اصلاح العملية التربوية، مسؤولية مَن؟/عبد الحسن خيرالله النصرالله
Wed, 2 Sep 2015 الساعة : 2:00

عند الإبحار بخيالنا واسترجاع محطات الذاكرة المتعلقة بأوقات كنا فيها نعتلي مقاعد الدراسة كطلاّب علم، نجد أنفسنا نحن أعضاء الهيئة التدريسية اليوم في وضع مختلف عمّا كانت عليه الهيئات التدريسية التي تلقينا على أيديها العلم فيما سبق.. ولا ينحصر الأمر في الجانب المادي لهذه الشريحة وحسب، بل الآليات التي تحدد حجم السلطة الأخلاقية التي يمارس من خلالها المعلم تأثيره في شخصية طالب العلم، بالإضافة الى المكانة الرمزية للمعلم في المجتمع التي ما فتأت تتضاءل رويداً رويداً كلما تقدم بنا الزمن.
الأجيال السابقة سواءً فيما يخص شريحة الطلبة التي كنا ننتسب إليها أو المجتمع الذي يحتضن تلك الشريحة بشكل عام، لم تكن تلك الأجيال تُميّز ما بين مُعلّم وآخر في التقييم العام، أي كان اختصاصه، ومهما اختلفت لغته ولهجته :ففي ذلك الحين الدراسة الجامعية لم تكن تخلو من الأساتذة الأجانب في بعض الأحيان، فيما كانت العمالة الإقليمية الوافدة قد ضمّت هي الأخرى أيضاً، بين طيّاتها الأساتذة العرب بشكل عام، والمصريين بشكل خاص الذين كانوا يشكلون النسبة الأكبر من الحجم الكلي للعمالة الوافدة آنذاك. بعبارة أخرى، أن كون المعلّم أجنبيا أو عربياً أو عراقياً لا يترك أثراً يُذكر في عملية التقييم أو التأثير سلبيا على طبيعة العلاقة على المستوى الشخصي مع الطالب أو على المستوى العام مع المجتمع.
لا شك بأن العلاقة بين المُعلم وما حوله في العراق اليوم قد اتخذت منحىً آخر، ومستوىً بياني متدني ترك أثره الكبير على مخرجات العملية التربوية بشكل مباشر كمّا ونوعاً، وبالتالي فإن عملية أصلاح المنظومة التربوية يتطلب بحث المشكلة من كافة جوانبها للتأشير على مناطق الخلل وفرز مواقع القصور والتقصير في الأداء الذي يشكل فعلا موجهاً نحو الفرد والمجتمع، وكذلك ردود الفعل المنتجة لتقييم ذلك الأداء المعرفي.
في الحقيقة لا نعلم ما هو متكلس في أذهان طلبتنا عنّا، لكننا اليوم وعندما نتفحص ما تختزنه الذاكرة من مواقف تجاه الأساتذة الذين تلقينا على أيديهم ما نمتلك من رصيد معرفي، لا نجد في أذهاننا سوى الصور الحافلة بالبذل والعطاء والإيثار والحُرص الشديد على ايصال المعلومة بطرق متعددة، ليس على المستوى الشخصي وحسب، بل إذا ما جمعتنا الصدفة بأحد معلمينا خارج الدوام الرسمي لا يمكننا سوى النظر الى أن قامة شامخة تحث الخطى وسط شرائح المجتمع الأخرى وذلك يشمل أساتذتنا المصريين في العراق، رغم أن وجودهم في المجتمع كان يصنّف في حدود الإغتراب غير المنتمي مباشرة لتفاصيل المحيط، ألا أنهم، مع ذلك كانوا يحضون بذات المنزلة المجتمعية وذات الهيئة التي تجعل منه شخصية رسالية محسوبة الحراك يكن لها الجميع الشكر والعرفان.
وعند المقارنة بين ما سلف التطرق اليه، وبين ما نحن عليه اليوم، يثير أمراً كهذا أسئلة عدة عن أسباب رفع الغطاء المعنوي من قبل المجتمع عن المعلّم، وما الذي جعل من أبوابه مشرعة بوجه إساءة رئيس القبيلة وذوي التلاميذ بل واستخفاف التلاميذ أنفسهم في معظم الأحوال وإلا ما ندر.
كما يقول الإمام علي (ع) :" من علّمني حرفا، صرت له عبداً"، فهل عجز المعلّم عن توظيف المعرفة لصيانة العلاقة مع الآخر، حيث تقاذفت الميول السياسية والتجارية دوره الرسالي في المجتمع، أم أن قلة وعي الفرد والمجتمع أسهمت في غياب الضمير الكفيل برسم الإستحقاق الأمثل للمعلم؟.. أم أن الإختلالات الادارية والمجتمعية التي تسبب بها النظام السياسي في البلاد كانت قد ألقت بظلالها السلبية على الجميع.. أي كان الأمر فهو لا يعفي على الإطلاق جميع الأطراف من المسؤولية عند السعي الجدي لإحداث الإصلاح في المنظومة التربوية.!
مدير إعدادية غرناطة للبنين/ ذي قار/ سيد دخيل