التعامل مع الواقع/عصام الطائي
Fri, 21 Aug 2015 الساعة : 15:00

ان الموقف والتعامل مع الواقع سواءا على مستوى الافراد او الاحزاب او الدول او الاديان او المذاهب او الطوائف او القوميات او العلوم هو العنصر الذي يحقق النجاح او الفشل ومهمة الانسان هو امكانية التعامل مع المشاكل والازمات والقضايا بواقعية واذا فشل فيعود ذلك الى الظنون والشكوك والاوهام والتخيلات حيث يتصور انها هي الواقع ويتعامل مع هذه القضايا على انها الواقع وهي عكس ذلك.
وان الاحزاب والحركات بشتى الانتماءات القومية او اليسارية او الليبرالية او الاسلامية التي تستطيع ان تتعامل مع الواقع بصورة صحيحة سوف تحقق النجاح على مقدار موقفها وتعاملها مع الواقع وتفشل اذا فشلت في تعاملها مع قضايا الواقع وان تأثير نوعية القوانين والانظمة التي تنظم شؤون الفرد والمجتمع لها دور مهم في الواقع وان التخلف او التقصير في القوانين التي تتفق مع الواقع هو الاساس في كثير من المشاكل والازمات .
ولقد ساهم الدكتور عبد الرزاق السنهوري في مشروعه القانوني الذي بذل كل جهده في محاولة تكييف القوانين الاسلامية بصورة تنسجم مع الواقع وكان من الصعوبة تكييف القوانين الالهية لولا اطلاع الدكتور السنهوري على احدث ما توصل اليه الفكر البشري من قوانين ويمكن الاستفادة من النصوص الشرعية في صياغة القوانين الالهية لتكون منسجمة مع الواقع لان تقنين القوانين تحتاج الى الجهد البشري باعتبار اهمية الخبرة البشرية من خلال تطور القوانين عبر العصور.
وقد حدث نضج في حل كثير من المشاكل والازمات نتيجة الاحتكاك مع الواقع مما يجعل ضرورة حل تلك المشاكل والازمات وان مشكلة الفكر الاسلامي المعاصر هو اهماله بعض الاحيان جملة من الفتاوى الفقهية من اجل تحولها الى قوانين ولا يمكن في الشأن الاجتماعي ان نعالج المشاكل الا من خلال القوانين ولا يمكن الاقتصار على الفتوى في تنظيم شؤون المجتمع وهو بخلاف بعض القضايا التي تتعلق في الشأن الشخصي فهي تحتاج الى مجرد الفتوى لا الى القوانين كما في قضايا العبادات.
وعلى مستوى المذاهب الفقهية فمقياس النجاح والفشل هو طبيعة موقفها وتعاملها مع الواقع فان الفكر السلفي في كثير الاحيان فشل في تعامله مع قضايا الواقع وبذلك لسوء تكيفه مع الواقع من خلال اصدار كثير من الفتاوى الفقهية التي لا تنسجم مع الواقع وقد امتدح الشيخ علي جمعه الفقه الشيعي حيث اعتبره فقها متطورا لان الفقه الشيعي منسجما مع الواقع وذلك يعود لفتح باب الاجتهاد فعن طريق الاجتهاد يمكن معالجة كثير من القضايا التي تتعلق بشؤون الفرد والمجتمع.
وعلى مستوى الاديان الوثنية فلا يمكن للاديان الوثنية ان تكون منسجمة مع الواقع لانها تسفه دور الانسان في هذه الحياة وتجعل موقف الانسان ضعيفا ومهزوزا لا يمثل الدور المطلوب الذي يجب ان يكون عليه وهذا بخلاف الموقف القراني اتجاه الانسان حيث يعلو من شأن الانسان فيريد الله تعالى من الانسان ان يكون كائنا قويا محبا للخير والفضيلة والصدق والعدل وله دور ايجابي في هذه الحياة اما موقف الاديان الوثنية فهو موقف ساذج لا يمثل مستوى الطموح الذي يجب ان يكون عليه الانسان في هذه الحياة.
وعلى مستوى الفكر القومي فالفكر القومي العربي قد فشل في القرن الماضي لانه فشل في التعامل مع الواقع وقد حدث نضج للفكر القومي بعد اللقاء مع التيار الاسلامي فهناك مواقف طيبة لبعض المفكرين القوميين من خلال مواقفهم من القضايا في عالمنا العربي والاسلامي وان الخلل في الفكر القومي يعود كونه يختزل الحقيقة بقوم او فكرة او تصور او مفهوم غير واقعي مما سبب نكبات في واقعنا العربي والاسلامي.
اما على مستوى الاسلام السياسي فمقياس نجاحه او فشله هو في تعامله مع الواقع فكلما تعامل مع الواقع بصورة منسجمة سوف يحقق انجازات كبيرة وكلما فشل في تعامله مع الواقع سوف يفشل وان سبب الفشل هو وجود افكار مسبقة وسوء فهم المضامين الدينية وسوء ادارته فهذا يسبب ظهور كثير من المشاكل والازمات ولقد كان الاتجاه المتشدد قد سبب تشويه لسمعة الاسلام والمسلمين ويتصور هذا الاتجاه ان يمثل الاصالة ولكن الحقيقة خلاف ذلك فان التعسف في التعامل مع القضايا قد سبب كثير من المظالم بحق الكثير من الناس.
ولقد استطاع الانسان في هذا العصر ان يحقق انجازات كبرى للبشرية وكسب ثقة الناس الا ان الخلل حصل في استغلال تلك المكتسبات لاستغلال البشرية مما سبب حصول مظالم كثيرة وكان ابرزها تلك الحروب التي لا زال الانسان المستضعف يدفع ثمنها غاليا .
عصام الطائي