وداعا رمضان .. وداعا طاعاته/طالب شريف ال طاهر
Sat, 25 Jul 2015 الساعة : 3:31

لقد خطف علينا الشهر الفضيل كالبرق بكرم التوب والرحمة والمغفرة ، وبدورنا تلقيناه بشغف الاتعاظ من دروس الصبر والجلد ، فتجاذبنا مع نهاراته مناسك الصوم وشيئا من أصول الترتيل ، وسرحنا سامرين في لياليه مع خشوع القيام والتهجد والتضرع والدعاء ، فاعترى البعض شعور الزهد والتقوى وكأنه في اقرب لحظاته إلى الله تعالى ، بينما غمر البعض الآخر زهو الإحساس بالفوز في تعريج ورعه وأعماله إلى ميزان حسناته ، إجمالا انتشينا شهرا ولا كل الشهور بالمتعة الروحية الغامرة والتلذذ والاستمتاع مع الرفقة الإيمانية الصادقة .. وما هي إلا الأيام المعدودات قد مرت حتى وقفنا صاغرين عند الموعد الذي أعلن أن لحظات الشهر قد أزفت ، وان الجمع قد بكر في توديعه بعبارات التبريك .
والحقيقة ما أن تغرب شمس رمضان ويسدل ستار التبرك والتقرب سدوله على الدنيا حتى تتبخر روحية النسك ومظاهر التعبد ، فتتبدد أجواء الروحانيات وتتناقص العبادات الاستثنائية وتتلاشى معالم الورع في السلوك العام رويدا رويدا ، لتطغى القسوة بعد ذلك وتسري الممارسات الرخيصة التي تأبى دوام فعل الخير والفضيلة .. وهكذا يتلبس البعض منا فهما مغلوطا مفاده اقتران الطاعات بساعات الصوم ، وهذا ظن الذين يرون في فروض الطاعة وكأنها ثوب طقوس لابد من اتشاحه لإعلاء شأن الشهر الفضيل وحسب .
هكذا نحن معاشر المسلمين ما أن تمر المناسبات الجليلة علينا وتنفخ فينا وهج القداسة ، حتى ترانا نهرع بروح لا تخلو من الإيثار والتطوع لكل خير وبذل وعطاء وفي أوج صوره ، لكن دون أن نعرف مكامن السر الذي يجعل الطاعة لدينا مظاهر موقوتة على الزمن وموقوفة على سخونة المناسبات .
ونحن إذ نؤمن بأن المناسبات الدينية هي وقفات تجديد ولاء لله تعالى ولتعظيم رسالاته ، لابد أن نتيقن أيضا بأن كل شعيرة تمارس في المناسبات الدينية هي ليست منفصلة عن التلازم ألعبادي للفرد في الأيام الاعتيادية ، لكن ما يبدي حالة الفصل واضحة هو غياب الأثر الروحي للعبادات في الممارسات والفهم ، إذ لم تضفي النزعة الدينية روحا إيمانية وورعا قلبيا على السلوك في معظم المجتمعات الإسلامية ، من هنا نجزم بأن إفراغ السلوك العام من فحوى الرسالة يُفسر اختفاء الهوية الدينية عن الشارع الإسلامي .
عموما أن من يختزن تطبيقاته الدينية لأيام المناسبات فقط ، لم يعي فلسفة الإسلام واقعا ، ولم تتناهى له فكرة الدين كصدى بهي ودلالات سلوك مثالي لابد أن يُظهر المسلمين كأمة فضل وفضيلة .. والحقيقة إن المسلم الذي يحمل فهما فجا عن دينه لم يدر بخلده بعد أن المسلمين هم حواريو الرسالات السماوية وهم عرابو القيم والأصول ، فبلادهم مهبط الوحي وديارهم قبلة خلاص لمريدي التوبة في العالم .