بابيلون ح20/حيدر الحدراوي

Fri, 18 Sep 2015 الساعة : 1:33

استمر تدفق الهاربين من جيش الوحوش طوال الليل , بلغت السعادة اوجها , عندما كان هناك كثيرا من الوحوش قد هرب ليلتحق بالثوار , بالمقابل , كان هناك ثوارا قرروا الالتحاق بالوحوش , او الهرب من جحيم المعارك .
مرّ يومان بلا قتال , كل طرف كان في غاية الحذر , حتى جاءت لحظة اللقاء والتصادم , نزلت جيوش الوحوش من اعالي الجبال , خرجت من الوديان وكل مكان , لتغطي السهول الشاسعة , بينما حلقت الوحوش الطائرة حاجبة اشعة الشمس , فاشتبكت الاسنة , لتشرب الدماء , وتأكل اللحم , فما ارتوت ولا شبعت ! .
كان هناك الكثير من الوحوش لا يحبذون القتال , لكنهم ارغموا عليه , وكانت تربطهم علاقات حسنة مع البشريين , قرر بعضهم التراجع بدل التقدم , بينما قرر اخرون ان يقاتلوا في صف الثوار , اما من جانب الثوار , فكان هناك عدد كبير منهم يشعر بالإحباط , فقدوا الامل بالنصر او حتى بانتهاء المعركة في وقت قصير , قال احدهم لرفيقه :
-       هذه المعركة ستطول ! .
-       وان انتهت فهناك معارك اخرى تنتظرنا في ايروس ومدينة الاسوار وما بعدها ! .
-       ماذا سنفعل ... ان لم نمت هنا سنموت في المعارك القادمة ؟ .
-       انا عن نفسي سوف اهرب ! .
-       اما انا فسوف التحق بالوحوش ... كفتهم راجحة .
هرب هذا , والتحق ذاك بالوحوش .
كلما تقدمت سرية من سرايا الثوار , ابتلعها جيش الوحوش , فلا يخرج منها احد , تتقدم الاخرى , فيكون مصيرها كسابقتها , بدا ينامي الحكيم عاجزا , توقفت حكمته في ذلك الموقف , لا يعرف ماذا يفعل ؟ , وكيف سيتخلص من هذه المحنة ؟ , بينما الوزير شردق فقد اعيته الحيل , اما قادة الثوار كادوا يفقدون زمام المبادرة , بل فقدوا سيطرتهم على الثوار وتوجيههم , لا تطاع اوامرهم , اقترب احدهم لينامي الحكيم لأخذ المشورة :
-       سيدي ينامي الحكيم ! .
اومأ اليه بأنه يدرك خطورة الوضع , فقال للوزير شردق :
-       لو استمرت المعارك على هذا النحو .. فلن يصمد الثوار طويلا .
-       لابد لنا من الانسحاب ! .
-       لن يسمحوا لنا بالانسحاب ... سيطاردوننا ... عندها تكون خسائرنا اكثر .
-       اذا ... فما الحل ؟ .
-       سأذهب في مهمة ... تولى زمام الامور هنا ... عليك بالصمود .
-       أتتركنا في مثل هذا الحال ؟ ! .
-       سأعود سريعا ! .
انطلق ينامي الحكيم صوب احد الجبال , ابتعد كثيرا عن ميادين المعارك , توقف فجأة لينظر الى الوراء , ثم اكمل طريقه مسرعا , اختفى بين الوديان , لكن جواده تعثر في شيء , فكبا على رأسه , وهوى ينامي الحكيم على الارض , تذمر كثيرا , تململ طويلا , حاول النهوض , لكنه لمح بياضا بين الاشجار , استرق النظر اليه , فعاين وجوده هناك , اسرع نحوه , انحنى امامه :
-       سيدي ! .
-       لا بأس عليك يا ينامي الحكيم .
-       كنت قاصدا اياك ... اعيتني الحيل ... واخذت مني الشيخوخة مأخذها ! .
-       لا بأس عليك ... عدّ الى الميدان ... انهم قادمون ! .
-       من هم يا سيدي ؟ .
لم يجبه , فقد اختفى , تسلق جواده , لكن عدة نبال اطلقت عليه , لم تصبه ولم تصب الجواد , كانت مجموعة من الحرس الامبراطوري في اثره , اسرع في ركوب الجواد , وانطلق مسرعا , انطلقوا مسرعين خلفه , لكن جواده كان الاسرع , والاذكى , سلك طرقا متفرعة بين الاشجار والاغصان , ما افقدهم اثره .
