المسيح لم يكن إلاّ عبدا مخلوقا ونبيا مُرسلا ! [ الإثباتات من الأناجيل نفسها ]/مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
Mon, 21 Sep 2015 الساعة : 1:05

الجزء الأول
مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
مقدمة موجزة على البحث :
لقد إقتضت إرادة الله سبحانه البالغة ومشيئته المطلقة أن يخلق عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – من أم فقط ، من دون أب ، وذلك ليكون آية بينة واضحة ومعجزة بالغة لبني إسرائيل الذين تمردوا دوما على الأنبياء ، وعصوا تعاليمهم ، أو قتلوا منهم عددا . كان ذلك عنادا منهم قَلَّ في التاريخ نظيره ومثيله . هكذا خدعهم رجال الدين والكهنوت منهم ، حيث كانوا يريدون دينا وتعاليم توافق أهواءهم وأفكارهم ومصالحهم المالية .
يتحدث القرآن الكريم في العديد من الآيات حول قتل هؤلاء لأنبيائهم والتمرد عليهم ، فيقول : { قل : قد جاءكم رُسُلٌ من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فَلِمَ قتلتموهم إن كنتم صادقين } آل عمران / 183 ، و : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق * ذلك بما عَصَوا وكانوا يعتدون } البقرة / 61
ليس القرآن وحده سَجَّل ذلك ، بل حتى التوراة الحالية نفسها تعترف وتتحدث عن عدوان وآعتداء بني إسرائيل على الأنبياء ، أو قتلهم ، فتقول عن ذلك التمرد والعناد والعصيان وسفك الدماء البريئة الطاهرة للأنبياء الكرام – عليهم الصلاة والسلام - ، وذلك بشهادة أحد الأنبياء الذي كان يناجي ربه تعالى ويبث اليه الشكوى :
( وعَصَوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءك الذين أشهدوا عليهم ليردوهم اليك وعملوا إهانة عظيمة ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس ، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد ) ، تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، 1979 ، ص 769 .
أما عبد الله ونبيه عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – فله معهم آهات ومظلوميات وشكاوى ، منها قوله فيهم : ( ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ، لأنكم تبنون قبور الأنبياء ، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء ، فآملؤوا أنتم مكيال أبائكم . أيها الحيات أولاد الأفاعي ؛ كيف تهربون من دَيْنونة جهنم . لذلك ها أنا أرسل اليكم أنبياء وحكماء وكتبة ، فمنهم تقتلون وتصلبون ، ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة ، لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق ، الى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح . الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي على هذا الجيل .
يا أورشليم ، يا أورشليم ؛ يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا . هوذا بيتكم يُتْرَكُ لكم خرابا ، لأني أقول لكم ؛ إنكم لاترونني من الآن حتى تقولوا ؛ مبارك الآتي بآسم الرب ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس / أي كتب العهد القديم والعهد الجديد ، إنجيل متى ] ، تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، 1979 ، ص 43
وقال لهم المسيح مخاطبهم إياهم لما أفرطوا في إيذاءه والإعتداء عليه وإهانته : ( يا أولاد الأفاعي ؛ كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار ..؟ ) . ينظر نفس المصدر المذكور ونفس الإنجيل والدار والطبعة والسنة ، ص 22
أيضا خاطبهم عيسى المسيح بن مريم بغضب وسخط ، فقال : ( أنتم مِنْ أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ) ! . ينظر نفس المصدر المذكور ونفس الدار والطبعة والسنة ، إنجيل يوحنا ، ص 163
المسيح عيسى لم يكن إلاّ عبدا مخلوقا ونبيا مرسلا :
[ الإثباتات من الأناجيل نفسها ]
ألف / بشرية عيسى المسيح كسائر البشر :
