تاريخ الحج-محسن وهيب عبد-الحلقة الثالثة

Tue, 11 Oct 2011 الساعة : 12:11

هناك مناطق في الأرض يقصدها الناس او يحجون اليها على مر تاريخ البشر منها:
أ‌- القدس:
وهي المدينة المعروفة في فلسطين، بما فيها من مساجد وكنائس، يقدسها المسلمون، ويعتبرونها قبلتهم الأولى وفيها الصخرة التي عرج منها رسول الله(ص)، وأماكن مقدسة أخرى، فقد بارك الله تعالى حواليها.
وفي الديانتين اليهودية والمسيحية، تعتبر مكانا مقدسا، يؤمها اليهود و النصارى، لإقامة طقوسهم الدينية، وفيها من ألاماكن المقدسة الكثير منها:
1- كنيسة القيامة: حيث يعتقد الكثير منهم وجود ضريح المسيح عليه السلام فيها(كنيسة القبر المقدس)، والحج إلى كنيسة القيامة، عادة يكون في عيد الفصح السنوي، وهو العيد الرئيسي عند المسيحيين، وهو ذكرى قيام المسيح من بين الأموات، ويقع بين(22مارس-25ابريل)، ويرتبط به عدد كبير من الأعياد، ويسبق بالصيام الكبير الذي يدوم أربعين يوما.
2- كنيسة المهد: المهد مكان مولد المسيح عيه السلام وتقع في بيت لحم.
3- حديقة المعصرة جشماني:توجد أسفل جبل الزيتون.
4- مغارة بأعلى جبل الزيتون: مكان التقاء السيد المسيح عليه السلام بحواريه قبل صعوده إلى السماء.
5- جبل الزيتون:مواجه لأسوار المسجد الأقصى، والتلمود يسميه(جبل المسح ) أي جبل التتويج ؛ لأنهم يأخذون من زيتونه الزيت المقدس.
6- وهناك هيكل سليمان ووادي قدرون وحائط المبكى من مقدسات الديانتين المشمولة بمراسم حجهم إلى تلك الديار.
ب- الكعبة :
يقول العلامة الطباطبائي:(كانت الكعبة مقدسة معظمة عند الأمم المختلفة، فكان الهنود يعظمونها؛ ويقولون: إن روح(سيفا) ، وهو الأقنوم الثالث عندهم، حلت في الحجر الأسود حين زار مع زوجته بلاد الحجاز .
وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها احد البيوت السبعة المعظمة، وربما قيل: انه زحل لقدم عهده وطول بقائه.
وكانت الفرس، يحترمون الكعبة زاعمين ان روح (هرمز)حلت فيها، وربما حجوا إليها زائرين.
(وكان اليهود يعظمون الكعبة ويعبدون الله فيها، على دين إبراهيم، وكان بها صور وتماثيل، منها تمثال إبراهيم وإسماعيل، وبايديهما الازلام، ومنها صورتا العذراء والمسيح، ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضا كاليهود.
وكانت العرب أيضا تعظمها كل التعظيم، وتعدها بيت الله تعالى، وكانوا يحجون إليها من كل جهة وهم يعدون البيت بناء لإبراهيم، والحج من دينه الباقي بالتوارث) .
ومن خلال القران نتبين أن الكعبة كانت قائمة قبل إبراهيم، إلا أنها دثرت مع الزمن، فلما أمر الله أن يقيم قواعدها؛ كان ذلك إيذانا لتطهير البشر من النفعية في الدين من خلال الدين ذاته بتشريع فريضة الحج.
حيث يقول الله تعالى:
( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) .
وبعد الانتهاء من هذه المهمة، أمره الله تعالى ان يصدح بالنداء؛ فقال جل القائل:
( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)
روى ابو بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال:
( ان آدم عليه السلام هو اول بنى البيت ووضع اساسه، واول منكساه الشعر، واول من حج اليه ثم كساه تبع بعد آدم الانطاع، ثم كساه ابراهيم الخصف، واول منكساه الثياب سليمان بت داود عليه السلام) .
وعن الرضا عليه السلام: ان رجلا سأل امير المؤمنين عليه السلام: كم حج آدم من حجة؟
فقال عليه السلام:سبعين حجة ماشيا على قدميه…الحديث .

