هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية:موضوع العمل واستقلال الاداء-حميد طارش الساعدي
Mon, 10 Oct 2011 الساعة : 9:02

يوجد تشابه بين ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة من حيث موضوع العمل المتمثل بالمال العام ، لكن لكل منهما واجبات محددة يتم التعامل بها مع المال العام، ديوان الرقابة المالية ، قديم وبدا تاسيسه مع تاسيس الدولة العراقية الحديثة ، حيث كان اول ظهور له في عام1927 بموجب قانون تدقيق الحسابات العامة رقم17لسنة1927 تحت عنوان دائرة مراقب الحسابات العام المرتبطة بوزارة المالية ، ثم كان اول تاسيس لديوان الرقابة المالية المستقل عن السلطة التنفيذية والمرتبط بالسلطة التشريعية بموجب القانون رقم 42في14/4/ 1968وكان قانونا جيدا يواكب التشريعات المالية المتطورة آنذاك ، ثم اعقبه صدور قانون ديوان الرقابة المالية رقم 194 لسنة 1980 ، وكان الهدف منه لتشديد القبضة المركزية للدولة على اموال مؤسساتها ، لكن بعد تنامي دور ديوان الرقابة المالية وتقييمه السلبي لمؤسسات القطاع العام التي تمت هيكليتها بناءا على تقييم الديوان وعوامل اخرى ، اتجهت السلطة الى تشريع قانون رقم6لسنة1990لتقليص دور رقابة الديوان على اموال السلطة التنفيذية.
وفي عام 2003تم حل الديوان باعتباره احدى مؤسسات مجلس قيادة الثورة المنحل ، لكن في عام 2004 تدخل مجلس الحكم لاصدار الامر (77)لسنة2004لتعديل قانون رقم (6)لسنة1990، والعمل من جديد بموجبه.
وقد استقر عمل الديوان على مراقبة الجانب المهني في تعامل مؤسسات الدولة مع المال العام ، وبالتالي ، يكون دورها الرقابي ، تقويمي وتعليمي وارشادي ، اكثر مما هو محاسبي ، بل حتى الاخير ، في حالة ظهور حالات تستوجب المحاسبة يتم التعامل معها ، الى حد ما وليس مطلقا ، بطريقة القانون المدني والتعويض والتضمين والعقوبات الانظباطية ، وليس القانون الجنائي ، كما هو الحال عند هيئة النزاهة المتمثل واجبها في مراقبة جانب النزاهة والاختلاس والرشوة والامانة ،والاخيرة حديثة العهد ، وكان اول ظهور لها في عام 2004،بموجب الامر رقم55لسنة2004، من هنا لم تكن النظرة موحدة لدى العاملين في مؤسسات الدولة تجاه هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ، حيث كانت الاصوات عالية بالاشادة بمهنية ديوان الرقابة المالية بل والدعوة الى الاستعاضة به عن هيئة النزاهة ، بل ظهرت بعض الاصوات التي وصفت الاخيرة (بالمعطلة او من وسائل ارهاب الدولة لموظفيها ) ، فضلا عن ، لم يحدث يوما صراعا حادا او تأزما في تنصيب او اعفاء رئيس ديوان الرقابة المالية كالذي يحدث مع تنصيب او اعفاء رؤساء هيئة النزاهة ، بل كان اعفاء كل واحد منهم ، عبارة عن ازمة مثيرة للعديد من التساؤلات.
وهذا يدلل على اختلاف الدور بين هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وان اتحدتا في موضوع العمل او في التكامل من اجل الحفاظ على المال العام ، ومن المؤكد لكل منهما دور كبير لايمكن الاستغناء عنه ، لكن بسبب طبيعة خطورة دور هيئة النزاهة ، وكما نص الدستور العراقي الدائم في المادة (102) اعتبارها هيئة مستقلة تماما عن السلطات الثلاث وبمستوى استقلالية هذه السلطات كونها حارسة المال العام من أي استغلال للنفوذ ، ومن غير المنطقي ان تكون حارسة المال خاضعة لنفوذ سلطة اخرى مهما كانت ، اما ما يتكرر عن رقابة مجلس النواب فهذه وظيفته الطبيعية في الرقابة على كافة المؤسسات في الدولة ، وهذا تحصيل حاصل ، ولايعني خضوع او ارتباط هيئة النزاهة بمجلس النواب ، وفي هذا تشاطرها ، مفوضية الانتخابات الصانعة للسلطات ومفوضية حقوق الانسان ، التي لم تر النور ، باعتبارها مؤسسة رسمية ترعى حماية حقوق الانسان التي ظلت موضع انتهاك مستمر من قبل سلطات الدولة وبالتالي هي بحاجة الى هيئة غير خاضعة لاي سلطة في الدولة ، وهذه الهيئات الثلاث ، هي فقط ، التي نص عليها الدستور في المادة المذكورة ، مستقلة استقلالا تاما ، كالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ولنفس الاسباب والاهمية التي اقتضت استقلالية هذه السلطات.
اما ديوان الرقابة المالية فقد جاء النص عليه في المادة (103)من الدستور، بانه يتمتع بالاستقلال المالي والاداري ومرتبطا بمجلس النواب ، وجاء منسجما ، من حيث الوظيفة الرقابية لكلاهما ، ومن الناحية التاريخية باعتبارها مؤسسة مرتبطة بالسلطة التشريعية ، ومن الناحية العملية بفصلها عن مجال رقابتها الواسع داخل السلطة التنفيذية وضرورة استقلالها عنها.
اذن يكون تشكيل لجنة من (9)اعضاء من مجلس النواب،المنصوص عليها في قانوني هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية الصادرين مؤخرا من مجلس النواب ، لاختيار رئيس ديوان الرقابة المالية ، مقبولا الى حد ما ، اذا تمت مراعاة المهنية والنزاهة في اختياره ، باعتبار الديوان مرتبطا به ، لكن لايمكن تصور نجاح الامر بهذه الطريقة في اختيار رئيس هيئة النزاهة للاسباب المذكورة انفا . وكان الافضل للمشرع اعتماد طريقة( اختيار اعضاء مفوضية حقوق الانسان) عن طريق تشكيل لجنة خبراء او اعتماد طريقة اشراك السلطات الثلاث في الاختيار من خلال الترشيح والموافقة ثم التصديق.
(*)باحث قانوني وناشط حقوقي
Email:[email protected]