صناعة العدو/عصام الطائي
Wed, 16 Sep 2015 الساعة : 1:42

العلاقة بين صناعة العدو والخوف أضحت صناعة العدو لها طابع خاص في مراكز صناعة القرارات بحيث أضحت جزء من تخطيط دقيق لفرض الهيمنة على الآخرين وان الدول الكبرى لها مراكز متخصصة في صناعة العدو بحيث أي فكر او مجموعة او دولة او ثقافة او مذهب او دين او أي شخصية لا تنسجم مع الإرادات المغايرة لها يمكن ان يجعل منها عدوا يخشى الآخرين منه وهذا جزء من الصراعات الإيديولوجية في عالمنا والعلاقة بين صناعة العدو والخوف المعاصر وهو كظاهرة تاريخية قديمة ولكن لم تصل الى ما وصلت اليها ألان وذلك بفضل تطور وسائل الاتصال والقدرة على التأثير على ذهنية الآخرين.
وتتم صناعة العدو بخلق عدو وتخويف الآخرين من هذا العدو حتى مع العلم انه لم يكن ذلك العدو حقيقيا والمهم في الأمر ان العدو لو كان حقيقيا وواقعيا يصبح ضروري التخوف منه إلا ان في غالب الأحيان لم يكن عدوا حقيقيا بل وهميا وقد تتعدد دائرة الصراعات بين الأفراد والأحزاب والدول و المذاهب والأديان وكل ذلك سوف يخلق الأعداء ومن ثم الحروب والاقتتال بين الأفراد والأحزاب والدول والمذاهب والأديان هذا مما يسبب الفساد في الأرض ولقد كان تعبير القران الكريم رائعا في تشخيص هذه الحالة من خلال دلالة مضمون احدى الآيات القرآنية الكريمة التي تظهر الرعاية الإلهية والذي عبر القران الكريم بعملية الدفع أي هي بمعنى أخر هو الرعاية والتسديد الإلهي كي لا تهدم المساجد والكنائس والصوامع الذي يعبد بها الله.
ومن المعروف ان طبيعة حياتنا فيها التناقضات بسبب اختلاف الأهواء إلا ان هؤلاء يزيدون من حدة التناقضات فبدل ان يعالجوا تلك التناقضات فهم يزيدون من حدتها مما يسبب الفساد في الأرض إلا ان الرعاية الإلهية لا تقف عند المستوى الفردي بل على مستوى رعاية الأمم فالله تعالى يعمل على رعاية مصالح العباد من حيث لا يشعرون وفي نفس الوقت جعل سنن إلهية ثابتة لا تتغير فان الله تعالى لا يغير حالة قوم ما لم يغيرون أنفسهم لذلك لا بد من التمييز بين الرعاية الربانية التي تجعل نوع من التوازن بحيث لا يصل علو المستكبرين في الأرض الى حالة تغير التوازنات التي ارادها الله تعالى في الارض وفي نفس الوقت يجعل ضرورة عملية العمل على مقاومة سلوك المستكبرين من قبل عباده الصالحين.
وان أول ظاهرة واضحة في صناعة العدو هو في الأسرة حيث اذا ما إذا حصل خلاف بين الزوج والزوجة يسلك الزوج الى جعل من زوجته عدوا بكونها عدو أمام الأبناء مما يسبب تغير موقف الأبناء من المحبة الى الكراهة مما يخلف موقفا متشنجا في الأسرة تؤدي الى تهديم حياة الأسرة او تكون القضية بالعكس اذ تخلق الزوجة من الرجل عدوا بنظر الأبناء وكذلك بالنسبة الى العلاقات بين الأصدقاء إذا ما كان احد الأصدقاء يتصف بكونه ذات نفسية قذرة يجعل من ذلك الصديق عدوا اتجاه الآخرين من خلال الافتراء والكذب وهكذا تتم إفساد العلاقات الإنسانية فتسبب تلوث العلاقات الاجتماعية مما يخلق بيئة مريضة غير قادرة على صناعة الإنسان المتكامل روحيا وأخلاقيا.