الحج؛ عند البشر جميعاً:
الحج؛ هو زيارة جماعية لمكان مقدس، في وقتٍ معلوم، بقصد الشعور باقتراب خاص من المعبود الذي يؤمنون به.
ويربطون هذه الزيارة بذكريات معينة موغلة في القدم، تتصل بالمكان الذي يفدون إليه.
هكذا كان الحج ولا يزال، فقد قدس الناس الأشجار والغابات والجبال، والأنهار، والآبار وجعلوا منها أماكن يزورونها جماعات، فيشعرون بالقوة التي يبعثها في نفوسهم العدد الكثير، وبالطمأنينة لوجودهم معاً في موقف عبادة ذات شعائر خاصة، ونظام دقيق.
ومن المؤكد أن الإنسان في العصور السحيقة قبل التاريخ، كان يرتاد بقاعاً من الأرض يجد لها رهبة، أو راحة نفسية، أو شفافية روحانية، يحلق بها في آفاق أسمى من المطالب المادية التي تحاصره، ثم تبلور هذا الشعور في العصور التاريخية القديمة.
فالمصريون القدماء كانوا يعتقدون أن آلهتهم الفرعونية تجتمع في معبد ((أوزيريس)) بمدينة ((أبيدوس)) في عيد هذا المعبود، فكانوا يحجون إليه بهذه المناسبة.
وكان الهنود يحجون إلى المعابد الضخمة بجبال الهملايا، أو على ضفاف نهر الكنج، في ((جمنا))، أو ((برندابان)) أو في مدينة ((بنارس)) الجليلة القدر عندهم.
وفي الصين كانت الجبال المقدسة التي يؤمونها للحج كثيرة، خاصة جبال ((تاي- تشان)).
وفي اليابان حيث تلتقي عبادة أرواح الأسلاف بالطقوس البوذية، في تعايش سلمي منسجم، تقوم معابد (الشنتو)- أي تقديس الأسلاف- مستقلة عند المعبد البوذي ومجاورة له: الأولى تسمى في لغتهم ((جنجا)) والثانية ((أوتيرا)).
وأماكن حجهم على الجبال العالية، ولاسيما جبل ((فوجي ياما))، كما يؤمون المعابد البوذية في مدينة ((نارا)) حيث أقسم أسلافهم القدماء على تحرير وطنهم من التبعية لإمبراطور الصين، فأصبح معبدها البوذي مكاناً للحج.
وفي العراق القديم، كانت كل إمارة سومرية، أو أكدية في (الألف الرابع قبل الميلاد) تتخذ لها عاصمة: تل العبيد، الوركاء، الزقورة في أور، إريدو، تل خلف، نينوى، بابل، خفاجي، أربل، كركوك... إلخ.
وكان تخطيط العاصمة يبدأ بمعبد مركزي، يمنح المدينة قدسيتها، إذ يصبح حرماً ومكاناً للحج.
وكان هذا المعبد إما مربعاً، إشارة إلى الله هو المهيمن على الجهات الأربع للعالم: الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإما بيضاوياً، يذكر بأن الله خالق للحياة، بإرادته تخرج الدجاجة، لتبيض بدورها بمشيئته، فتستمر الحياة.
وفي كل معبد برج شامخ يسمونه ((زقورة)) شكله مربع في المعابد المربعة، ومستدير في المعابد البيضاوية، ينتهي من أعلى بشرفة يرصد منها الكهنة النجوم- وكانوا يعبدونها- ويعلنون بدايات الطقوس الدينية للحجاج. وهكذا كان الحج في إيران القديمة وبلاد الحيثيين في آسيا الصغرى وغيرها من بلدان العالم القديم.
وإذا كان إبراهيم الخليل (ع) قد رفع القواعد من بيت الله في مكة المكرّمة، فإنه لم يرد عنه، حتى في المرويّات اليهودية، أنه بنى الله- تعالى- بيتاً آخر في فلسطين، بل يقولون: إنه مرّ ببلدة((سالم)): وهو الاسم الفلسطيني القديم للقدس فنزل ومن معه ضيوفاً على ملكيصادق (ملك الفلسطينيين) وقدّم ملكيصادق ملك (سالم) خبزاً ونبيذاً؛ لأنه كان كاهناً لله العليّ، ثمّ باركه وقال: ((مبارك أبرام من الله العلي مالك السموات والأرض، وتبارك الله العليّ الذي دفع أعداءك إلى يديك)) .
