الفشل ليس خيارا-محمد الكاظم

Sun, 2 Oct 2011 الساعة : 22:15

من المستغرب ان تتطور الأمور بين الفرقاء السياسيين المتصارعين على الساحة السياسية العراقية الى الدرجة التي صاروا يتبادلون فيها الاتهامات العلنية، متخلين عن الدبلوماسية التي كانت سمة من سمات العملية السياسية التي ساهمت الى حد ما في ابقاء المطبخ السياسي للكتل السياسية بعيدا عن الواجهة خلال السنوات الماضية .
تبادل الاتهامات علنا، والضربات العلنية المتبادلة تحت الحزام بين اقطاب العملية السياسية ملمح جديد من ملامح سياسة ماقبل الانسحاب الامريكي، وتحول جديد في طريقة تعامل الخصوم مع بعضهم البعض، فالساسة العراقيون اعتادوا طبخ الامور على نار هادئة، كما اعتادوا الحصول على رضا وموافقة جميع الاطراف. واستخدام وسائل اقل ايلاما للخصوم لوجود قناعة راسخة بأن خصوم اليوم هم نفسهم حلفاء اليوم ايضا .
فأستخدمت الكتل السياسية لحل مشاكلها دبلوماسية الوسطاء، والاجتماع حول مأدبة طعام ، او السعي لايجاد حل وسط  او تأجيل المواضيع مثار الخلاف، كما استخدمت لغة الاشارة والتلميح او التسريبات الاعلامية، او التلويح بكشف المستور، وفي اسوء الظروف كان يسمح لسياسيي الصف الثاني بقليل من الملاسنة على الفضائيات، او ببعض التصريحات النارية التي تجري المسارعة الى اطفاء جذوتها ودفع مطلقيها الى الصفوف الخلفية حفاظا على التوافق الذي يحرص عليه الجميع، رغم رفضهم له.  
لكن في الازمة الاخيرة يبدو ان عزلة المطابخ وحوارات الغرف المغلقة ليس مقدرا لها ان تستمر في ظل نزوع صقور الكتل السياسية المتنافسة الى نشر غسيل الاطراف الاخرى. مستخدمين الفاظا تنم عن نفاذ الصبر،وتكتيكات تنم عن الرغبة في محو بالآخر. وتحريك ملفات اشكالية لايمكن حسمها دون خسائر سياسية كبيرة وإرباك سياسي للمشهد العام، مايمكن اعتباره بداية لمرحلة جديدة عنوانها اللعب على المكشوف الذي يوحي بالسعي الى كسر العظم بعد أن عرف كل فريق مواطن قوة خصمه ومكامن ضعفه. واضحى التوافق مهددا بالانهيار بصيغته الحالية، مالم يتم ايجاد صيغ ومعادلات جديدة للتوافق، ربما سيساهم الانسحاب الامريكي في اعادة النظر فيه كما أرى .
إزاء ذلك كله فأن صبر المواطن قد نفد في انتظار ثمار تجربة التحول التى تأخر قطافها بسبب تجاذبات السياسيين الذين تناسى كثير منهم الاستحقاق الأهم وهو المواطن ومصالحه، حتى بدأ الحديث عن سحب الثقة عن الحكومة والعودة الى المربع الاول يشكل جزءا من الخطاب المتداول، دون الإهتمام بالزخم الذي من الممكن ان تفقده التجربة الديمقراطية الناشئة فيما لو تعرضت العملية السياسية التوافقية على علاتها وعلى علات الحكومة التي خرجت من رحمها لمثل هذه الهزة العنيفة.
 مع ملاحظة ان أشد المتفائلين لايتوقع حكومة مختلفة عن هذه الحكومة في اية انتخابات ستجري في ظل مناخ التوافق المهيمن على العملية السياسية .وفي ظل تنوع الولاءات والتخندقات وتأثيرها في نتائج الانتخابات.
ولم ينتبه احد الى ان الذهاب الى هذه الطروحات يعد فشلا للنخبة السياسية بجميع كتلها في تكريس تجربة امكانية بناء الدولة .وفشلا في ايجاد نقاط التقاء بين الفرقاء، وايجاد تقاليد سياسية وحلول استثنائية لمشاكل البلاد ، والفشل كما هو واضح لم يعد خيارا يمكن ان يتحمله العراق ضمن المناخ العام للبلاد والمنطقة. وعدم التوصل الى حلول سيعني خسارة الكثير من الرصيد الشعبي لبعض المتصدين الذين سيحملهم الشارع مسؤولية الفشل بغض النظرعن الاسباب. وتقليلا لثقة المواطن بأمكانية قادته في ايجاد حلول لمشاكل يمكن حلها بالمزيد من الحوار وصفاء النوايا.

Share |