الحل في تغيير الشخصية العراقية , وليس الرؤوساء والوزراء/حسين الشويلي

Mon, 10 Aug 2015 الساعة : 0:01

 

كشرقيين بالمفهوم الجغرافي , يفصلنا عن العالم الغربي ليس المكان فحسب بل طريقة التفكير في رد النتائج الى أسبابها الطبيعية ,
أي محاكمة الواقع وليس الوقائع _ معالجة الأمراض السياسية وغيرها وليس الأقتصار على توصيف المرض , أقتلاع جذور الفساد وليس الأكتفاء بتقليم الأغصان !
هذا مايفصلنا عن الغرب بجانب الموقع الجغرافي .

وكمتدينين حيث نؤمن بالراعي والرعية وأن صلح الراعي صلحت الرعية ودب في جسد الأمة الرخاء والدعة .
قد نقل لنا التأريخ تلك المغلوطات وصدقناه , بأن كل صلاح أو فساد لابدّ وأن يقف خلفه حاكمٌ جيد أو فاشل ! فالولاة هم من مخلوقات غريبة  تسعد أمة بكاملها أو تكون سبب في تعاستها .
وبهذا الحكم الجاهل - نجعل من الولاة كائنات خرافية تملك  قوة خارقة تهيمن وتسيطر على بلد بأكمله ؟

وكقبليين ننتمي الى قبائل وأن لم نعلن هذا الأنتماء القبلي , والزعيم القبلي ترد لشخصه وتنسب له مفاخر القبيلة ومنجزاتها وسمعتها الأجتماعية , والغريب أن فشلها ينسب الى من مارس  العمل والشيخ برئ !! فالشيخ الذي لايحمل من المؤهلات الاّ أنه أبن شيخ فهو  المسؤول عن سمو القبيلة بكل مايتعلق بها ,
فصناعة الزعماء حرفة العراقيين , لكننا لانجيد صناعة مؤسسة أجتماعية واعية بديلاً عن مؤسسة ودولة الأفراد وقبيلة الأفراد وحتى ديانة السماحات والعائلات   .

 بأختصار هذه المنظومة التي ورثناها من التأريخ ولايبدو أننا سنغادرها على المنظور القريب , ونعلن القطيعة مع هذا الموروث الموبوء الذي يلغي دور الشعب تماماً كصانع للحضارات الأنسانية . ويصادر دوره القيادي في أختيار نوع الحكم والمحافظة عليه .

نطرح سؤال - أين دور الشعب كمؤسسة أجتماعية - أعطاها الله الحق في أختيار نظامها السياسي - وعمل الأنبياء والمصلحون على طول الطريق التأريخي لترسيخ هذا المفهوم ؟
فمن الواضح أن النصوص الدينية تخاطب الشعب كقوة وحيدة ومسؤولة أزاء قضية التغيير نحو الأرقى , بيد أن الشرع جعل المسؤولية تنطلق من المجتمع لتنتهي في السلطة السياسية , التي هي شبح يمثل المجموع ويلبي تطلعاته .

ومن مفاخر الأسلام ليس فيه سلطة كهنوتية تقرر للناس مصيرهم , والخروج عليها يعد تمرداً على الله وتعاليمه ( كما تحاول أن تصوّره بعض الأحزاب والحركات الأسلامية  الآن )
فالله لم يسلب حق الناس في أختيار المصير وتعطيه الى حاكم أو حزب وأن كانا ينطلقان من منطلقات دينية .

قلنا بأن العهد الملكي كان أقطاعياً ونظاماً عميلاً متخلفاً , وطائفياً لأنه رسخ فكرة المذهب الواحد ( الحنفي ) وضيّع حقوق الآخرين .
وشجعنا ثورة 14 تموز 1958 وطربنا لها ومازلنا نشتر بمفاخرها ومنجزاتها , وتكبيرها لقرص الخبز .
قلنا بأن سلطة الأخوين عارف ( المرحلة البعثية الأولى ) كانت ضعيفة ومنكفئة وضعفها من مهد للمرحلة البعثية الثانية التي أنتهت نيسان 2003 والتي قتلت وشردت وسجنت ثلث سكان العراق الأصليين .
حيث أتخمنا أسماع الكون عن دموية البعث وديكتاتوريته المفرطة وأستحقاره للفرد العراقي .