أما الساميون فقد كانوا على اختلاف عشائرهم يحجّون إلى أماكن معيّنة في أوقات معلومة. وكان أهم هذه البقاع المباركة عندهم، الجبال والأشجار والآبار وعيون الماء.
فنقرأ مثلاً في التوراة:
((وهذه هي الرسوم والأحكام التي أعطاك الرب إله آبائك، لتملكها كلّ الأيام، التي تحيونها على الأرض، تقوّضون جميع المواضع التي كانت الأمم التي ترثونها تعد فيما آلهتها: على الجبال الشامخة. والتلال، وتحت كلّ شجرة وارفة، وتهدمون مذابهم، وتكسّرون أنعامهم، وتحرّقون غاباتهم بالنار، وتحطمون زخارفهم لآلهتهم، وتمحون أسماءهم من ذلك الموضع، حتى لا تصنعوا هكذا من الرب إلهكم. بل الموضع الذي يختار الربّ إلهكم من جميع أسباطكم. ليجعل فيه اسمه ويسكن فيه، فتؤمونه. وإلى هناك تسيرون، حاملين إليه محرماته وذبائحكم وأعشاركم وتقدمات أيديكم ونذوركم ونوافلكم وبكور بقركم وغنمكم. وتأكلون هناك أمام الرب إلهكم وتفرحون بجميع ما تمتد إليه أيديكم أنتم وبيوتكم، مما بارككم فيه الرب إلهكم)) .
ولم ينصّ الرب- لا هنا ولا في أي نصّ من كتابهم- على هذا الموضع! أمّا ((أورشليم)) فلم يكن اسمها قد أطلق عليها بعد، بل كانت تحمل اسم ((سالم)) الفلسطيني، ثمّ سميت ((يبوس)) باسم العشيرة الفلسطينية التي كانت تسكنها، أما ((أورشليم)) فقد بدأ بناءها داود وأتمّها سليمان، كل ذلك بعد موسى بخمسمائة سنة، وهما عند اليهود من الملوك وليسا من الأنبياء، ولا الكهنة!.
وكان اليهود- أو بنو إسرائيل- يجعلون من الأشجار والجبال والتلال وعيون الماء والآبار مزارات يحجّون إليها ويتبرّكون بها، ويبنون عندها معابدهم .
ولا يفوتنا أن نذكر ((بئر الحيّ الرائي)) بالقرب من الخليل، وقبالة سنديانة قمراً، وكثير من اليهود يحجّون إليها حتى اليوم، لما جاء في التوراة:
((وكان بعد موت إبراهيم أنّ الله بارك إسحق ابنه، وأقام إسحق عند بئر الحيّ الرائي....))
كما سبق ذكر التبرك بهذه البئر، إذ تزوج عندها إسحق من رفقة، قبل موت أبويه إبراهيم وسارة .
أما معبد ((بيت إيل)) الذي أقامه يعقوب في أرض كنعان بالقرب من نابلس، فقد كان المكان الأول الذي يحج إليه بنو إسرائيل حتى بعد أن شيّد سليمان الهيكل في القدس، ولم يفقد منزلته هذه إلاّ بعد انشطار مملكة سليمان نصفين بعد وفاته:
السامرة شمالاً وكانت مملكة معادية لأسرة داود وسليمان في الجنوب، وتسمّي نفسها إسرائيل! واستمرّت في الحجّ إلي ((بيت إيل)). أمّا أسرة يهوذا المنحدرة من داود وسليمان فكانت تحج إلى ((الهيكل)) في أورشليم، وهو الاسم الذي اشتهرت به منذ سليمان.

الحج إلى الكعبة قبل الإسلام:
عن الشهرستاني في ملله ونحله، عن العرب قبل الإسلام؛ قال:(وكانوا يحجون البيت ويعتمرون، ويحرمون؛ قال زهير:
وكم بالقيان من محل ومحرم…
ويطوفون بالبيت سبعا، ويمسحون بالحجر، ويسعون بين الصفا والمروة؛ قال أبو طالب:
وأشواط بين المروتين إلى الصفا وما فيهما من صورة وتخايل
وكانوا يلبون، إلا أن بعضهم كان يشرك في تلبية: في قوله: " إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"، ويقفون المواقف كلها؛ قال ألعدوي:
فاقسم بالذي حجت قريش وموقف ذي الحجيج على الآلي
وكانوا يهدون الهدايا، ويرمون الجمار، ويحرمون الاشهر الاشهر الحرم؛ فلا يغزون، ولا يقاتلون فيها… الا (طي) و(خثعم) و بعض(بني الحارث بي كعب)؛ فانهم كانوا لا يحجون، ولا يعتمرون، ولا يحرمون الاشهر الحرم ولا البلد الحرام.
