حلول استثنائية بطعم ياباني -محمد الكاظم

Thu, 6 Oct 2011 الساعة : 12:27

ما المقصود بالحل الاستثنائي ؟
أرى ان الانشغال بالشأن السياسي وبالتحول الكبيرالذي شهده العراق وماأحدثه من تحول على مستوى البنى الفوقية جعلنا ننسى لوازم هذا التحول .فالتغيير السياسي لابد ان يرافقه تغيير على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ، ولابد ان يرافقه تغيير في النمط العام الذي يحكم  طبيعة العلاقات في الدولة ككل، والاهم من ذلك هو التغيير على مستوى الذهنية التي تضبط إيقاع العلاقة بين الوطن والمواطن .الملاحظ ان حلولا استثنائية كثيرة استحدثت على الصعيد السياسي ولنا ان نتذكر في هذا المجال:
مجلس الحكم الأنتقالي والحكومة المنبثقة عنه ،الحكومة الانتقالية والتشكيلات المنبثقة عنها،لجنة صياغة الدستور ولجنتها الأستشارية والتعديلات التي جرت عليه وفق متطلبات الواقع، حكومة الوحدة الوطنية التي كيّفت نتائج الانتخابات وتخلت عن فكرة الاغلبية لما فيه مصلحة بعض الفرقاء الذين لم يشتركوا في الانتخابات، المجلس السياسي للأمن الوطني الذي لم يؤد ماهو مطلوب منه، تشكيلات قوات الصحوة، مبادرة المصالحة الوطنية ،مبادرة اربيل التي قادت لتشكيل الحكومة، قانون العفو العام.قانون مجلس السياسات .وغيرها من الحلول الاستثنائية لمشاكل سياسية تعترض طريق العملية الديمقراطية في العراق ، لكن هذه الحلول التي حمل بعضها شحنةعالية من الجرأة السياسية لم تترافق معها حلول استثنائية على صعيد الاقتصاد مثلا او على صعيد الإدارة أو الثقافة او مشاكل الخدمات والكهرباء  .
والغريب ان هذه المفاصل  تحتاج الى تلك الجرأة اكثر من غيرها لأرتباطها بحياه الناس، والملاحظ ان العراق ينقسم الى دائرتين، دائرة تتحرك فيها عوامل  السياسة والأمن، وقد توافرت لهما فرص وجود حلول استثنائية تتناغم مع المرحلة وتستجيب لمتطلباتها مع أسبقية واضحة للحل الاستثنائي السياسي  على الحل الاستثنائي الأمني الذي يحتاج الى استثنائية اكثر في البحث عن حل للمشكلة الأمنية.
اما الدائرة الأخرى فتتحرك فيها كل فعاليات المجتمع الأخرى التي لا تزال تتحرك بمناخات تقليدية وأطر عمل كلاسيكية مترهلة سمح الانشغال بتفاصيل المتغير السياسي والأمني  بتفاقم مشاكلها وتغلغل الفساد والمحسوبية وقلة الإنتاجية الى جميع مفاصلها  .
ويبدو ان قادة العراق وقعوا في نفس الخطأ الذي وقع فيه الأمريكيون عندما دخلوا العراق فقد ركزوا على الجانب العسكري ونسوا مايسمى بالقوة المرنه أي قوة الثقافة والمعتقدات ووسائل تحريك المجتمع .فالتركيز على الأمني والسياسي مقابل إهمال الاجتماعي والثقافي والاقتصادي افرز ثغرات كبيرة أخذت تؤثر حتى على المسارات الامنية والسياسية .
هنا تبرز الحاجة الى ايجاد حلول استثنائية لحل المشاكل المستعصية وتفعيل ثقافة حرق المراحل عبر الحلول الخلاقة، وأيجاد مناخ تنافسي لطرح الحلول الأجدى والأنفع والأسرع تطبيقا خدمة للمواطن ،الذي لن تنجح عملية سياسية بدونه ودون دعمه وتفاعله .
الا يمكن مثلا تحفيز العاملين في كل مؤسسات الدولة لتقديم مالديهم من حلول تتسم بالجرأة لحل مشكلات مؤسساتهم وتكريم من يقدم الفكرة الأفضل لتطوير كفاءة الجهاز الإداري وتخليصه من الروتين والفساد والبطالة المقنعة .
ألا يمكن استحداث جوائز تدعمها الدولة لطرح مشاريع استراتيجية تتماشى مع ظروف العراق، الا يمكن حث القانونيين لاعادة النظر في الركام الهائل من القوانين التي لاتتماشى مع العصر ومع قيم التغيير ومع حاجة المواطن .
الا يمكن مثلا ان تخصص الصحف ووسائل الإعلام جزءا من خطابها لتحريك حس المشاركة في  حل المشاكل وطرح البدائل بدل حس المناكدة وحوارات الطرشان التي سئمناها.
الا يمكن ان نشهد تجربة تثقيفية ترويجية دعائية كالتي رافقت الاستفتاء على الدستور او الانتخابات التشريعية يكون موضوعها مثلا القضاء على الفساد الاداري او النظافة يشارك فيها السياسي والقانوني والإعلامي ورجل الدين وغيرهم، وتخيلوا ان يخرج عشرة ملايين منظف لتنظيف الشوارع في يوم وطني للنظافة مثلا.كما خرج اكثر من عشرة ملايين مواطن للتصويت على الدستور او للمشاركة في الانتخابات.
ومادمت أتحدث عن النظافة دعوني انقل لكم تجربة يابانية قامت بها القوة اليابانية الداخلة ضمن القوات المتعددة الجنسية والتي كانت متمركزة في مدينة السماوة يمكن ان نعدها حل إستثنائيا .فقد أعلن عن مناقصه لتجميع القمامة من أحد الشوارع ووجد المعنيون ان المبالغ التي حددها المقاولون كبيرة وان تنظيف الشارع يمكن ان يتم بطريقة اقل تكلفه ودون استخدام الآليات والشاحنات.فوزعوا أكياس قمامة وتعهدوا بدفع مبلغ 250 دينار عراقي عن كل كيس قمامة ممتليء ينقل الى مكان تجميع القمامة .تخيلوا ان اطفال المدارس والنساء والعاطلين عن العمل هبوا جميعا لتنظيف الشارع وأنجزت المهمة بربع كلفة تسليمها لسلسلة من المقاولين الذين يتبادلون العقد عبر طريقة البيع بالباطن .
أنا لاأورد هذه القصه للتغزل بالقوات اليابانية لكن لابأس في ان انقل لمحة من العقلية اليابانية التي اعتمدت الحل الاستثنائي في الخروج من المشكلات،ألسنا الآن أحوج من اي وقت للتفكير بمثل هذه الحلول الاستثنائية التي لاتحيّد الفعل الشعبي ؟؟

 

Share |