ورقة نقدية(البيان الاخير)/علي محمد الحسناوي
Tue, 10 Nov 2015 الساعة : 12:35

هذا عنوان الرواية التي صدرت للزميل الاستاذ الروائي علي موسى حسين عن دار الرافد للمطبوعات, بغداد, 2015, وقد تكونت من مائة وأربع وخمسين صفحة وهي الرواية الثانية للكاتب, تناول فيها الكاتب موضوعات مهمة مثل نبذ الطائفية, ومكافحة الفساد وفتح ملفات حكومية سيئة.
تحمل هذه الرواية استطرادات روائية في صميم المحنة العراقية, وتتحدث عن عراق الثمانينات من القرن الماضي وعراق الوقت الحاضر, يريد أن يصل بنا الروائي علي موسى الى معادلة كما في المثل الشعبي الذي يقول: ( لو تريد أرنب خذ أرنب, تريد غزال خذ أرنب) يعني النتيجة ليس هناك اختيار, ويريد ايضاً أن يعالج النغمة الكريهة المقيتة المستفزة وهي الطائفية, فجاءت الشخصيات خصوصا ابطال الرواية وهما علي موسى وعمر عبد العزيز وعائلتهما ذات رائحة مميزة تعكس طبيعة الزمان والمكان, وهما يقدمان متعة درامية متنامية تتناول هواجس كل العراقيين الطائفية والقومية والعرقية, فضلا عن ابطال الرواية اصدقاء الدراسة الجامعية (حسين, ماجد, سمير, جاسم, كاكه عبد الله)
يحق للكاتب ان يضع على غلاف الرواية كلمات وجمل بليغة تبين فكر الارهاب وهمجيته ورأيه المنحرف بالفن والدين , وان اول ما يتبادر الى الذهن لدى الشروع في قراءة الرواية هو الدافع الذي حدا المؤلف على تلقف مثل هذه الفكرة المرهقة والسوداء, والذهاب بعيدا لتقصي هاجس الموت.
ان رواية (البيان الاخير) مقسمة على شكل (22) انتباه جاءت متجانسة لتشكل عالما واضح المعالم, يطمح الى اظهار معاناة الشعب العراقي اليومية مستعينا بالموت واسقاطاته الدالة, وفرادة هذه الرواية في (الانطولوجي) تبدأ من فكرة محورية وهي قطع الروؤس, وهي تحاول بلغة عالية تجمع الصور والشواهد الموحية الى الافكار العميقة التي تقدم لنا ابطالها اصحاب الروؤس المقطعة لا بوصفهم مظلومين بل بوصفهم ممثلي التراجيديا الانسانية الكبرى, وسيجد القارئ علاقة بين الحب والموت وبين الافتنان والهلاك, وقد استطاع الكاتب ان يأخذنا من حياتنا الواقعية الراهنة المحكومة بظرفها الحياتي القاسي, والتحليق بنا الى سماءات من الرحبة والاتساع والحلم كما فعل افلاطون في كتاب الجمهورية الفاضلة.
وقد امتازت رواية (البيان الاخير) بقدرتها على تحقيق شروط الرواية العربية ( الحدث الدرامي المتنامي الدال, بناء الشخصيات ..., الخيال الفني الفاعل, اللغة العربية الصحيحة, تحقيق المتعة لدى القارئ, خلق الدهشة والمفارقة والسؤال).
ونلاحظ ذلك من خلال السرد الذي جاء في صفحة 37 وهو يصف جماعته بعد ان استبدلت الرؤوس بالأجساد ( قبلنا تصنيفاتهم فحل بنا البلاء ها نحن عدنا الى حقيقتنا .... ومن لا يريد الحقيقة فليبتر نصفه الاخر) وبعدها في صفحة 139 يبعث الامل في القلوب من خلال النص( صباحا, اشراقة الشمس الجميلة, ومياه دجلة الفواح التي لم ترجسه يد الطائفية والارهاب بعد, رغم الدماء التي سكبت به من الجانبين الكرخ والرصافة, هو لا زال لم ينحز الى الكاظمية او الاعظمية يوما, بل يفتتح بغداد من شمالها الى جنوبها ...).
واخيرا استطاعت الرواية في خاتمتها الصفحة 149 انتباه (21) ان تترك دلالة كبيرة تدين بشاعة القوى السياسية في استحمارها للشعب لولا تساقط اللاقطات من امامهم (( تساقطت كل لاقطات الصوت من امامهم وهم يمدون ايديهم, لينقطع صوتهم عن الناس جميعا)), وعندما يُكمل القارئ انتباهاة الرواية يلمس خارطة لبناء عراق جديد موحد تقوده سمفونية رائعة يعزف على اوتارها الشعب عنوانها ضوء القمر.
وختاما لا يسعني الا ان اتقدم بالشكر الجزيل للروائي علي موسى على هذا العمل الفني الجميل, الذي رفد مكتبات العراق برواية واقعية يدعمها بالخيال الى جانب قدرته على اصدياد لحظات من المشهد الحياتي اليومي العادي, ومن ثم تحويلها الى مشهد روائي دال, بعد اضافة ما هو فني اليها.