انكسرت شوكة الثوار انكسارا كبيرا , عندما انهارت مقدمة جيشهم , سحقت تماما , تتقدم الوحوش وحيواناتهم العملاقة بقوة , لا شيء يتمكن من ايقافها , لتدوس كل شيء يقف في طريقها , بلا رحمة .
تجمع قادة الثوار حول الوزير شردق , سمعهم يقولون :
-       أتعتقد ان ينامي الحكيم سيعود ؟ .
-       وان عاد فماذا يمكنه ان يفعل ؟ ! .
-       الاولى لنا ان ننسحب ! .
-       او ننهي القتال ! .
-       او نستسلم ... فلم نعد نقوى على جيوشهم .
-       ليس ذاك الجيش فقط ... بل لا يزال لديهم المزيد ! .
في محاولة له ان يستجمع قواهم ويزيد في معنوياتهم قال لهم :
-       لا اشكك بنوايا الحكيم ينامي ... سوف يعود ... لقد ذهب ليقابل ( هو ) واخذ المشورة منه .
-       ماذا ؟ .
-       واين ( هو ) الان ؟ ... لماذا لا يظهر ؟ ... ويقود المعارك بنفسه ... فلا حاجة له بالاختفاء ؟ .
اثناء ذلك صرخ احد الجنود :
-       ها هو ينامي الحكيم قد عاد ! .
تهلل وجه الوزير شردق فرحا وسرورا , واسرع للقائه , بادره اثناء ترجله من الجواد :
-       ما اخبارك ؟ .
-       قال انهم قادمون .
-       من هم ؟ .
-       لم يخبرني ... ما علينا الا الصمود وانتظار قدومهم ! .
ألقى نظرة فاحصة على الجبهات كافة , لاحظ غياب قاذفات اللهب , حدق في وجه الوزير شردق مستفهما :
-       لماذا توقفت قاذفات اللهب ؟ .
-       لقد دمروها بالكامل ! .
*******************
كان القائد خنكيل وضباط جيشه يراقبون سير المعارك , من على احدى الشاشات , فقال :
-       فيما يبدو ان كفة جيوش الامبراطورية قد رجحت .
-       هذا واضح ... فقد مني الثوار بخسائر كبيرة .
-       سوف لن يرحمهم الامبراطور ... سيطاردهم حتى يفنيهم عن بكرة ابيهم ! .
-       لقد قرر الامبراطور ان يمحو دولة الثوار بسكانها .
-       المزيد .. المزيد من الدمار ! .
-       ماذا سنفعل سيدي القائد خنكيل ؟ .
نهض من كرسيه امرا :
-       هيأوا جيوشنا للتقدم ... من شاء منكم ان يأتي معي فليأت ... ومن قرر البقاء في ايروس .. فليبق ! .
على وجه السرعة , انطلقت جيوش القائد خنكيل نحو ساحة المعركة , بسرعة فائقة , على ظهور الحيوانات العملاقة والطائرة , تخلف منهم بعض الضباط مع جنودهم ممن ولائهم للإمبراطور , اعترضوا على التحرك في هذه الفترة فلا حاجة لذلك , خصوصا وان شوكة الثوار تكاد تنكسر , فأجابهم ان مزيدا من الثوار قادمون لدعم جبهاتهم , لذا لابد له ان يتحرك لقطع الامدادات عنهم , لم يقتنعوا بالفكرة , تركهم وانصرف .
سلكت جيوش القائد خنكيل طريقا غير معهود , فأثار ذلك حفيظة الوزير خنياس , الذي كلمه من على الشاشة الرادارية المحمولة :
-       ايها القائد خنكيل ... الى أين ؟ .
-       سوف نشارك في المعركة .
-       لا داعي لذلك ... غدا او بعد غد لن يبقى منهم احد .
-       في ميدان القتال لن يبقى منهم احد ... لكن لديهم المزيد من المدد قد يصل في أي وقت ! .
-       نعلم ذلك ... وحوشنا الطائرة ترصد تحركاتهم ... لن يكون لديهم الوقت الكافي للوصول الى الميدان ... حركتهم بطيئة جدا .
-       نعم ... انتم اجهزوا على من في الميدان بينما اجهز انا على من تبقى منهم ! .
-       حسنا ... لك ذلك ! .
***  يتبع

حيدر الحدراوي

 

Share |