يهود الشطرة ، قصة تاريخ مضيء من الثقافة والفن والتسامح الديني
Tue, 10 Nov 2015 الساعة : 8:59

شبكة اخبار الناصرية/زمن الشيخلي:
لا يذكر الفن والثقافة والتسامح الديني في ذي قار ، الا وكانت الشطرة محوره وميدانه الابرز ، فهذه المدينة الغافية على نهر الغراف شمالي الناصرية ، طالما احتضنت يهودا وصابئة ومسلمين سنة وشيعة حتى صارت بوتقة لانصهار ابداعاتهم الفنية والثقافية .
ولعل من ابرز الومضات المضيئة في تاريخ المدينة ، حكاية اليهود فيها ، والذين لاذوا بمدينة الشطرة في القرن التاسع عشر هربا من جور وظلم المسيح القوطيين في اوربا ، ليندمجوا مع بقية شرائحها واعراقها ، حتى غادروها مضطرين منتصف القرن العشرين الى بلاد المهجر من جديد بعد سحب الجنسية العراقية منهم ابان تشكل دولة اسرائيل .
ويقول المؤرخ غسان شلاش لشبكة اخبار الناصرية ان اصل يهود الشطرة من جزيرة ايبريا في اسبانيا ، وقد عاشوا في مدن قرطبه وطليطله وغرناطه ، ثم انتقلوا الى روما والتي عانوا فيها من ظلم واضطهاد المسيح القوطيين ، حيث ارغموا انذاك على اعتناق المسيحية او الهجرة .
وبين ان عدد كبير من هذه الاسر هربت من روما و توجهت الى جنوب العراق في محافظتي ذي قار وميسان ليكونوا بالقرب من مرقد النبي (العزير) ، احد انبياء بني اسرائيل والموجود في محافظة ميسان.
واشار الى انهم سكنوا مدينة الشطره القديمة ثم انتقلوا الى الشطرة الحالية حيث تمتعوا بكامل حريتهم الدينية والاقتصادية والثقافية ، ومارسوا طقوسهم الدينية وشعائر يوم السبت من كل اسبوع ، كما اسسوا أول مدرسة يهودية لهم في احد بيوتهم وبتوجيه من جمعية الاتحاد اليهودية (الالياس) وقد حضر حفل الافتتاح الشخصية المشهورة حسقيل ساسون والذي اصبح بعد ذلك اول وزير مالية في حكومة الملك فيصل الاول.
ولفت الى ان حفل افتتاح المدرسة اليهودية حضي بترحيب اهالي الشطرة انذاك ودعمهم وتايدهم ، والذين استقبلوا حينها العديد من أحبار العمارة والبصرة والناصرية وبغداد احتفاء بالحدث .
واشار الى ان يهود الشطرة سكنوا في المنطقه الممتدة من السوق القديم الى نهاية الشارع ، ومنهم من سكن في شارع الكص ومنطقة السراي ومنطقة الحمام ومن ابرز شخصياتهم ( حسقيل ، وكروجي ،و رحمين ، وصالح ،ونعيم ، وعزره ، وموشي ،ووليم ، واسماعيل ، ويعقوب ،وداوود ، وخضوري ، ومير ،وسلمان ، وعيسى ) .
ولفت الى ان بين يهود الشطرة شخصيات كان لها ثقلها الفني والسياسي والتربوي ، حيث كان المعلم اليهودي كرجي هو اول من شكل فريقا لكرة القدم في المدينة في العام 1937 ، في حين اصبح ساسون بعد هجرته من المدينة عضوا في الكنيست الإسرائيلي . اما حصقيل فصار مديرا لبلدية أغادير في المغرب ، فيما اصبح مراد الذي سكن في صوفيا وهاجر إلى النمسا مديرا لغرفة التجارة في العاصمة.
وتابع ، اما شاؤول فقد انخرط بعد هجرته الى امريكا ضمن احد الفرق الامريكي بكرة السلة ، فيما سطع نجم لاعب الشطرنج الياهو عايزمان والذي تسيد منافسات اللعبة في مدرسة الشطرة عام 1947 قبل ان يهاجر الى روسيا وقد كان شيوعيا بارزا والتقى حينها مؤسس الحزب الشيوعي العراقي فهد أثناء وصوله لموسكو.
وزاد ، اما بنيامين الذي هاجر إلى ايطاليا وسكن مدينة البندقية فقد كان معلما فنانا مارس النحت وقد نحت تمثالا للملك فيصل الاول عام 1937 واحاطه بنجمة رائعة مكللة بالزهور ، ونصبته بلدية الشطرة وسط المدينة بين مقهى عبيد ومقهى محمد قلي.
واوضح ان بنيامين نفسه ابدع في الزخرفة والفن التشكيلي في مدرسة الشطره وهو الذي قام بزخرفه ورسم شمعدانات وحمامتي سلام وعيون كبيرة وباقات من زهور البنفسج والياسمين والنرجس في الواجهة الباقية لغاية الان على جانبي اقدم بيوتات الشطرة.
وذكر ان من العوائل اليهودية المعروفة في الشطرة ، عائلة ال شلومو ، و عائلة رحمين وعائلة ال خدوري(خضوري) الصائغ الذي تعلم على يده العديد من الصابئة مهنة الصياغة ، وعائلة عوزي ، وأخر من بقى في الشطرة منهم هما سليمان الصائغ و داوود ، واللذان انتقلا للعيش في نيفادا الامريكية .
واشار الى ان معظم يهود الشطرة الذين غادروها كانوا دائما ما يسالون عن مدينتهم الام ، الشطرة ، وعن مدرسة الشطرة التي تاسست قبل 90 عاما و لازالت حتى الان تضم سجلات الطلبة اليهود .
واكد ان معظم الاسر اليهودية غادرت الشطرة مجبرة إلى امريكا و بريطانيا وإسرائيل والنمسا وروسيا والمغرب واليمن بعد صدور قرار حكومة صالح جبر باسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق ولم تبقى سوى اسمائهم ومعبدهم وقسم من عقاراتهم في الشطره الى يومنا هذا .
( ع ح ه )