مواقف تحفظها الملائكة/نعيم كرم الله الحسان

Tue, 20 Oct 2015 الساعة : 10:03

أصبنا بمرض الجرب في القسم المغلق قاف واحد في قسم الخاصة في سجن {أبو غريب }علم 1980 ولكننا لانعرف أن هذا المرض الذي يهيج عليك في الليل وتتمنى أن تحرق جلدك بدلاً من الحكاك المستمر حيث تتحول البطانية إلى كائن رهيب هو مرض الجرب .لأننا عندما كنا طلقين لم نسمع أن أحداً أصيب بالجرب سواءً في القرية أو المدينة حيث ثبت في الذهن أن هذا المرض من أمراض الحُقب الغابرة التي مرت على البشر
 في الزنزانة الواحدة كان العدد وعلى الدوام لايقل عن خمسين سجين غالباً ماتكون العتمة سائدة حيث الإضاءة ضعفية وفتحات الزنزانة صغيرة لاتسمح إلا بمرور القليل من الضوء .
كما لاتوجد عناية صحية ولا أدوية تحت جو من اليأس و من الحياة ومن رؤية الدنيا مرةً ثانية
.
في التهار نترقب مجيئ النقيب غالب الدوري وهوإبن شقيقة عزت الدوري نائب رئيس نظام البعث آنذاك وهو المسؤل الأمني الأول في أبي غريب عن السجناء السياسيين في الجناح الخاص بالتنظيمات الرجعية والعميلة كما كانوا يطلقون عليها لعلنا نعرض عليه شكوانا ولعله يستجيب لنا ويسمح بدخول كمية من العلاج
 كان النقيب غالب الدوري يأتي بفترات متباعده وعندما يدخل إلى القسم المغلق يدخل بطريقة إحتفالية يرافقه صغار ضباط الأمن والعناصر الأمنية الأخرى وكان من الصعب أن يتكلم السجين معه حيث يأتي بأطنان الشتائم والكلام البذئ ليلقيه علينا
 في أحد الأيام قام له سجين وقال له سيادة النقيب نحن بحاجة إلى العلاج حيث يفتك بنا مرض السل والحكة الشديدة فرد عليه غاضباً{ولكم مناعل الأهل أنتم أرواحكم بإدينا على ساعة نقبركم تردون علاج النوب }
دب اليأس مجدداً على أثر هذه المحاولة التي أغضبت النقيب وليس هناك من أمل للعلاج سوى الرجاء بالله راحم الخلق
 كان يدخل للقافات لأغراض الطعام والنظافة ثلاثة رجال .في عام 1980هم ,عرب الأيزيدي .وكان رجلاً طيباً وأبو فارس الذي يجلب وجبات الطعام وهوكذلك رجل طيب من أهالي الموصل وشخص آخر شاب له هيئة رياضي هو المضمد عباس من أهالي الديوانية
 وكل هؤلاء محكومين بالسجن المؤبد لأسباب ليس لها علاقة بحزب الدعوة الإسلامية وهم في جناح يسمح لهم بمواجهة أهلهم في كل خمسة عشر يوماً وبإنتظام
 عباس المضمد حين أدخله النقيب غالب الدوري كسجين له حرية التحرك بين الأقسام لكونه مضمد ولكونة ليس لقضيته علاقة بالسياسة أو الأحزاب
 وكان دائماً مقطب الوجه صارم القسمات وله شاربٌ كث يزيد هيئته قوة وصرامة ًوبُعداً عن الود والبشاشه
 هكذا كان يبدو لنا في أول وهله..
ولكن بمرور الأيام كان عباس ينسجم ويتناغم معنا ويجلس أمام قضبان واجهة الزنزات لأوقات طويلة ويستمع لشكوانا من هذا المرض الذي لايهدأ ليلاً ولا نهاراً والذي لانعرف تشخيصة في البداية
 وفي يوم من الأيام جلب عباس المضمد ورقة وقلم وراح يدون أعراض المرض ووعدنا بأنه عندما يأتي أهله في المواجهة القادمة سوف يرسل هذه الأعراض بيد شخص يعرضها على أحد الأطباء في بغداد ويحدد ماهو علاجها ولعلنا قال نفلح بتدبر الأمر
 ومرت الأيام ثقيلة وحزينة ومضببة بشهقات أرواح الذين رحلوا من بين أيدينا ..
وفي صباح جديد دخل عباس المضمد وعلى وجهه شيئٌ من البشر وأصطف كعادتة بجوار قضبان زنزانة رقم 3
وقال لقد جاءنا التشخيص هذا يقول الطبيب الذي نقلنا له الأعراض عبر ذلك الإنسان الذي جازف وذهب بها بأن هذه أعراض مرض {الجرب } وعلاجة الكبريت والزنك وهايدروكوتزون
 وبدأ عباس المضمد يفعل المستحيل من أجل إقناع النقيب غالب بجلب تلك الأدوية
 إلى أن جاء يوم ودخل عباس المضمد ومعه {عربانة } يدفعها محملة بعصارات الزنك والكبريت وكأنها هبة من السماء توالت بعد ذلك كميات أخرى
 فكنت إذا جاء الليل أفرغ عصارة كاملة من الكبريت حاد الرائحة حتى أستطيع أن أنام ولكثرة ما استخدمت هذا العلاج بقيت رائحتة مختلطة بإنسجة الجسم لسنوات
 وبعد ذلك أصبح المضمد عباس أكثر إلتصاقاً بنا وراح يأخذ العناوين وأرقام التلفون لمن عندأهله تلفون ويرسلها عبر ذلك الشخص لكي يطمئن الناس بأن أبناؤهم على قيد الحياة
 ولكن كان هناك من باع نفسه للشيطان قد وشى به إلى سلطات أمن الخاصة وإعتقل من داخل السجن هو ومعة بعض إخوانه الذين وقفوا معه ذلك الموقف الفريد وحكم عليه بالأعدام بتهمة تهريب معلومات سرية خارج السجن والتعاون مع حزب الدعوة ..
وهكذا إستشهد عباس المضمد بسبب روحه الطيبة وموقفه الإنساني الفريد

Share |