أين كان دور الشعب من تلك السلطات والمتغيرات السياسية ؟ فموتنا وفقرنا جاء به الحاكم الذي نصطلح عليه بالمستبد الجائر , ورفاهنا وحسن حالنا جاء به حاكمٌ نصطلح عيه بالعادل .
مختصر السياسة العراقية في قرن من الزمان عاش فيه متنقلاً من ظالم,, الى آخر . الم نبدو كقطيع من العشوائيات التي لاتملك عقلاً ولا أراده  وتنتظر من يقودها ؟ ثم نثور عليه لاعنين عهده ومبشرين بعهد سياسي جديد .
( أستبشر بعض من المتظاهرين الآن برحيل المالكي ومجيئ العبادي - والآن يتظاهرون بمن أستبشروا به ) !

في الغرب الصناعي أي أنتكاسه تعتريه سواء كانت أجتماعية كـأنتشار المخدرات - وأجهاض الأجنة في العيادات الطبية - أو أقتصادية أو أمنية - يقوم الشعب بمراجعة نفسه ويطرح سؤالاً ( هل وفقنا بصناعة هذه الحكومة ؟ وأنتخاب أعظائها ) وتبدأ مؤسسات المجتمع المدني التي هي الوجه الآخر للمجتمع بمناقشة الأسباب ومن ثمّ تقديم الحلول الناجعة ويتم تطويق المشكلة ثم أنحسارها في مكان أو منطقة للقضاء عليها , تعالج عندهم المشاكل بمسؤولية شعبية واعية , ولم تتبنى شعار ( كله صوج المالكي ) !

نحن نخرج لاعنيين المسؤول السياسي مطالبين بأسقاطه ثم طرده , وكان الأحرى التظاهر لأسقاط الأرث السيئ في التفكير من رؤوسنا .
الآن لا أمن ولا خدمات ولابريق أمل يلوح في الأفق ,, علينا التخلص من كسادنا الفكري وكسلنا في خدمة الوطن بعيداً عن أستحقاقات الحزب والفئة , وترك أنتكاليتنا على الحكومة في الأمن والأقتصاد . تخرج الآلوف الآن مطالبة بالكهرباء التي - أكتفى العالم الآخر منها منذ العشرينيات ! نتظاهر ونريد أسقاط - الفهداوي - والذي يريد أسقاطه بلجنته - بهاء الأعرجي !
وأطلّ برأسه الأتحاد الديمقراطي - الممثل للعلمانية يريد أسقاط الأسلاميين كما صرّح السيد علي العلاق , وكما تبدو الأحداث أنها تدور حول من يحكم ومن يكون وزيراً ,
لابد أن نعي كل الوعي أن الشعب الذي لم يتظاهر على نفسه ويسقط أرثه وتفكيره السيئ وأنتكاليته , لاينتج حكومة ناجحة وأن أفنى العمر في التظاهر .

نحن أن بدأنا بتنظيف مدننا التي ماكان لها أن تتسخ أبتداءاً لو كنّا حضاريين , وعلينا التمسك بالبعد الأنساني المتحضر في الدوائر والأسواق والطرقات . وجعلنا أمن العراق قضية كل فرد وليس قضية الحزب وأنصاره , وتشجيع الصناعات والمنتوجات الزراعية الوطنية - لو كنّا أبتداءاً هكذا -
لخافنا - الفهداوي ومن يقف خلفه . ولم يحرمونا من الكهرباء أو غيرها ..

( قد تبدو القضية تنظيرية لكن الحقيقة أنها ليست كذالك وليست ممتنعة الحدوث بل هي ثقافة المجتمعات الآخرى , أي أنها ثقافة واقعية معاشة وعلينا أن نتعلم منها , فقد مللنا أنتاج الأنتهازيين واللصوص والدمويين , والتظاهر  لأجل أسقاط الأغصان تاركين الجذور تتعفن .
 

Share |