"مجرد رأي".....(180) «إلك حبلين بالهفتي، والك بيش»/علي الحاج

Mon, 10 Aug 2015 الساعة : 0:42

"فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".

التظاهر، ظاهرة اصلاحية حضارية مكفولة للمواطن بالدستور وبالقوانين الوضعية والسماوية، هدفها التعبير عن الرأي وايصال الأفكار التي خيبها التشاور والتفهيم والمطالبات الشعبية المشروعة، فالقعود عنها يؤدي بمعظم السلطات الحاكمة بالتمادي والغفلة وانتهاك حقوق المواطن والمكونات، والقيام بها أمر ربما يجعلها أن تكون سلاح ذي حدين، فالحدود السيئة فيها أن تكون الحكومة متعسفة بعض الأحيان في الرد لدرجة القمع والإستئصال والاهمال والتهاون، أو لربما قد تكون عاجزة عن تلبية مطالب المتظاهرين بسبب عجز إقتصادي أو مالي أو بنيوي أو سياسي أو أمني، وأن الحد السيئ من جانب المتظاهرين قد يكمن في أمرين اثنين، أولهما أن تكون تلك المطالب تعجيزية وتحقيقها في غاية المحال، أو أن يندس بعض من المغرضين في وسط مظاهرة ما فيعمد لاثارة الشغب ومن ثم حرف المظاهرة إلى غير أهدافها للوقوع بها في مستنقع الهرج والمرج الذي يؤدي في أحيان كثيرة لانفلات الأوضاع كالاعتداء على القوات الامنية أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة وسرقتها بسبب تأثير العقل الجمعي، فلا يجعلوا للعقل الجمعي سبيلا لتصرفاتهم وافعالهم فيركبوا الموجة فتأخذهم إلى واد سحيق يفقدون فيه صوابهم ومطالبهم المشروعة، وفي جميع الأحوال يبقى المعيار السليم للتعاطي مع هذه الحالة لطرفي المعادلة هو العمل بمبدأ " الوسطية" ذلك لأن خير الأمور أوسطها، فالتطرف في مثل هذه الأمور قد يخرج أحدهما من نطاق السيطرة ويحصل المحذور لاسامح الله.

إن بلدنا الآن يمر في محنة اقتصادية ومالية وعسكرية وأمنية وسياسية واجتماعية، وأن الظروف التي يمر بها البلد الآن استثنائية "بسبب الحرب العبثية الضروس المفروضة عليه من قبل الدواعش خوارج العصر"، و"بسبب آفة الفساد التي تنخر بجسد الوطن وتحط من كبرياء المواطنين وتطلعاتهم نحو الرقي والعيش الرغيد"، و"للأسف الشديد أن من يتبنى آفة الفساد هم بعض من كبار وصغار المسؤولين والسياسيين"، و"سبب آخر هي التركة الثقيلة التي خلفتها تراكمات الحكومات السابقة والتي جابهت حكومة السيد العبادي، فجعلت الحكومة الحالية شبه قاصرة عن تلبية بعض الخدمات التي تحتاج لأموال طائلة وإمكانيات هائلة"، وعليه فنحن ووفق هذا الواقع المرير اننا جميعا مدعوون للنهوض ببلدنا من خلال ادامة زخم المعركة ومكافحة حملات التشويه والتسقيط التي تتعرض لها القوات المسلحة الباسلة والامنية المخلصة والحشد الشعبي المبارك، وعلينا ان نفهم بان تكون مطالب المتظاهرين مطالب اصلاحية شاملة، لاتنحصر بمطالب بسيطة ومجزأة كالخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ورواتب فحسب، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، كإصلاح شامل للعملية السياسية بابعاد الفاشلين والسراق وإعادة كافة المسروقات لخزينة الدولة، وإلغاء المحاصصة فورا ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، من خلال الوقوف مع السيد العبادي ومساعدته في استخراج العصي التي وضعها السياسيون في عجلة تقدم الحكومة.

