عمار الحكيم والنظرة إلى إيران -محمد هاشم الصكر -ناصرية
Sun, 15 May 2011 الساعة : 10:26

قدر العراق والعراقيين أن يكون لهم مكان في جغرافيا الشرق الأوسط تمثل الحد الفاصل والمشترك بين شعوب و ثقافات و طوائف لم تنعم العلاقة بينها بالسلام إلا في فترات نادرة. لهذا كان العراق مسرحا للمواجهة تارة بين الإمبراطورية الرومانية والفارسية و تارة بين تركيا العثمانية وإيران الصفوية و ثالثة بين البعث و الثورة الإسلامية لتنتج الأخيرة تارة جديدة بين الشيعة و السنة، حيث انتهى المطاف إلى الاقتتال و التناحر بين أبناء البلد أنفسهم بتأثير مباشر من دول الجوار أي بفعل الجغرافيا ذاتها.
نجحت إيديولوجيا البعث في ترسيخ الجانب العنصري والقومي لدى الشارع العربي، وآزرت ذلك التكفيرية الوهابية المدججة بالمال السعودي الذي أنفق بسخاء على الجبهتين لتعزيز الشعور العدائي تجاه إيران أكثر بأضعاف مضاعفة مما فعلته على جبهة الصراع العربي- الإسرائيلي، بل أن المقارنة بين الحالتين لا تذكر أبدا. لتصبح المقولة الطائفية أن الرافضة ( شيعة إيران والعراق ) أشد خطرا على العروبة والإسلام من اليهود. إنها الفضيحة الأموية الجديدة ولا أجدها سوى صياغة معاصرة تمثل امتدادا لمقولات بني أمية و تبرير قتل الإمام الحسين عليه السلام. حيث كان الحسين رجلا متمردا يسعى لشق صف المسلمين خدمة لأعدائهم !! فابن بنت رسول الله كان العدو الذي يجب تصفيته و تصفية عائلته وأصحابه في حين لا بأس أن يكون لـ (أمير المؤمنين) مستشارون من الدولة البيزنطية التي كانت تمثل ما تمثله إسرائيل اليوم.
بعد الإطاحة بنظام صدام حسين المقبور بقيت ثقافته الشوفينية العنصرية مؤثرة في وعي بعض العراقيين و حتى أولئك الذين انتموا إلى الطبقة السياسية فضلا عن نخب ثقافية ودينية سواء تلك المحسوبة على مكون معين أو بقايا البعث العابرة للتكوينات العراقية. وما بقاء منظمة مجاهدي خلق الإرهابية على الأرض العراقية بفعل ضغوط قوى وشخصيات سياسية استماتت في الدفاع عن بقاء هذه الشرذمة إلى درجة أن أدخلت قضية إبقاء معسكر أشرف في مفاوضاتها مع باقي الأطراف أثناء الانتخابات وما بعدها في معمعة تشكيل الحكومة. و لم يقتصر الأمر على ذلك بل خرج بعض البعثيين عام 2010 ممن أدعوا تمثيلهم لعشائر في مناطق ديالى رافعين لافتات تندد بالحكومة العراقية و تتباكى على مأساة إنسانية لزمرة خلق في واحدة من أشد المفارقات حماقة و غرابة تسجل في تاريخ شعب من الشعوب الذي يقدح بحكومته و يمتدح مجموعة مسلحة تقيم على أراضي البلاد معارضة لدولة أخرى.
ما هي الفائدة التي يجنيها العراق مثلا من إبقاء هذه المنظمة التي رعاها و جمع عناصرها النظام البائد ومثلت ذراعا من أذرع البطش أيام الانتفاضة عام 1991؟ أتحفنا السيد صالح المطلكـ ذات مرة برؤية إستراتيجية لا نظير لها، حين قال إننا يجب إبقاء مجاهدي خلق كورقة ضغط على إيران كي لا تتدخل بالشأن العراقي الداخلي! متناسيا أن دعم هذه المنظمة و توفير الحماية لها للقيام بأعمالها داخل إيران يمثل بدوره تدخلا سافرا بنظر إيران بشأنها الداخلي. بل و أن بقاء هذه المنظمة يوفر ذريعة للجانب الإيراني ليتدخل بالشأن العراقي أيضا.