1-/ جاء في إنجيل متى ، حيث هو أول الأناجيل لدى الديانة المسيحية ما يلي من إعتراف السيد المسيح بأنه إنسان : ( فتقدم كاتب وقال له < يا معلم أتبعك أينما تمضي > . فقال له يسوع ؛ [ إن للثعالب أوجِرة ، ولطيور السماء أوكار ، وأما آبن الإنسان ، فليس له أين يُسندُ رأسه ] . وقال له آخر من تلاميذه :< يا سيد آئذن لي أن أمضي أولا وأدفن أبي > ، فقال له يسوع [ إتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم ] . ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه ، واذا آضطراب عظيم قد حدث في البحر ، حتى غطت الأمواج السفينة ، وكان هو نائما . فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين < ياسيد نَجِّنا فإننا نَهْلِكُ > ، فقال لهم [ ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان ] . ثم قام وآنتهر الرياح والبحر فصار هدوءٌ عظيم . فتعجب الناس قائلين < أيَّ إنسان هذا > ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس ، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد / إنجيل متى ] ، تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، 1979 ، ص 14
فيما مَرَّ قرأنا معا إعتراف المسيح بنفسه بأنه آبن إنسان ، أي إنه إنسان ولد من إنسان ، ثم بعدها لاحظنا موضوع هيجان البحر بهم ، ولما أسكن المسيح أمواج البحر بإذن وإرادة الله سبحانه إستغرب الناس وتعجبوا ، فقالوا : { أي إنسان هذا } .. هكذا .. كان الناس أيام عيسى المسيح لايرونه إلاّ إنسانا مثلهم ، كانوا لايرونه إلاّ مخلوقا وبشرا كسائر البشر . لهذا قالوا فيه { أيَّ إنسان هذا } ، ولو انهم كانوا يعرفون إن المسيح كان جنسا غير بشري ، أو إنه كان جنسا ما فوق الانسان ومغايرا للجنس البشري لقالوا ولأقروا بذلك خير إقرار .
العجيب والغريب في الأمر الى حد الدهشة ، بل الصدمة الكبرى إن الطبعات الحديثة للأناجيل حذفت ألفاظ وعبارات أساسية منها في الكثير من مواضع ومواضيع الأناجيل ، مثل : { سيد } ، و{ أيَّ إنسان هذا } ، و { إنسان } ، و{ إبن الإنسان } ووضعت مكانها ألفاظ أخرى ، مثل { رب } ، أو إنها حذفت عبارات كاملة ، مثل حذف عبارة { أيَّ إنسان هذا } في الطبعات الجديدة من الأناجيل ، فوضعت مكانها عبارة جديدة ، هي ( من هذا حتى تطيعه الرياح والبحر ) . وتم حذف عبارة { يا سيد نجنا فإننا نَهْلك } القديمة ، فوضعوا مكانها عبارة جديدة ، هي { يارب ، نجنا ، لقد هلكنا } !!! . في هذا الصدد ، وللتدليل والبرهنة على صحة ما ورد يُنظر كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل متى ] ، دار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 2000 ، ص 59
2-/ جاء في إنجيل متى عن قول عيسى المسيح – عليه السلام – مخاطبا جمعا من الناس : [ ( ولكن لكي تعلموا أن لإبن الإنسان سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا ) . حينئذ قال للمفلوج : ( قم إحمل فراشك وآذهب الى بيتك ، فقام ومضى الى بيته ) . فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا ] بنظر كتاب [ الكتاب المقدس ، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد / إنجيل متى ] ، تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، 1979 ، ص 15
فيما ورد أعلاه يتضح تماما بأن عيسى المسيح قد عرَّف نفسه للناس بأنه آبن إنسان أولا ، ثانيا / إن الله تعالى قد أعطاه سلطانا في الأرض وإلاّ فالمسيح بدون الله عزوجل فاقد لأيِّ سلطان ، وهذا السلطان وهبه الله سبحانه لجميع الأنبياء ، ثالثا / لقد مجد الناس الله تعالى على ما ما وهب الناس نبيا كريما صالحا مثل المسيح .
3-/ جاء في إنجيل متى نقلا عن عيسى المسيح قوله : ( ومن قال كلمة على آبن الإنسان يُغْفَرُ له ) ينظر المصدر المذكور ونفس الانجيل ونفس الدار والسنة ، ص 22
4-/ جاء في إنجيل مرقس نقلا عن عيسى المسيح : ( لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ، أو ماذا يعطي الانسان فداءً عن نفسه ، لأن منِ آستحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطيء ، فإن آبن الانسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين ؟ ) ينظر كتاب [ الكتاب المقدس ، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد / إنجيل مرقس ] ، تصدرها دار الكتاب المقدس في العالم العربي ، 1979 ، ص 71 .