هذا وإذا صلحت العملية السياسية، فإن الإصلاحات الاخرى المتعلقة في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها ستصلح بشكل تلقائي وانسيابي، وستكون الحكومة المركزية حينذاك قوية ومقتدرة وقادرة على حل وتجاوز وإصلاح جميع المعضلات المتعلقة بجميع المحافظات العراقية وباقي مؤسسات الدولة ومعالجة جميع الخدمات المتعلقة بأمن المواطن وحقوقه ومعايشه.

إن واحدة من حسنات هذه المظاهرات ان دعمت موقف السيد العبادي وعززت موقفه للقيام بممارسة صلاحياته المكبلة من قبل السياسيين لإصلاح الوضع المتفاقم في البلد بشكل عام وعلى جميع المستويات، وإعانته على ابعاد الفاسدين ومحاكمتهم، وممارسة جميع صلاحياته المتعلقة بالاصلاح واسترداد المبالغ المختلسة والمسروقة، ومن المعلوم أن لامشكلة للمتظاهرين مع السيد رئيس مجلس الوزراء، فهم معه لاعليه، وهو ملزم وجوبا الوقوف معهم وتحقيق جميع مطالبهم الغير قابلة للتجزئة والايفاء بجميع الوعود التي قطعها للشعب على عاتقه، ومنها وعده الأخير العمل بمبدأ "من أين لك هذا؟"، وهذا المبدأ ليس من الصعب أو من المستحيل تحقيقه كما يظن البعض، علينا أن نستفاد من تجارب الآخرين الذين طبقوه في بلدانهم بكل سهولة ويسر، فقد طبق في انكلترا قبل مائة سنة فجاء بنتائج مثمرة وباهرة ساهمت في انعاش الإقتصاد البريطاني والقضاء التام والمبرم على الفساد والمفسدين بعد إمتلاء المصارف والبنوك بالأموال المسروقة والمختلسة المستوفاة بموجب هذا الاجراء، مما ساهم بالقضاء على العجز الاقتصادي في حينه.

هذا وأملنا كبير في أن تبقى هذه المظاهرات حضارية وسلمية ومعبرة عن واقع المواطن العراقي الذي نفذ صبره وسأم الحياة الضنك في ظل وجود بعض آلسياسيين الفاسدين الذين خانوا الأمانة وغدروا وطنهم وخذلوا اهلهم"البنفسجيين" الذين أوصلوهم إلى هذا المقام ووضعوا ثقتهم فيهم، فتجاوزوا الخطوط الحمراء التي يرفضها العقل والمنطق، وأن تصرفاتهم لاتقل سوءا وخطرا لما قامت به عصابات داعش.

ولاينسى المتظاهرون أن يضعوا الحلول اللازمة لكافة المعضلات والمشاكل التي يعاني منها المجتمع ليسهلوا امر الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، ودعم الاسناد الشعبي للسيد رئيس مجلس الوزراء في مكافحة التكبيل السياسي الذي تتبناه بعض الكتل والأحزاب وبعض آلسياسيين ممن ركبوا موجة الفساد، والاستجابة لتنفيذ مطالب المتظاهرين.

وعلى الحكومة أن لاتسعى جاهدة لإطالة أمد المظاهرات ومط سقوفها الزمنية لدرجة أن يتسرب فيها الملل واليأس لنفوس المواطنين المتظاهرين، سيما وان صنف هذه المظاهرات خدمية لاسياسية، والحذر الحذر أن يسكت أو يصمت السياسيون وممن بيدهم قرار تلبية مطالب المتظاهرين عن الاستجابة لتلبية تلك المطالب، ولو أن مطالب المتظاهرين مبعثرة ومشتتة بسبب تعدد قادة المظاهرات وغيابهم عن وحدة البيان الختامي، وبسبب انحسار الأماكن المركزية المخصصة مسبقا للمتظاهرين، ففي واشنطن" على سبيل المثال، يوجد مكان مجهز أمام مبنى "الكابيتول" أو الكونجرس الأمريكي، للتظاهر وهذا المكان مجهز بعشرات الأماكن التي تحتوي على أكثر من دورة مياة، ويوجد عاملوا نظافة تابعون للدولة يقومون على أدامة نظافة هذا المكان وما يسمح به في المكان المخصص للمظاهرات لايسمح به في أي مكان آخر، وكذلك هو الحال في "لندن" وفي "جنيف" وفي جميع الدول الديمقراطية لا يسمح بالمظاهرات إلا في الأماكن المخصصة للتظاهر المتوفرة فيها جميع الخدمات الانسانية للمتظاهرين.

