المسيح لم يكن إلاّ عبدا مخلوقا ونبيا مرسلا ![ الإثباتات من الأناجيل نفسها ] الجء الثاني!/مير عقراوي

Fri, 25 Sep 2015 الساعة : 15:04

ب / نبوة المسيح
تقدمة كلمات :
إستكمالا لهذا البحث سوف نتطرق ، في هذا الجزء الى نبوة عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – ورسالته النبوية الى قومه ، وسوف نأتي بالإثباتات المثبتة والدالة على نبوة عيسى المسيح – كما يرى القاريء الكريم فيما بعد – من الأناجيل نفسها دون غيرها من المصادر . وذلك مثلما فعلنا في الجزء الأول من هذا البحث الذي كان يدور ويتمركز حول بشرية المسيح . فنبوة المسيح ، هي حقيقة لاريب فيها مثل نبوة إخوته : موسى ، يونس ، شعيب ، صالح ، هود ، يعقوب ، يوسف ، إبراهيم ، إسحاق ، إسماعيل ، إدريس ، نوحا ومحمدا – عليهم الصلاة والسلام –
في الأناجيل بقية باقية لكنها غير كثيرة من العبارات يمكن الوثوق بها والإطمئنان اليها بأنها إما كانت وحيا من الله سبحانه لعبده ونبيه عيسى المسيح ، أو إنها من كلام عيسى المسيح نفسه ، أو إنها من كلام حواري وصحابي حقيقي للمسيح . حتى إن الناس – يومها – كانوا لايرون في عيسى المسيح إلاّ نبيا ومعلما كما تشهد بذلك العديد من المواقع الأناجيلية ، لأنهم كانوا يعلمون بأنه قد سبق عيسى المسيح العديد من الأنبياء . هذا بالحقيقة يثبت بحد ذاته أحد أوجه التناقضات الكثيرة في الأناجيل وتخبُّط محرِّفيها في تحريف الإنجيل العيسوي الأصلي التوحيدي الرباني السماوي المصدر بالأساس ، ثم إن نبوة المسيح التي نحاول إثباتها عبر مختلف الأناجيل تدحض وتنسف من الأساس عملية التأليه والربوبية والتثليث المختلقة والمبتدعة حول عيسى المسيح وشخصيته البشرية والنبوية . فالأناجيل تعُجُّ بالأخطاء والأغلاط والتناقضات من جميع النواحي ، وقد أثبتنا ذلك في الأبحاث والمقالات المختلفة التي نشرناها سابقا .
نبوة عيسى المسيح من الأناجيل نفسها :
1-/ روى متى في إنجيله الذي يُعتبر أول الأناجيل المعتبرة والرسمية في المسيحية الكلام التالي عن عيسى المسيح ، حيث يُصرِّح المسيح بصريح العبارة إنه جزء من سلسلة الأنبياء ومسيرتهم ، وأنه أُرْسِلَ ليُكْمِلَ ، فقال : ( لاتظنوا أني جئتُ لأنقُض الناموس ، أو الأنبياء . ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل متى ] دار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق العربي ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 2000 ، ص 47
2-/ جاء في إنجيل متى أيضا عن كلام عيسى المسيح نفسه حينما أرادوا إلقاء القبض عليه ، فقال : ( في تلك الساعة قال يسوع للجموع ؛ < أعلى لص خرجتم تحملون السيوف والعِصِيَّ ليقبضوا عليَّ ؟ كنت كل يوم أجلس في الهيكل أعلِّم ، فلم تمسكوني ؟ .
 وإنما حدث ذلك كله لتتم كتب الأنبياء > . فتركه التلاميذ كلهم وهربوا ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل متى ] دار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان . التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 2000 ، ص 112
3-/ ذكر مَرْقُس في إنجيله الذي يُعَدُّ ثاني الأناجيل رسمية وآعتبارا في الديانة المسيحية القول التالي عن عيسى المسيح : ( لايزدري نبي إلاّ في وطنه وأقاربه وبيته ) ينظر المصدر المذكور ، إنجيل مرقس ، ونفس الدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 143
4-/  يروي لوقا في إنجيله ، حيث هو ثالث الأناجيل آعتبارا ورسمية في الديانة المسيحية نشيدا لزكريا بعد ولادة عيسى المسيح من السيدة مريم – عليهما الصلاة والسلام - ، حيث خاطب زكريا الطفل المولود عيسى ، قائلا له أمام الناس : ( وأنت أيها الطفل سَتُدْعى نبيُّ العليُّ ) ينظر المصدر المذكور ، إنجيل لوقا ونفس الدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 193
5-/ أحد أبرز وأهم صفات الأنبياء الكرام ، هو كثرة التعبد لله سبحانه من خلال الصلاة والدعاء والخلوة بعيدا عن أعين الناس ، حيث فيها التضرع الى الله تعالى والترجي منه ومناجاته . هكذا كان عيسى المسيح تماما ، هكذا كانت حقيقة المسيح العبد المخلوق ، ثم النبي المُرسل . في هذا الصدد روى لوقا في إنجيله ما يلي عن تعبد وصلاة المسيح : ( وفي تلك الأيام ذهب الى الجبل ليُصلِّي ، فأحيا الليل كله في الصلاة لله ) ! ينظر المصدر المذكور والإنجيل والدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 208
6-/ مرة أخرى يروي لوقا صلاة عبدالله ونبيه المسيح لربه وخالقه الله سبحانه ، فجاء كالتالي : ( وآتفق أنه كان يُصلِّي في عزلة والتلاميذ معه  ) ! ينظر المصدر المذكور ونفس الإنجيل والدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 222 و 223  .