ولنما سمت قريش الحرب التي كانت بينها وبين غيرها: (عام الفجار)؛ لانها كانت في الاشهر الحرم حيث لا تقاتل؛ فلما قاتلوا فيها، قالوا قد فجرنا، فلذلك سموها (حرب الفجار).
وكانوا يكرهون الظلم في الحرم؛ وقالت امرأة منهم تنهى ابنها عن الظلم:
ابني! لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير
ابني! من يظلم بمكة يلق أطراف الشرور
ابني! قد جربتها فوجدت ظالمها يبور
ابني! امن طيرها والوحش تامن في ثبير
ومنهم من كان ينسئ الشهور، وكانوا يكبسون في كل عامين شهرا، وفي كل ثلاثة، وفي كل ثلاثة اعوام شهرا؛ وكانوا اذا حجوا في شهر من السنة لم يخطئوا ان يجعلوا يوم التروية، ويوم عرفة ، ويوم النحر؛ كهيئة ذلك في شهر ذي الحجة؛ حتى يكون يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر، ويقيمون(بمنى)؛ فلا يبيعون في يوم عرفة، ولا في ايام منى، وفيهم انزلت: " انما النسئ زيادة في الكفر"))
تعد أيام الحج وما بعدها أعياداً تقام بها الأفراح لإدخال السرور إلى قلب الأرباب. ويكون الحج بالدعاء وبمخاطبة الآلهة، غير أنّ بعض الجاهليين كان يحجّ صامتاً أي من دون كلام. وقد تميّز الشهر الذي يقع فيه الحج عن الأشهر الآخرى بتسميته بشهر ذي الحجة وبشهر الحج.
وهذه التسمية المعروفة حتى الآن في التقويم الهجري هي تسمية قديمة، كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام .
وكان هناك عدد من الآلهة يحج الناس إليها في الجاهلية؛ لذلك تعددت بيوت الأرباب.
ومعنى هذا أنّ حج أهل الجاهلية لم يكن إلى مكة وحدها، بل كان إلى محجّات عديدة أخرى، بحيث حجّ كلّ قوم إلى البيت الذي قدّسوه، والصنم الذي عبدوه وطافوا حوله وتقرّبوا إليه ولبّوا له.
وكانت ((قريش)) تتعبّد لأصنامها في الكعبة، ولكنها كانت تزور ((العزّى)) وتهدي لها؛ تتقرّب لها بالذبائح.
كما كانت ((قضاعة)) و((لخم)) و((جذام)) و((أهل الشام)) يحجّون إلى ((الأقيصر)) ويحلقون رؤوسهم عنده.
وكانت ((مذحج)) تحج إلى ((يغوث)).
كما كانت ((طي)) تعبد ((الغلس)) وتهدي إليه.
وكانت ((ثقيف)) تعبد ((اللات)) في الطائف.
وحجّ الجاهليون إلى بيوت أخرى؛ مثل ((بيت نجران)) و((بيت ذي الخلصة)) و((بيت مناة)) و((بيت جهار)) و((سواع الشمس)) و((محرق)) و((مرحب)) و((ذريح)) .
ولم تكن طقوس الحج إلى مكة واحدة عند كل القبائل، بل كانوا يختلفون ويصنّفهم المؤرخون في صنفين عامين هما ((الحمس)) أو ((الأحماس)) و((الحلّة)) ويضيف البعض صنفاً ثالثاًَ هم ((الطلس)) أو ((الأطلاس)).
و((الحمس)) من العرب، وهم قريش كلها و ((خزاعة)) لنزولها مكة، وكلّ من ولدت قريش من العرب، وكل من نزل مكة من قبائل العرب. أمّا ((الطلس)) فهم سائر أهل ((اليمن)) وأهل ((حضر موت)) و((عك أياد)). أمّا ((الحلة)) فالمفروض أنهم بقية القبائل.