ختاما نحن الآن كدولة ديموقراطية بأمس الحاجة لتشريع قانون للتظاهر السلمي الحضاري الذي يجلب السياح ويبهر الاسماع في الداخل والخارج، والذي اجازه الدستور وأقره القانون والمنطق، على أن يتضمن هذا التشريع بعض النقاط التالية:
*أن لاتؤثر تلك المظاهرات على النظام العام للدولة مهما كان غرضها سياسيا أو خدميا، أو تلك التي تحمل طابع الاحتجاج كالاعتصام والاضراب والانتفاض.
*أن لاتكون سببا في اتلاف المال العام والخاص العيني والمادي مهما قل ثمنه.
*أن يختار المتظاهرون أثناء الهتاف الكلمات المهذبه المعبرة عن الفكرة الخالية من الكلمات السوقية الخادشة لحرمة الرأي العام، والخادشة لحياء الاشخاص مهما كان فعلهم لأن هذا التصرف هو مثلبة وبمثابة شتيمة وقذف يحاسب عليه القانون.
*أن لاتكون المظاهرات سببا لتعطيل الحياة، أو سد الطرق والجسور وغلق دوائر الدولة وعرقلة عمل الأسواق وأماكن العبادة والتبضع.
*أن لاتكون المظاهرات مصدرا لبث الخوف والرعب بين صفوف المواطنين وخاصة الشيوخ والنساء والأطفال والأجانب من السياح والزوار والمستثمرين.
*والنقطة الأهم أن لاتؤثر تلك المظاهرات على اداء رجال الدولة والأمن والموظفين، ومنعهم من ممارسة واجباتهم وأعمالهم، وأن لاتزعزع الاستقرار والأمن العام والسلم الأهلي.
*الابتعاد عن حمل الأسلحة والأدوات الجارحة وكل ماله علاقة بممارسة العنف والرعب والتخويف والارهاب.
*المحافظة على سيادة القانون، وعلى الاحترام المتبادل بين أجهزة الدولة والمتظاهرين.

كما ويقع على عاتق الحكومة الشق الثاني من هذا التشريع بما يلي:
*أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بتعيين هيئة مسؤولين مستقلة لمراقبة اداء الوزارات والمحافظات وجميع مؤسسات الدولة ترتبط برئاسة الوزراء تأخذ على عاتقها جمع وتوحيد شكاوى المواطنين، والعمل الجاد على حلها، وفي حال التكاسل أو التباطؤ، يجب أن يحاسب المسؤولين إبتداءا من الوزير وانتهاءا باصغر موظف.
*فرض الرقابة الصارمة على أموال الأحزاب والاشخاص ومعرفة مصادرها بشكل تفصيلي.
*ممارسة العدالة والحزم في تلبية جميع مطالب المتظاهرين المشروعة وفق القانون، وتوخي الدقة في تطبيق العدالة وفق مبدأ أن لافرق بين وزير أو عامل نظافة.
*يجب أن يتضمن قانون التظاهر تحديد أماكن خاصة للتظاهر في كافة المدن، وأن تجهز تلك الأماكن بجميع وسائل الراحة والأمان والمتطلبات الانسانية.
*على السلطات الامنية احترام المتظاهرين والعمل الحثيث على تأمين سلامتهم وعدم الاعتداء عليهم، على قدر التزامهم واحترامهم للقوانين المرعية المتعلقة بالمحافظة على سلمية التظاهر وتحضرها، واحترام المزاج العام.
*كما يلزم المسؤولين عن تلبية مطالب المتظاهرين باحترامهم وعدم الاستهانة والسخرية بهم والتقليل من شأنهم.
إذ ليس كمثل ذلك المسؤول الذي قابلهم ساخرا بأن يصلوا صلاة الإستسقاء عندما شكوا حالهم عنده بشحة الماء، أو كالوزير الذي جابههم عندما أشتكوا من انحسار الكهرباء خلال هذا الجو القائض المفعم بارتفاع درجات الحرارة بأعلى من معدلاتها، بأن يقوم المواطنون باطفاء سخانات الماء، فمثلهما كمثل الملكة-"ماري أنطوانيت ملكة فرنسا"- التي قالت لشعبها الجائع: "فليأكلوا البسكويت ماداموا لا يجدون خبزا"، عندما نقلت شكواهم إليها، ولو أنهم سكتوا -أي المسؤولين- لكان ذلك أبلغ لهم وأحسن من الكلام، وهو مصداق قول الشاعر فيهم:
إن كان يعجبك السكوت فإنه
قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوت مرة
فلقد ندمت على الكلام مرارا