وأما على مستوى الأحزاب يمكن أن يخلق العداء بين الأحزاب من خلال محاولة السلطة في زرع آسفين العداوة وهذا ما تقوم بها الأنظمة القمية او قد يكون نتيجة لطبيعة الأحزاب نفسها وتوجهاتها السياسية والعقائدية وطبيعة ارتباطاتها مع الدول الخارجية التي تجعل منها ورقة تستخدمهم لحفظ مصالحها في المنطقة وهذا كما ملاحظ في توجه بعض الأحزاب في عالمنا العربي والإسلامي وتصرفاتهم الخاطئة ومواقفهم السلبية لكل توجه وطني يخدم مصالح الأمة مستخدمة تلك الأحزاب وسائل التخويف والتهويل للأحزاب المضادة لتوجهاتها.
ونفس الأمر على مستوى الدول حيث نتيجة لبناء العلاقات الدول على مصالح مادية بحتة وليس على أساس مصالح واقعية والتي يكون توجه اغلب الحكومات في عالمنا قائم على مصالح ضيقة فتظهر العداء بين الدول مما يسبب خلق أي حرب مع أي دولة جارة لذلك يتم صناعة العدو والتخويف منه مما يسبب بالتالي خلق الحروب في كثير من الأحيان وهذا كما مشاهد في الدول الأسيوية والإفريقية وأمريكا اللاتينية .
وكل هذه الصراعات والاقتتال بين كل هذه التشكيلات لان البشرية تتقوم أفكارها ومفاهيمها على قيم مادية بحتة لا على أساس قيم معنوية تجعل من المحبة والإخاء الإنساني كهدف لها وكل الصراعات والنزاعات تعود الى طبيعة التوجهات الإنسانية نحو هذه القيم المزيفة التي تجعل العداوة والبغضاء والكراهية بين الدول والشعوب ثمن أطماع دنيوية بحتة ومن هذا المنطلق يظهر عظمة التصور الاسلامي من خلال أطروحته الفكرية في هذه الحياة على جعل القيم المعنوية كعنصر أساسي تقوم عليه العلاقات والإنسانية والحضارية.
وإننا اليوم بأمس الحاجة الى جعل المحبة والمودة والإخاء والصدق والوفاء والعدل والتسامح والكرامة والصدق والفضيلة والأمانة وغيرها من القيم الدينية والأخلاقية كقيم ضرورية في المسار الإنساني والحضاري وان نتخلى عن كل قيمة تسبب الفساد والإفساد والظلم والرذيلة في الأرض وان تركيز الخطاب القرآني على القيم والمبادي الرفيعة يكشف لنا عظمة المنظومة الإسلامية في هذه الحياة مما يجعل مصداقية .
وان ما نلاحظه من تصرفات سلبية وسلوكيات خاطئة وأعمال لا تتصف عما أرادها الله تعالى من قبل بعض المسلمين بالإضافة الى محاولة الدولة الكبرى من خلق خوف من الإسلام والمسلمين كلها وسائل تخلق الخوف من الإنسان المسلم مما يجعل الآخرين يتخوفون من تقبل الإسلام فكرا وعقيدة ومبدءا في هذه الحياة إلا ان الرعاية الإلهية التي عبر عنها المقولة المشهورة ان للبيت رب يحميه تجعل الأمل في قلوب المستضعفين في الأرض اذ لا بد ان يمن الله على المستضعفين من ان يستخلفهم في الأرض ويجعلهم هم الوارثين وان العائق الأساس في تأخر هذا الهدف هو تخلف بعض المسلمين بسبب فهمهم الخاطئ للإسلام لذلك ان مشكلة البعض تكمن في الفهم للإسلام ومتى وصل المسلم الى حالة النضج سوف تكون له القدرة على الاستخلاف ولا يمكن ان يجعل الله من المستضعفين غير الواعين بان يقومون بهذا الدور لان الاستخلاف يحتاج الى شروط وضوابط وقيود.
عصام الطائي