات الشعب والتي لعب أمراء هذه المكونات أيضاً دوراً لا يقل خطورة عن مهمة الحزب العفلقي في ضرب أواصر هذه المكونات عن طريق التثقيف الدؤوب بالعنصرية القومية والطائفية وذلك لمصالح ذاتية وقتية. وما الضعف العام في جميع مفاصل الدولة إلا من هذين الإفرازين إذ أن تركة مخلفات حكم الدكتاتور والفوضى العارمة التي رافقت التغيير يشكلان السبب الرئيسي في شيوع الفساد الإداري والمالي وإنتشار عصابات الجريمة المنظمة وما يعرف (بالسلابة والقفاصة) ناهيك عن قضايا النصب والإحتيال والإستيلاء على ممتلكات الغير. الأول يمكن معالجته عن طريق إعادة الثقة وباقي القيم والأخلاق الى الفرد المسروق وعن طريق توفير إحتياجاته الإنسانية وإعاده تثقيفه بالقيم الصحيحة وحفظ كرامته وإعادة إعتباره كقيمة عليا وأثمن الموجودات في الدولة وهذا ما نسمية ببناء الإنسان التي تهدمت أركان روحه أو قل تشوهت في الأيام الصعبة الحرجة التي خلقها اللانظام العفلقي ، وهي مهمة تحتاج الى تضحية وصبر وإصرار على خوض التجربة من قبل التغيريين ممن آمنوا بتيار الشهيد عز الدين سليم والذين سيسطفون معه لأجل إنجاز مهمته النبيلة في بناء دولة الإنسان ، والتي من أساساتها خلق مزاج عام عند الشعب للتغيير ، أما الثاني فسيكون خيار من يؤمن أنه أمام أهم عملية تغيير روحية ومادية تحتم عليه التفاعل الإيجابي الذي سيساهم في عملية إعادة بناء ونمو المجتمع العراقي أو أن يكون في مواجهة مع حكومة الإنسان القادمة التي يؤمن بها الشعب والتي من أولوياتها قطع دابر العنصرية أياً كانت وتعظم الإنسان المتحصن بالقيم الإنسانية.

البحث عن المقومات:

إن الإنسان في جوهره يتطبع بظرفه المحيط ويبدع في رسالته في البحث عن مقومات بقاءه وسعادته وأولى المقومات هذه هي سلة غذاء دائمة تسد الحاجة ثم مأوى وصحة وأمان ومصدر طاقة وهذا هو أساس وقاعدة إنطلاق تمكنه من النهوض والقفز وصولا الى الحضارة التي في فضائها تحلق روحه وتنسجم مع ميولاته الطامحة ، فمن وعيه نشأت علاقات المجتمع وقيمه وروحه ، كذلك تحولاته المرهونة بتغير هذه الظروف وإنعكاساتها ومدى إتساعها لخلق مناخات ولودة لظواهر وثقافات جديدة.
وقد نشطت ظواهر وتجارب فكرية وسياسية عديدة في تاريخ العراق الحديث كان لها قيماً وأهدافاً تغييرية وإصلاحية تأثر وتلون بها العراقييون على إختلاف مشاربهم الأثنية والدينية ، قراءة هذه التجارب والتعاطف مع رجالاتها لا يعني إطلاقاً تبنيها أو تأكيد صحتها ، بل أن تيار الشهيد عز الدين يبين أسباب إخفاقها وعدم إنسجامها مع الواقع الذي يفهمه التيار ويؤمن بأن خلاصه في حكومة الإنسان وتبني الهوية العراقيةً ، ويبقى المهم هو دراسة القيم الأخلاقية والشحن الوطني المضيء الذي خلق إيمان لايزاود عليه في التضحيات والبسالة الفائقة التي أبداها الجنود المخلصون لهذه الظواهر. إذ يتوجب علينا كتيار يسعى للنهوض بالوطن والمواطن - والتي شوهت روحه تجارب ومغامرات الدكتاتورية ومتطلبات بقاء قبضتها على صنع القرار - تفكيك وتحليل هذه الظواهر التي ساهمت بصنع أحداث التاريخ العراقي الحديث والتوقف عند اللمحات الإنسانية المضيئة والروح الوطنية التي تمتع بها الأفراد الفاعلون في تاريخ هذه الظواهر. والسؤال هو: كم كانت هذه الظواهر غنية بالمعنى الإنساني ومدى صلتها وقربها في السعي لتأسيس حكومة الإنسان وتبنيها الهوية العراقية؟

مفاضلة ما بين المدينة الفاضلة ودولة الإنسان:

إن فكرة تأسيس دولة فاضلة (المدينة الفاضلة) تعود للفيلسوف اليوناني إفلاطون ، والتي تغنى بها شعراء كثر بعده ، لكن لم يكن لها حظ في الوجود كونها خيالية بعيدة عن الواقع ، جائت في العصر الذهبي الفكري اليوناني القديم حيث كانت أثينا مزدحمة بطلاب العلم والفلاسفة ، أما فكرة دولة الإنسان فهي فكرة عراقية نادى بها الشهيد السعيد عز الدين سليم مراراً ، ففي كلمته التي ألقاها الشهيد عز الدين سليم في المؤتمر الوطني للسيادة والديمقراطية في سنة 2004 في أربيل يقول الشهيد:
((أنا أدعو الى أهمية نزع تجربة الماضي من حياة العراقيين كافة ، وأدعو ذوي الخبرة وأصحاب الرأي وقادة الفكر الى تأسيس حكومة الإنسان التي تفتح أبوابها لكل القوى والتيارات وتجد الأكثرية فيها طموحها كما تجد فيها الأقلية مواقعها الحقيقية)).
وفي رده على سؤال صحفي عن شكل هذه الحكومة أجاب:
((إننا يجب أن نقيم دولة الإنسان ، دولة تحترم الإنسان بكل كيانه ، لا تفرق بين البشر ، وتعظم كل ماهو إنساني ونبيل ، ثم ليختار الشعب أية حكومة يريد)).
وإذا أعدنا قراءة بيان التفاهم الذي أصدره الشهيد محمد هادي السبيتي قائد الدعوة الإسلامية أنذاك ، نجد نفس ضرورات الخطاب السياسي التي ذاب في فهمها الشهيد عز الدين سليم ((أيها العراقيون جميعاً: إن الحياة السياسية في العراق هبطت الى درجة تكاد لا تصدق ، فقد أشاع المتحكمون الإرهاب الى أن أوصلوه الى جميع الأوساط ، وأصبح الإنسان لا يأمن ، ولا يجد الإستقرار النفسي ، سواء أكان قريباً من السلطة أم بعيداً عنها)) فأتت أطروحة حكومة الإنسان كضرورة تعالج الواقع المر الذي يرزح تحته العراقيون ، ولعل تأثر الشهيد عز الدين سليم بالموروث الأخلاقي والديني وبمثل وقيم الإمام علي إبن أبي طالب (ع) سواء في سيرته العطرة التي نجد فيها العدل ونكران الذات ومقارعة الظالم والتواضع أو في صفاته النبيلة ونظرته الى الإنسان وفي حكم الرعية (إدارة الدولة) وهذا ما لايختلف عليه إثنان ((الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)) أو ((خير الناس من نفع الناس)) ومما تقدم نجد أن فكرة إطروحة الإنسان واقعية بل تقدمية تبدأ من بناء الإنسان وتنتهي ببناء دولة الإنسان وصيانتها.

مرتضى أحمد العبودي
[email protected]

Share |