يذكر أن الرئاسات الثلاث عقدت اجتماعا في قصر السلام ببغداد يوم الثلاثاء الموافق لليوم الرابع من أب 2015 لبحث ومناقشة مطالب المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجا على سوء الخدمات، وأجتمعوا واتفقوا كما هو دأبهم في كل مرة على أن لايتفقوا، فاجتماعهم هو عبارة عن مجرد اطلاق الوعود السرابية لتخدير الناس ووضع حلول ترقيعية لاتتكافأ مع حجم مأساة الشعب العراقي المظلوم الذي يعيش في ثالث أكبر دولة نفطية بالعالم بحالة العوز والفقر والحرمان، والمحروم من ابسط حقوقه الانسانية، وفي جميع الأحوال فإن وجود بعض هؤلاء في العملية السياسية هو جزء من المشكلة التي تزداد تعقيدا وتفاقما بوجودهم، ولذلك فهم لايأتون بحل ناجع، بل يأتون بمشكلة عويصة قد تقف حائلا بوجه أي حل يقترحه دولة رئيس الوزراء، فلذلك تبقى وعودهم عبارة عن كلام غير قابل للتنفيذ وبعيدا كل البعد عن الحقيقة، أو عبارة عن تجسيد حي وواقعي وتطبيق عملي للمتل العراقي القائل: "إلك حبلين بالهفتي، والك بيش"، وهو مصداق قول ووعود معظم المسؤولين الكاذبة أثناء فترة الحملات الانتخابية وأثناء قطع الوعود للمتظاهرين من خلال اللقاءات الحية أو عبر القنوات الإعلامية والصحفية؟.

هذا وقد إزاحت المرجعية الرشيدة العليا الستار عن موقفها الصريح إزاء الأحداث الجارية في العراق وعلى رأسها تنفيذ مطالب المتظاهرين من خلال خطبة الجمعة المباركة من يوم 7.8.2015 في الحرم الحسيني المقدس على لسان ممثلها السيد أحمد الصافي، والذي دعت فيه رئيس مجلس وزراء العراق السيد حيدر العبادي أن يضرب كل فاسد بيد من حديد وبدون تردد، والمضي قدما الى اتخاذ اجراء تغيرات وزاريه شاملة وحازمة لابعاد جميع الوزراء والمسؤولين الغير كفوئين والفاسدين، واجراء اصلاحات جادة لتغيير الواقع الفاسد البائس الذي يعاني منه العراقيين من قلة خدمات وفساد يضاهي في خطورته ونتائجه ماقامت به داعش، وأن يكون أكثر جرأة لانجاز الإصلاحات واصدار القرارات اللازمه لاصلاح مؤسسات الدوله وفضح السياسيين واحزابهم المعرقلة للاصلاح، انها فتوى واضحه وجلية لاسناد رئيس الحكومه في عملية الاصلاح الضرورية، فان لم يفعل فعليه أن يتحمل الوزر على ماجرى ويجري من عمليات الفساد المالي والاداري التي عصفت بالعراق ودمرته أي ما تدمير خلال السنين الأثني عشر المنصرمة، انها والله الفتوى الصريحة والفرصة الماسية المناسبة للدكتور العبادي لتخليص العراق والعراقيين من هذا المستنقع المشؤوم، فلننظر إلى ما سيفعل السيد العبادي ويبادر؟
 فإن يك صدر هذا اليوم ولى‏ ... فإن غدا لناظره قريب‏

"مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".

والحمد لله رب العالمين، وإنه سبحانة وتعالى يمهل ولا يهمل.

علي الحاج

Share |