5-/ جاء في إنجيل مرقس أيضا : ( وفيما هو خارج الى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله < أيها المعلم الصالح : ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ > ، فقال له يسوع : [ لماذا تدعوني صالحا ، ليس أحد صالحا إلاّ واحد ، وهو الله ..؟ ] ! . ينظر نفس المصدر المذكور ونفس الإنجيل ودار النشر والطبعة والسنة ، ص 74
من الدليل الإنجيلي المرقسي أعلاه يتضح لنا بأن عيسى المسيح كان معروفا بين الناس بالسيد ، والنبي ، والمعلم الصالح ، وهذه الألقاب والأسماء هي ألقاب وأسماء لبشر ، وقد أثبت في العبارة بشريته كسائر البشر بأوضح بيان . ثم إن المسيح نفى عن نفسه الصالحية المطلقة . كذلك نفى عن نفسه الربوبية المزعومة في نفس الوقت كما رأينا بوضوح تام ، حيث قال للسائل { ليس أحد صالحا إلاّ واحد ، وهو الله } ! . ولو كان عيسى المسيح من غير البشر وما فوقه خلقيا ، أو إنه كان كائنا من غير الجنس البشري لصرَّح بذلك علنا للناس ، وما كان في ذلك يردعه رادع ، أو يمنعه أحد ، أو لما تمكنت أيَّ قوة من الصمود والوقوف أمامه على الإطلاق . وهذا أيضا بحد ذاته نفي للتثليث ونقض له من أساساته الرملية المتزلزلة المتهاوية المتصدِّعة الأركان والأضلاع أصلا ! .
6-/ يروي الإنجيل اللوقي ، أي إنجيل لوقا العبارة التالية عن نبي الله تعالى عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام - ، حيث تؤكد مرة أخرى بشريته : ( لأن آبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس ، بل لِيُخَلِّص ) . ينظر المصدر المذكور ، إنجيل لوقا ، نفس الدار والطبعة والسنة ، ص 111
7-/ كذلك ينقل لنا الإنجيل اللوقي عبارة أخرى لنبي الله وعبده عيسى المسيح ، حيث يقول : ( كل من آعترف بي قُدَّام الناس يعترف به آبن الإنسان قُدَّام ملائكة الله ) ينظر المصدر المذكور ونفس الإنجيل والدار والطبعة والسنة ، ص 117
8-/ ينقل إنجيل يوحنا ، حيث هو رابع الأناجيل الرسمية < القانونية > لدى المسيحية قولا عن نبي الله تعالى وعبده عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام - ، فقال مخاطبا رجال الدين والأحبار اليهود الذين كانوا يعادونه ويحاولون قتله وتصفيته من الوجود : ( ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ) ! ! ينظر نفس المصدر المذكور ، إنجيل يوحنا ونفس الدار والطبعة والسنة ، ص 163
الغريب المدهش ، هو إن طبعة كتاب [ الكتاب المقدس / إنجيل يوحنا ] لدار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان للمكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، ولجمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، الطبعة السادسة ، لعام 2000 ، ص ، حذفت بالكامل عبارة المسيح التي نقلناها أعلاه من طبعة عام [ 1979 ] من إنجيل يوحنا نفسه ، وهي ( وأنا إنسان كلمكم بالحق ) ! ، لأن العبارة المذكورة هي عبارة حقيقية وصادقة عن حقيقة بشرية عيسى بن مريم – عليهما الصلاة والسلام - . لذلك أقدموا على حذفها في الطبعة الجديدة المذكورة في طبعة عام [ 1979 ] من إنجيل يوحنا حذفا نهائيا ، وبالكامل . وذلك بسبب إن العبارة المذكورة تنسف عملية التأليه لعيسى بن مريم والتثليث من الأسس والجذور ! .
أخيرا أختم هذا الجزء من البحث بالآية الحكيمة المُحكمة القرآنية عن عيسى المسيح وأمه – عليهما الصلاة والسلام – حول حقيقتهما البشرية كسائر البشر تماما ، وهي :
{ ما المسيح آبنُ مريمَ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرُسُل * وأمه صِدِّيقة كانا يأكلان الطعام * أنظر كيف نين لهُمُ الآيات * ثم آنظر أنى يُؤْفكون } ! . المائدة / 75