رشوة وفساد وتمرير معلومات "كاذبة" في جبهات القتال (3)

Mon, 16 Nov 2015 الساعة : 7:25

وكالات:
تشير الحلقة الثالثة من "يوميات مقاتل"، إلى مكامن خطيرة من الفساد والرشوة والسرقات المتفشية بين الضباط، لاسيما أصحاب المناصب المهمة والمؤثرة، ما يتطلب وقفة جادة تكشف أولئك المفسدين وتحاسبهم، لأنهم يمثلن طابوراً خامساً يدعم الإرهاب ويساعده، ويعطّل الحرب، ويتسبّب في خسائر جمة في اقتصاد البلاد وميزانيتها.

ففي خلال فترة بقائي خلصت إلى استنتاجات وتقييم، لابد من الإشارة اليها، لأنها توضح خلاصة تجربتي على رغم إنّ لا دليل ماديا يوثقها، لكنها حقيقية وواقعية لكونها معروفة و متداولة، وتجري على ألسنة المصادر و شهود العيان، و من قلب الحدث و في كافة سوح القتال.

إن مما لا شك فيه إن وزير الداخلية العراقية، محمد الغبان، يهتم بأدق تفاصيل الأحداث في ساحة القتال، لاسيما ما يتعلق بدور وزارته ومشاركتها على الصعيدين، التعبوي والقتالي.

ولهذا السبب، يعوّل المقاتلون والإداريون، لاسيما من منتسبي وزارة الداخلية، على الوزير الغبان، وكذلك الجهات الأخرى التي تجد نفسها معنية بما أوردته حلقات "يوميات مقاتل"، في فتح تحقيق في كل ما أشارت إليه حلقات "اليوميات"، والتي هدفت الى كشف الحقيقة في الميدان، ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بخدمة منتسبي الداخلية في جبهة الحرب، ومنتسبي الأجهزة الأخرى، التي يُراد منها المساهمة الفعالية في دحر داعش، وليس إجراءات شكليا روتينيا، كما يتصوره الفاسدون وغير الكفوئين ممّن أنيطت بهم مهام تنظيم مشاركة منتسبي الداخلية الميدانية في قتال تنظيم داعش، وهو شرف عظيم يسعى اليه كل مقاتل.

إن هذا التحقيق الذي تدعو له تقارير "اليوميات"، ليس القصد منه إجحاف الدور الكبير لمنتسبي الداخلية ومقاتلي الأجهزة الأخرى، في جبهة الحرب، وهو دور معروف ومشرّف، لكنه يهدف إلى جعل المشاركة، تجربة غنية خالية من الأخطاء لكي تُكتب على صفحات تاريخ الوزارة، وتقرأها الأجيال اللاحقة، بكل فخر واعتزاز.

وفيما يلي النقاط التي تلخّص تجربة المقاتل الميداني في يومياته:

1- بحسب الضباط الذين حاورتهم، فان هذه الأفواج تسمى "أفواج التحرير"، لكنها لم تُجهز بآليات صالحة للإستخدام الميداني بصورة كافية، كما إن أغلبها معطل تماماً، ناهيك عن "قلة" الدعم اللوجستي الذي لا يتناسب مع حجم و أهمية المعركة.

أجابني الضباط حول استفساراتي بالقول إنه عند تشكيل أفواج التحرير تم تخصيص ستمائة مليون دينار لكل فوج، لكنها لم "تصل" أو لم تصرف بشكلها الحقيقي، وإن الضابط الذي يسعى إلى نقل خدمته من "فوج التحرير" إلى "الأفواج" في داخل مراكز المحافظات، عليه دفع مبلغ يصل إلى نحو سبعة آلاف دولار.

2- عندما يكون هنالك تعرّض من تنظيم داعش الإرهابي و يتم التصدي له، فان البرقية المرسلة تتضمن معلومات تتناقض مع الواقع، لاسيما ما يتعلق بالعتاد (المستخدم). أحد الأمثلة على ذلك، ما حدث في أحد "التعرضات" حين تم إطلاق خمس صواريخ كاتيوشا، لكن البرقية مرّرت الى الجهات العليا المعينة معلومة تفيد باطلاق نحو خمسة عشر صاروخا.

كما تم استخدام مائتي إطلاقة أحادية، فيما تضمنت البرقية، استهلاك ثمانمائة وخمسين إطلاقة، وهكذا مع قذائف الهاون و بقية العتاد أنواع العتاد.

والسؤال: إين يذهب الفرق في كميات العتاد ؟..لم أستطيع التوصل الى الحقيقة، لكنها معروفة وجليّة.
وفي أحد الأيام، كنت متواجدا في غرفة الإدارة، وكانت هناك دورية عائدة لمقــر "القاعدة صقر"، حين تم نقل عتاد من مقرنا القتالي إليها.

حينها أبلغ الضابط، موظف الحاسوب بطبع تخويل "إعادة عتاد" الى قاعدة صقر، وهو أمر وفق السياقات إلى الآن.