إذا ما كان مفروغا من أن إيران جارة أبدية للعراق وأنها ذات وزن ثقيل في المعادلة الإقليمية وأن العراق يشترك معها بحدود طويلة أ فليس من المنطق أن تكون العلاقة معها علاقة حسن جوار واحترام متبادل و علاقات اقتصادية و حتى عسكرية من منظور استراتيجي يكبح جماح الأطراف الإقليمية الأخرى التي تدفع باتجاه إبقاء مناسيب التوتر بين العراق وإيران على حالها أيام نظام البعث ليصب ذلك في خدمة مخططاتها الطائفية المقيتة؟
القوى والشخصيات السياسية اليوم تتباين مواقفها تجاه إيران والعلاقة معها، و يمكن أن نقسم تلك القوى بناء على مواقفها إلى:
أولا\ من لا يرغب إلا في إدامة حالة التوتر و عدم الاستقرار بين البلدين، و يدفع باتجاه إثارة النعرات الطائفية والقومية و العزف على نغمة الثقافة البعثية البائدة. هؤلاء يتسم بعضهم بالنفاق حين يصرحون في الإعلام تصريحات تبدو مترددة تجاه قضية تحسين العلاقة و تطويرها مع الجارة الشرقية. والحقيقة أن أغلب هؤلاء من بقايا البعث الذين تسللوا إلى العملية السياسية تحت عناوين مختلفة. وهم طائفيون حد العظم و منافقون من طراز فريد. وكانوا حتى وقت قريب يحملون إيران – دون أن يعني ذلك تبرئة تامة لها – كل ما يحصل في العراق في حين لم نسمع لهم انتقادا و موقفا حقيقيا تجاه ادوار الحكومات الأخرى المجاورة للعراق و التي قدمت دعمها اللامحدود للجماعات الإرهابية.
ثانيا\ من يدرك واقع أن حالة الصدام والتوتر في العلاقة مع إيران لا تعود بعائدة تذكر على البلاد، وأن تصعيد الموقف مع إيران بعد كل حادثة مفتعلة أو حقيقية يمثل تواصلا مع إرث الماضي. يرتبط هؤلاء بعلاقات جيدة مع إيران من جانب مصلحي و انتفاعي و لكنهم يومئون في تصريحاتهم الدبلوماسية إلى ما يناغم الظروف و حيثياتها حتى لا يغدو صعبا معرفة أنهم بلا موقف واضح و حقيقي و مترددون في التعبير عن قناعة واضحة أمام الرأي العام.
ثالثا\ هناك من يقارب العلاقة من منظور عقلاني و منطقي، و كمثال ما قاله أخيرا السيد عمار الحكيم الذي أكد على أن التوتر العربي الإيراني هو واحدة من الظواهر السلبية التي نعيشها في منطقتنا ودفعنا ضريبتها عربيا وإقليميا خلال السنوات الماضية، وهو يمثل تنكرا لحقيقة التاريخ والجغرافية ووقائع الأرض والحياة وواقعيات الجوار ويتحتم علينا حل الخلافات العالقة وتسوية الأمور عبر الحوار والمصالح المشتركة الكبرى الموجودة بين العرب وبين الإيرانيين في هذه المنطقة وهناك من المصالح الهائلة ما يمكن أن تمثل فرصة لتذليل كل العقبات في الوصول إلى تسوية شاملة تحقق الأمن والاستقرار والاعمار والازدهار في منطقتنا، ولذلك أدعو الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للقيام بمبادرة في وضع إطار يمثل العلاقة في هذه المنطقة بين هذه الدول الكريمة ومن خلال التشاور مع القيادات في الوطن العربي وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولبدء حوار صادق واضح بين الوطن العربي وبين إيران في كل المسائل والمصالح المشتركة من ناحية وفي القضايا الخلافية والشائكة التي كانت مثار الهواجس بين الطرفين على مدار السنوات الماضية من ناحية أخرى.
و يضيف عمار الحكيم إن تعريف المصالح بين هذه البلدان ووضع تصور وتعريف للهواجس التي تثير القلق للعرب من ناحية أو للإيرانيين من ناحية أخرى كفيل بوضع رؤية إستراتيجية وشراكة حقيقية في إقليمنا ومنطقتنا تشمل الأمن والسياسة والثقافة والاقتصاد وكل القضايا الحساسة والحيوية التي يمكن أن تمثل مصالح مشتركة بين الدول العربية وبين إيران.
أرى في هذا الطرح عقلانية متينة استوعبت بشكل خاص متغيرات الأوضاع الجارية في بعض البلدان العربية وما حدث من توترات أعقاب أزمة البحرين، و أهم ما جذب انتباهي في كلام السيد عمار الحكيم هو أن تحسن العلاقة العراقية – الإيرانية تبدو مرتهنة بتحسن مماثل في العلاقة العربية – الإيرانية و بدون ذلك سنبقى رهنا بحالة اللا عداء و اللا سلام .. و استمرار علاقة غريبة نوعا ما، قلقلة و مشوبة بالكثير من المنغصات و المعرقلات.