يذكر المؤرخون؛ أنّ الطائفين بالبيت كان صنف منهم يطوف عرياناً، وصنف يطوف في ثيابه، ويعرف من يطوف بالبيت عرياناً ب((الحلّة)).
أمّا الذين يطوفون بثيابهم فيعرفون بـ((الحمس)).
وكان ((الطلس)) لا يتعرون حول الكعبة ولا يستعيرون ثياباً، ويدخلون البيوت من أبوابها لا يئدون بناتهم.
وكان((الحلّة)) يقصدون من نزع الثياب طرح ذنوبهم معها ويقولون: إنهم لا يطوفون في الثياب التي فارقوا فيها الذنوب، ولا يعبدون الله في ثياب أذنبوا بها. وذكر أنّ ((الحلة)) إذا أتّموا طوافهم تركوا ملابسهم عند الباب ولبسوا ملابس جديدة .
وقد منع الإسلام طواف العري في أي وقت، وحتّم على جميع قريش وغيرهم لبس الإحرام. والإحرام قديم عرف عند غير العرب أيضاً.
ويظهر أن أهل مكة وقريشاًَ كانوا يلبسون الإحرام أو يعيرونه لغيرهم من العرب إن كانوا من حلفائهم.
ومن المحتمل أن ((المعينيين)) و((السبيئيين)) و((القتبانيين)) و((الحضرميين)) كانوا يطوفون حول معابدهم على نحو ما كان يفعله أهل الحجاز؛ لأن الطواف حول بيوت الأصنام من السنن الشائعة بين العرب وعند بني ((أرم)) و((النبط)). وكان الطواف حول البيت الحرام بمكة سبعة أشواط .
ومن مناسك الحج: التلبية وهي إجابة الملبّي ربّه وقولهم: لبّيك اللّهمّ لبّيك معناه: إجابتي لك يا رب.
وكان الجاهليون يلبّون تلبيات مختلفة، فتلبية قريش كانت: ((لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك)).
وتلبية من نسك للعزّى كانت: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك ما أحبنا إليك)). وتلبية من عبد اللات كانت: ((لبيك اللهم لبيك كفى ببيتنا بنيه ليس بمهجور ولا بلية، لكنه من تربة زكية أربابه من صالحي البرية)).
وكانت تلبية من عبد ((هبل)): ((لبيك اللهم لبيك إننا لقاح حرمتنا على أسنّة الرماح يحسدنا الناس على النجاح)). والتلبية هي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام ولكنّه غير صيغها القديمة بما يتّفق مع عقيدة التوحيد، فصارت على هذا النحو:
((لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك. إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)).
كما جعلها جزءاً من حج مكة بعد أن كانت تتم خارج مكة، إذ كانت كل قبيلة تقف عند صنمها وتصلي عنده ثم تلبي قبل أن تأتي إلى مكة، وذلك بالنسبة لمن كان يحج مكة فأبطل ذلك الإسلام .
ومن مناسك الحج السعي بين الصفا والمروة وكان بهما صنمان هما لـ((أساف)) و((نائلة)) وطواف الحجاج بهما قدر طوافهم بالكعبة أي سبعة أشواط وكانت قريش تقوم بذلك.
أمّا غيرهم فلم يطوفوا بهما. وبين ((الصفا)) و((المروة)) يكون المسعى وكان ((أساف)) بالصفا و((نائلة)) بالمروة.
وكان أهل مكة يطوفون بـ((أساف)) أولاً ويلمسونه كل شوط ثم ينتهون بـ((نائلة)) ويلبّون لها. وذكر أن قوماً من المسلمين قالوا:
يا رسول الله! لا نطوف بين ((الصفا)) و((المروة))، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية، ولما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل الله في كتابه الكريم:
{إن الصفا والمروة من شعائر الله} .
ويتّضح من الأخبار أن الذين كانوا يطوفون بالصنمين ويسعون بينهما هم قريش خاصة؛ لأنها كانت تعبد الصنمين، وليس كلّ من كان يحج من العرب.
وقد استبدل الإسلام الطواف بالسعي بين الموضعين. وذكر أن السعي بين ((الصفا)) و((المروة)) شعار قديم من عهد هاجر أم إسماعيل .

