ادارة اللحظة السياسية...قراءة في مشورة شريك بن الاعور لمسلم بن عقيل عليه السلام/جمال العسكري
Wed, 28 Oct 2015 الساعة : 10:34

لاتنعزل بحال من الاحوال من السياسة عن الواقع،فالسياسة تستمد حياتها وحيويتها من الحدث،والسياسي ذلك الشخص،الذي يستطيع ان يوظف تتابع وتلاحق الاحداث لصالح قومه بالممكنات المتاحة،ويقرأ بحرفية عالية ازمنة التحول،التي قد تبدأ بلحظة ينتهي معها كل شيء،سلباً او ايجاباً.
من هنا تبدو اهمية اللحظة السياسية،ومن هنا تنهض اهمية ادارة هذه اللحظة،فلربما تأتي هذه اللحظة على كيان مستقر فتهده من القواعد.
كانت مشورة شريك بن الاعور لمسلم بن عقيل،تستند الى لحظة في زمن ما وفي مكان ما كي يتبدل كل شيء،سياسياً وايدلوجياً واجتماعياً،ليتم اعادة انتاج الوحي من جديد،في زمن خبت فيه الرسالة وتضاءل ضوءها.
كان شريك بن الاعور في دار هانئ بن عروة عليلاً،وبلغه ان عبيدالله بن زياد عائده الليلة،قال لمسلم بن عقيل عليه السلام"ان هذا الفاجر عائدي العشية،فأذا جلس فأخرج اليه فأقتله،ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه،فأذا برئت من وجعي هذا ايامي هذه سرت الى البصرة وكفيتك امرها".
"فأذا جلس فأخرج اليه فأقتله"،كانت هذه العملية امدها ضربة سيف ينتهي معها كل شئ،كفيلة بأن تقلب عرش دولة وتعيد نظامها السياسي من جديد.
اعتبر بعض النقاد ان مشورة شريك بن الاعور كانت محكمة الجوانب،مضمونة النتائج،نستشف بعضاً مما قاله النقاد في ذلك،السبب الاول ان شريك بن الاعور كان شديد التشيع لاهل البيت عليهم السلام،وأنه كان من حواريً امير المؤمنين عليه السلام،لذلك لايمكن ان تصدر منه هذه المشورة مجاملة او ان تكون مشورة غير مدروسة؛لانه كان سياسياً محنكاً،خبر الحياة وتعرف على اسرارها،حضر مع امير المؤمنين ايام خلافته وخاض معه الحروب،السبب الثاني ان المجتمع الكوفي كان قد ملَ سياسة الامويين وبطش معاوية بن ابي سفيان،ايضاً كان يحن للايام التي قضاها تحت ضل حكومة الامام علي عليه السلام،ومن الناحية النفسية كان الناس مغتبطون بشخصية الامام الحسين عليه السلام،للسمات التي تفردت بها هذه الشخصية،اضف الى ذلك الارث النبوي الذي اختص به الامام الحسين عليه السلام،لانتفاء وجود ابنة بنت نبي غيرة على وجه البسيطة.
لهذه الاسباب وربما اسباب غيرها عاب بعض الباحثين على مسلم عليه السلام تفويت مثل هذ الفرصة،وتتويجها بضربة تعيد الحق الى نصابه،واعتبر هذا التماهي سبباً مركزياً لفشل الثورة الحسينية.
للاجابة على هذا التساؤل،لابد ان نعلم اولاً ان النظرية الاسلامية لاتؤمن بالمنطق الميكافيلي،"الغاية تبرر الوسيلة"،وتنظر الى الامور على اساس قاعدة الغاية النبيلة تبرر الوسيلة النبيلة،اذ ان المنظومة الخلقية التي تبناها الاسلام كافية لان تردع مسلماً عليه السلام عن الفتك غدراً،الحقيقة ان تصور المشهد يكون مرعباً،كيف يمكن لمسلم ان يغدر بضيف من اجاره،هانئ بن عروة اجار مسلم بن عقيل،فماذا تقول العرب عن هانئ اذا قتل ضيفه بداره،وهل الغدر الا احد الفواحش التي نهى عنها الاسلام،اذن مالجدوى التي اراد الحسين عليه السلام القيام من اجلها،غير اماتة البدعة واحياء السنة.
لقد جسد مسلم عليه السلام بروح عالية خلق الاسلام،وكانت نفسه المقدسة قرباناً لهذه المبادئ،واثبت بجدارة واقعية النظرية الاسلامية وقابليتها للتطبيق،واثبت ايضا ان الاخلاق مقدمة على المناصب مهما علا شأنها،اذا كانت تلك المناصب مشوبة بالغدر والفساد،كان ادارته لهذه اللحظة السياسية من دون شك ادارة نبوية،للحظة مفصلية حساسة،كادت ان تودي به وبالمشروع الحسيني في شراك الدنيا،لينتهي معها الالق العلوي وامتداد الرسالة،فكان بحق كما قال فيه الحسين"ارسلت لكم اخي وابن عمي وثقتي من بعدي.