أما طبعة عام [ 1979 ] لإنجيل لوقا ، ص 109 ، جاءت العبارة المذكورة كما يلي : ( وفيما هو يصلي على آنفراد ، كان التلاميذ معه ) !
7-/ أيضا روى لوقا في إنجيله دعاءً عن عيسى المسيح يدعو ويحمد ربه وخالقه الله رب السموات والأرض وما فيهن : ( أحمدك يا أبت ، ربِّ السماوات والأرض ) ينظر نفس المصدروالإنجيل والدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 228
8-/ كذلك جاء في إنجيل لوقا صلاة عيسى المسيح لله ربه عزوجل ، فقال : ( وكان يُصلِّي في بعض الأماكن ..) ينظر المصدر المذكور ونفس الإنجيل والدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 230 . وقد جاءت العبارة المذكورة في إنجيل لوقا ، طبعة عام [ 1979 ] بالشكل التالي : ( وإذ كان يُصلِّي في موضع ..) !
9-/ أما إنجيل يوحنا الذي هو رابع الأناجيل الرسمية في الديانة المسيحية فقد أورد النص التالي عن نبي الله وعبد عيسى المسيح ، حيث كان يخاطب الناس ويتكلم عن نفسه بأنه نبي مرسل اليهم من قِبَل الله سبحانه : ( فإن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله . ذلك بأن الله يهب الروح بغير حساب ) ! ينظر المصدر المذكور ، إنجيل يوحنا ، ونفس الدار والمكتبة والجمعيات والطبعة والسنة والمكان ، ص 298 . وقد جاءت عبارة عيسى المسيح المذكورة في إنجيل يوحنا نفسه ، طبعة عام [ 1979 ] بالصيغة التالية : ( لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله ، لأنه ليس بكَيْل يُعطي الله الروح ) !
كما نرى بأشد الوضوح كلام عيسى المسيح الواضح كل الوضوح ، حيث هو – عليه الصلاة والسلام – يخاطب الناس ويقول عن نفسه معرِّفا إياها بهم ، بأنه ليس إلاّ نبيا مرسلا من الله تعالى . لهذا فهو لايتكلم عن نبوته ورسالته النبوية من عند نفسه ، بل إن الله عزوجل هو الذي آصطفاه للنبوة والرسالة النبوية ومنحها إياه ، بهذا فهو يتكلم بكلام الله كما سائر الأنبياء المرسلين من لدن الله المتعال الذين أرسلوا الى أقوامهم وشعوبهم قبله . عليه ، وكما رأينا بوضوح ، مثلما تحدث عيسى المسيح عنه نفسه فإنه لم يكن بِدْعا من الأنبياء المرسلين إطلاقا ، بل إنه كان نبيا مثلهم لا أكثر ، وذلك بشهادته وآعترافه هو – عليه السلام - .
10-/ يورد يوحنا في إنجيله نصا من حوار عيسى المسيح مع آمرأة سامرية ، وكان المسيح لأول مرة رآها ، بالتالي قالت المرأة لعيسى المسيح : ( يا سيد أرى أنك نبي ..) . ينظر كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل يوحنا ] تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، طبعة عام 1979 ، ص 151 . أما الطبعة لعام 2000 السادسة لدار المشرق ، المكتبة الشرقية لجمعيات الكتاب المقدس ، بيروت / لبنان ، في الصفحة 299 من إنجيل يوحنا ، حذفت لفظ { ياسيد } ، فأدخلت مكانها لفظ { يارب } ، فجاءت العبارة المذكورة المحرفة كالتالي : ( يارب ، أرى أنك نبي ) . يتضح إنه بين العبارة الأولى والثانية تناقض كبير وآختلاف أكبر ، لكن التبديل للفظة { يا سيد } في طبعة عام 1979 ، بلفظة { يارب } في طبعة عام 2000 لم يكن إلاّ عذرا أقبح من ذنب كما يقال ، لأن الربوبية لشخص – إنسان – لاتتفق على الاطلاق مع نفس الشخص – الانسان – في نبوته . أي كيف يتم التوفيق بين لفظ { يارب }  والعبارة التي بعدها التي تخاطب المسيح بالنبوة فقط ، وهي { أرى أنك نبي } ، حيث تراءت للمرأة السامرية بأن المسيح عيسى هو نبي ، أو من الممكن هو نبي وفق تصورها له ، لأنه كيف يكون إنسان نبيا وربا وإلها في آن واحد ؟ . من جانب آخر لم يكن الناس في بني إسرائيل ينتظرون { رَبَّاً } ، بل إنهم بالعكس تماما ، كانوا ينتظرون { نبيَّاً } يُبعثُ لهم من لدن الله سبحانه وتعالى . لهذا تراهم كانوا يخاطبون عيسى المسيح ب{ النبي } ، أو { الإنسان الصالح } ، أو { السيد } ، أو { المعلم } ليس إلاّ ، وذلك بحسب الأناجيل كلها ، ثم إن عيسى المسيح ، وبحسب الأناجيل كلها أيضا لم يكن يُنكر على الناس ذلك ، أو إنه كان يقول بأنه ربهم وإلههم على الاطلاق ، بل بالعكس إن عيسى المسيح – عليه السلام – وبشهادة شتى العبارات التي نقلناها حرفيا من مختلف الأناجيل تصرِّح بأن المسيح هو إنسان بن إنسان ، وإنه مخلوق كسائر البشر ، وإنه كان يأكل ويشرب كسائر البشر ، وإنه كان يحس ويشعر ويتألم ويغضب ويضحك ويمشي ويجلس وينام ويتعب ويستريح كسائر البشر تماما ، وإنه كان نبيا مُرسلا من الله المتعال كغيره من الأنبياء ، أو إنه كان يقضي الليالي الطوال في التسبيح والذِكْر لله ربه ، وفي التذلُّل له والتضرُّع أمامه والدعاء منه في منحه الصبر والقوة والمسامحة  ، وإنه لا يعلم الغيب مطلقا ، وإنه ليس له إرادة ولا مشيئة إلاّ وفق ومقتضى الإرادة والمشيئة الربانية – الإلهية عزوجل . حتى إن عيسى المسيح نفى عن نفسه الكمال المطلق والصالحية المطلقة ، لأنه يعلم إنه بشر مخلوق ، والبشر هو نسبي لا مطلق ، حتى إن كان نبيا مرسلا ، لأن البشر يتغيرون من طور الى طور ، ومن حال الى حال ، ثم يتعريهم الموت والرحيل من هذه الدنيا . على هذا الأساس فإن تأليه عيسى المسيح وتربيبه ، هو من أوهى وأوهن المعتقدات في الديانة المسيحية ، وهو – أي التأليه - يتصادم مباشرة مع النصوص التي أتينا بها من الأناجيل نفسها ، ثم هو يتصادم مع العقل والمنطق السليم  . جاء في إنجيل لوقا عن هذه المسألة : ( وسأله رئيس قائلا ؛ أيها المعلِّم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية . فقال له يسوع : < لماذا تدعوني صالحا ، ليس أحد صالحا إلاّ واحد ، وهو الله > ) ؟ !!! ، ينظر كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل لوقا ] تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، طبعة عام 1979 ، ص 138  .
11-/ يروي يوحنا في إنجيله عن عيسى المسيح – عليه السلام – بأنه ليس إلاّ نبيا مرسلا من الله تعالى ، فيقول : ( لكن الذي أرسلني هو حق ..) ينظر المصدر المذكور ، إنجيل يوحنا ، ونفس الطبعة والسنة ، ص 162 .
12-/ أيضا في هذا الصدد روى يوحنا في إنجيله : ( فنادى يسوع ، وقال : < الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي ، بل بالذي أرسلني > ) . ينظر نفس المصدر والإنجيل والطبعة والسنة ، ص 173
كما رأينا وأثبتنا من أقوال عيسى المسيح – عليه السلام - ، من الأناجيل نفسها ، وحصرا بأن المسيح لم يكن بالحقيقة ، بالأصل إلاّ نبيا من أنبياء الله تعالى المرسلين ، وذلك على رغم كل التحريفات وأعمال الدسِّ التي طالت الإنجيل في القرون الطويلة الماضية ، أو حتى في القرون الحديثة ، أو المعاصرة ، أو غيره من النسخ المستنسخة منه . فالذين عبثوا بالإنجيل منذ قرون طويلة غابرة قد أوقعوا أنفسهم والديانة النصرانية بشكل عام في تناقضات كبيرة وأخطاء كثيرة عبر إستعارة مفاهيم غريبة على النصرانية ، وهي التثليث ومسألة التأليه للمسيح ، أو مسألة البنوة ، أي إن المسيح هو إبن الله تعالى ، مع إن مسألة البنوة هذه هي مسألة مجازية ليس إلاّ . لقد تم إقتباس وإستعارة هذه المفاهيم من ثقافات أخرى ، إذ إنها كانت موجودة في مصر والهند واليونان قبل آلاف السنين من ولادة عيسى المسيح . إن البشر كلهم هم أولاد الله سبحانه وأبناؤه وعياله ، وذلك بشهادة التوراة والأناجيل نفسها ، لكن بشكل مجازي . في هذا الشأن قال نبي الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام - :
{ الخلق كلهم عيال الله } !
في الجزء الثالث سوف نتناول مسألة بنوة عيسى المسيح ، وذلك من خلال التوراة والأناجيل ..
 

Share |