الوقوف بعرفة:
ومن مناسك حج أهل الجاهلية الوقوف بـ ((عرفة)) ويكون ذلك في اليوم التاسع من ذي الحجة ويسمى ذلك اليوم ((يوم عرفة)). ومن ((عرفة)) تكون الإفاضة إلى ((المزدلفة)) ومن ((المزدلفة)) إلى ((منى)).
وكان الجاهليون من غير قريش يفيضون في ((عرفة)) عند غروب الشمس وفي ((المزدلفة)) عند شروقها. ولم يكن ((الحمس)) يحضرون ((عرفة)) وإنما كانوا يقفون ((بالمزدلفة))، وقد بدّل الإسلام ذلك وأخضع الجميع للوقوف بـ((عرفة)). قال تعالى:
{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} .
يعني من ((عرفة)).
و((عرفة)) موضع على مسافة غير بعيدة من ((مكة)).
ولابدّ من أنه كان من المواضع التي قدّسها الجاهليون، وربما كان له ارتباط بصنم من الأصنام.
ويقف الحجاج المسلمون موقف ((عرفة)) من الظهر إلى وقت الغروب.
وقد يكون وقوف الجاهليين في ((عرفة)) وقت الغروب له علاقة بعبادة الشمس، فإذا غربت الشمس اتجه الناس إلى ((المزدلفة)) وهي على منتصف الطريق بين ((عرفة)) و((منى)).
وفيها يبيت الحجاج ليلة العاشر من ذي الحجة، وقد وصفت في القرآن الكريم بالمشعر الحرام.
وكانت الإفاضة منها عند شروق الشمس إلى ((منى)). ومن المحتمل أن ((المزدلفة)) كانت من مواضع الجاهلية المقدّسة التي لها صلة بالأصنام .
وذكر جبل بـ((المزدلفة)) اسمه ((قزح))، وهناك صنم يقال له: ((قزح)) وقد تكون له صلة بهذا الموضع. ويذكر أنه كانت على قزح اسطوانة من حجارة مدوّرة محيطها (24) ذراعاًَ وارتفاعها (12) ذراعاًَ كانت توقد عليها النيران منذ زمن قصّي ليلة الجمعة.
وعند طلوع الشمس اليوم العاشر من ذي الحجة كان الحجاج في الجاهلية يفيضون من ((المزدلفة)) إلى منى لرمي الجمرات ولنحر العتائر*، وإفاضة الجاهليين عند طلوع الشمس له دلالة على عبادة الشمس عندهم .
رمي الجمرات:
ورمي الجمرات بمنى من مناسك الحج، وهو من شعائر الحج المعروفة في المحجات الأخرى في جزيرة العرب، وكان معروفاً عند غير العرب أيضاً.
ويرجع أهل الأخبار مبدأ رمي الجمرات إلى ((عمر بن لحي)). وترمى الجمرات على مكان عرف بموضع الجمار بمنى، تتجمع وتتكوّم عنده الحصى، وهي جمرات ثلاث:
الجمرة الأولى، والجمرة الوسطى، وجمرة العقبة. ويرمي المسلمون كلاً منها بسبع حصي .
النحر:
ومن الشعائر المتعلقة بمنى نحر الذبائح وهي ((العتائر)) في الجاهلية، والأضاحي أو الهدي في الإسلام ولذلك عرف هذا العيد بعيد الأضحى.
وكان الجاهليون يقلّدون ((عتائرهم)) بقلادة أو بنعلين يعلّقان على رقبة الحيوان إشعاراً للناس بأنه للذبح.
الحلق:
ولا يحلّ للحجاج في الجاهلية حلق شعرهم أو تقصيره طيلة حجّهم وإلا بطل حجّهم.
ويلاحظ أن غير العرب من ((الجزيريين)) كانوا يفعلون ذلك في المناسبات الدينية. وكانت القبائل لا تحلق شعرها إلا عند أصنامها وذلك بعد النحر مباشرة ولا يجوز أن يتمّ قبله.
ولا يمتد إلى بقية الآلهة فكان الأوس يحلقون شعرهم عند مناة، وكانت ((قضاعة)) و((لخم)) و((جذام)) تقصّ شعرها عند ((الأقيصر)).

 

Share |