لكن الغريب في الموضوع، إن الضابط طلب طبع التخويل بنسخة واحدة فقط، وعدم حفظه مع الأوليات في إضبارة الحفظ كما هو متبع إدارياً و قانونياً. كذلك أمر بإزالة المتعلقات من الحاسوب، و لم يغادر المكان إلا بعد أن تأكد بإن كل المعلومات حول الموضوع قد أزيلت من الحاسوب.

3-في أحد أيام خدمتي في قاطع العمليات، اتّجهت الى شعبة أو قسم "النقل والتموين" لكي أزود العجلة العسكرية بالوقود.

وفي إثناء ذلك، استرقت السمع إلى حوارات وأحاديث بين عدد من الضباط من دون أن ينتبهوا لوجودي.
وفي احدى هذه الحوارات، التي تكشف عمليات السرقة في الوقود، تحدث الضابط، عن إن المسؤولين عن تجهيز الوقود في بغداد، لم يرسلوا الحصة الكاملة من الوقود. فسأله الأخر: كيف؟ فأجاب بأنه طلب عشرين ألف لتر بنزين، وعشرين ألف لتر "كاز"، لكنه جُهّز بـعشرة آلاف لتر بنزين، و عشرة آلاف لتر "كاز" فقط، وعند الإستعلام من الجهات المعنية، اخبروه بانه سيتم إرسال نصف كمية الوقود المتبقي، في خلال اليومين المقبلين، لكن ذلك لم يحدث، و تبين فيما بعد، ان الكمية التي تم إرسالها من مصادرها من بغداد كانت "كاملة" وغير منقوصة، و إن اختفاء كميات الوقود حدثت في خلال منتصف الطريق، والعاقل يفهم.

خطورة هذه المعلومة جعلت الضباط يسكتون فجأة، حين علموا بوجودي.

4- وفي فوج آخر تم شراء سيارة نوع "واز" لغرض نصب مدفع (106) على ظهرها، حيث كانت كلفتها الحقيقية لا تتجاوز المليون و خمسمائة ألف دينار عراقي، لكن فاتورة الشراء سجلت اثني عشر مليون دينار عراقي، فأي فساد هذا.

5-مسألة "الفضائيين" تبقى موضوعا شائكا و معقدا و مستمرا في استنزاف موارد الدولة، و تحميل المقاتل "غير الفضائي" ما لا طاقة له عليه.

تقول المعلومات إن كل ضابط "متنفّذ" لديه مجموعة من أفراد "فضائيين" يجلسون في بيوتهم بعد أن يتمتع الضابط بنصف رواتبهم، أما السائق الذي يُخصّص للمساعد أو آمر السرية، فانه يمنح خمسمائة ألف دينار من راتبه للضابط ليظل "جالسا" في بيته، ومهمته فقط هي في يوم "التحاق" الضابط و "نزوله".
المعلومة الأخرى، إنّ الذي يريد أن يكون بمنصب آمر فوج، - بالطبع لا ينطبق ذلك على الجميع- يقوم بدفع مبالغ تصل الى نحو عشرين ألف دولار، على الرغم خطورة المنصب الذي يتطلب توجده في مناطق القتال الخطرة، السبب في هذه المجازفة الخطرة، هو المردود المادي الهائل الذي سيحصل عليه من هذا المنصب.

هذه الحالات الخطيرة ذات النتائج الوخيمة على العمليات القتالية، دفعتني الى سؤال أحد الضباط عن هذا الفساد أسبابه.

فأجابني بكل صراحة: نحن في أخطر مكان، و القادة "الكبار" غير "مهتمين" بنا، ولا يعبأون لوضعنا العسكري و القتالي و إن آخر ما يفكرون فيه، هم المقاتلين الذين يدافعون عن الأرض و العرض و الوطن.
وأضاف بصراحة، وباللهجة العراقية الدارجة "خلي أنكوّن أنفسنا و أنبطل"، أي استثمار فرصة الخدمة في الجيش لأجل الإثراء غير المشروع.

في قرارة نفسي، قلت بإن هذا ليس عذراَ، ذلك إن عدم اهتمام الجهات المعنية، لا يجوز لك أو لغيرك السرقة، واقتراف ما من شأنه أن يؤثر في مصير الشعب بشكل مباشر، في ظل حرب شرسة ضد تنظيم داعش الإرهابي.

وفي الختام، لابد من التأكيد على إن هذه المعلومات المفصلة مستقاة من الواقع، في خلال تجربتي القصيرة في ميدان القتال، وهي غنيّة بأحداث وقعت أمام أنظاري و تحت سمعي و بصري، و الشاهد على ما أقول هو الله سبحانه و تعالى.

أن كل التفاصيل التي سردتها، تحتاج الى مراجعة جادة وحقيقية، و تجاوز لنقـاط الخلل وهي مدعاة لمحاسبة أولئك الذين يجرمون ويفسدون ويعبثون بحياة المقاتلين من ضباط و مراتب، ويتسببون – لا سامح الله- في ضياع وطن.
المصدر:المسلة

Share |