فضل الله...من قال ان الحسين يموت؟/الدكتور عادل رضا

Wed, 8 Jul 2015 الساعة : 16:34

عاش السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف ببداياته قبل عودته إلى لبنان ليعيش بين الفقراء إلى يوم وفاته، حيث عاش ثنائية غريبة من حيث البيئة الحوزوية الكلاسيكية الجامدة، وانطلاقه بفضاء الحرية الفكري الساعي إلى التجدد الديني، فهو الفقيه الكلاسيكي والحداثي العصري المتنور في الوقت نفسه، فجمع الرجل ما كان يسمى ولا زال يُقدم في الإعلام العربي والعالمي التناقض ما بين الإسلام والحداثة وبين الإسلام والحياة، وبين الإسلام والعلم الحديث. إن السيد محمد حسين فضل الله خرج من هذه الثنائية المتناقضة التي كانت وما زال يتم الترويج لها في الإعلام والكتب والحوارات على مختلف أشكاله، والتي تروج وتنشر ان من هو متدين انسان خارج نطاق الحداثة، فما قام به السيد محمد حسين فضل الله وما عاشه من شعار وفكر وحركة هو أنه انطلق من اسلام حركي ليصنع النموذج الحضاري الحداثي، والمنطلق إلى فضاء التطبيق لما يؤمن به.
إذا أردنا أن نفهم حركة السيد محمد حسين فضل الله علينا أن نستوعب مبدأً رئيسياً وأساسياً وهو "إقامه العدل"، إن هاتين الكلمتين تختصران كل ما تحرك به السيد محمد حسين فضل الله طوال تاريخه الحافل، ومن هنا انطلق مشروع "الإسلام الحركي" في مقابل "الإسلام الجامد" حيث ارتكزت أساسيات الإسلام الحركي على عدة عوامل هامة، وهي تنقية التراث من الخرافة، محاربة الغلو والتصدّي للبدع والخرافات، وإسقاط الموروث الاجتماعي المخالف للإسلام الأصيل، وهذا كله يصب ويتحرك في خانة صناعة حالة موازية للإسلام الجامد.
في كل هذا كان مطلب الوعي هام وحيوي، ومن هنا نفهم دعواته المتكررة للمجتمع بأن يفكر معه، فكانت كلمته المشهورة "فكروا معي" وهي دعوة تختزن معنى وقيمة أن تعيش الأمة (الناس) معنى القيادة ودور القيادة بكل أبعادها.
من إقامه العدل عن طريق الإسلام الحركي تحقق للسيد محمد حسين فضل الله عبوره كفكر إلى باقي الأديان، لأن العدل من ناحية هو مطلب إنساني ومن ناحية أخرى كان للسيد ضمن تطبيقاته وتنفيذه للإسلام الحركي على أرض الواقع قاعدة أخرى مهمة ومحورية انطلق بها إلى كل الآخر من حوله وهي الحوار.
والحوار يكون عند السيد فضل الله بالسعي إلى الوحدة مع الاخرين ضمن ما هو مشترك، لتأسيس علاقة مع كل الاخر واعتبار أن الحوار هو صيغة لحل كل الازمات، وللحوار مع السيد أُسس وقواعد وقدم ونظّر له، وهنا الميزة والتميز، حيث انطلق الحوار ضمن أسس مهمة منها:
الجدية: فليس الحوار هو حوار الاستهلاك الإعلامي، وليس خطاب المجاملة.
إلغاء الذاتية والشخصانية في الحوار: حيث الفكر يواجه فكراً وليس الامر أن يواجه شخص شخصاً آخر.
حوار يبتعد عن الغاء المساحات المشتركة ويبدأ بما هو مشترك، إذن فالبداية تكون بالمشترك فيه وليس بالمختلف عليه، وهنا يكون الغاء العقم الجدلي في الحوارات الطائفية او الدينية الاستعراضية المثيرة.
حوار يعيش مبدأ قبول الاخر وعدم الغاءه والتعايش معه.
إذن من كل هذا انطلق السيد محمد حسين فضل الله وأسس لمرجعية فقهية شاملة كانت قادرة على الخوض بما هو ممنوع، حيث الغى الخوف من نقاش المقدسات؟ حيث لا مقدس في الحوار ف"الحقيقة بنت الحوار"، فكانت المرجعية المؤسسة البديلة عن المرجعية الفردية، وهو ما تم اعتباره كتطوير للواقع المرجعي الفقهي القديم.
أسس السيد محمد حسين فضل الله لمبادئ المرجعية المؤسسة على غرار الفاتيكان، بحيث يكون للمرجع جهاز معاون من مراكز دراسات ويعمل معه مستشارون متخصصون، ومؤسسات خدماتية تنطلق مما هو دين لتخدم الانسان، وهنا تنفيذ لمبدأ أن الدين يخدم الانسان وليس الانسان يخدم الدين.
تم توظيف المال الشرعي من أخماس وزكوات وصدقات وتبرعات في تأسيس:
واحد وثلاثين مركزاً ثقافياً
أربعة عشرة مدرسة ثانوية تخدم خمسة عشر ألف تلميذ
سبعة معاهد مهنية
أنشاء أربعة مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة واللؤلؤة الرائعة مؤسسة الهادي التي تقدم خدمات راقية مميزة لذوي الاحتياجات الخاصة.
إنشاء أربعة مراكز صحية منها مستشفى ضخم وهو مستشفى بهمن.
وأيضا تأسيس أكبر مكتبة عامة في لبنان حيث تضم أكثر من مائة ألف كتاب.
ولعل ما هو أهم في كل الموضوع هو تأسيس لدورة مال شرعي خادمة للمؤسسات، حيث التمويل الذاتي للمؤسسات، فتم أنشاء مؤسسات اقتصادية تغطي ما لم تملئه الدولة الرسمية في لبنان، وهذه المؤسسات تقدم فائضها الربحي من الأموال للمؤسسات الخدمية للمرجعية المؤسسة، وهنا تم تحقيق دائرة المال الشرعي وإنجاز الاستقلالية وصناعة نموذج واقعي حقيقي مملوس.
 ضمن حركة السيد محمد حسين فضل الله مع المرجعية المؤسسة، قدم السيد مرجعية فقهية لا تخاف من نقاش الممنوع، وأيضاً لا تنفصل عن الناس وتتواصل معهم بمختلف الوسائل والأساليب، حيث اللقاءات المباشرة، وإقامة صلاة الجمعة، والندوات الحوارية المفتوحة، والمقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحفية، وأيضا السؤال المباشر المفتوح للمرجعية، مما شكل سابقة في الأوساط الاسلامية الحوزوية حيث ان ذلك كان خلاف ما تعارفت عليه الأوساط الحوزوية الكلاسيكية.
رغم هذا كله كان السيد فضل الله يجمع بين متناقضين!! حيث ثقافة الحوزة التقليدية مضافاً إلىها مسألة التجديد الديني.
في الفقه والتجديد الديني
 عاش السيد فضل الله مسألة قراءة المقدس ورفع ما هو خرافة عنه وربط تلك القراءة للمقدس بالواقع الفردي الاجتماعي السياسي، وهو أيضا يأخذ بظروف الزمان والمكان والأهم إمكانية التطبيق.
هنا السيد فضل الله يتحرك بمسألة تطهير الفكر الديني وليس إلغائه.
من أهم الأمور بمسألة تطهير الفكر الديني
 حاكمية القرآن الكريم على الروايات الضعيفة واعتبار القران الكريم هو الأساس الأول في الاجتهاد.
ألغى السيد شرط الذكورة عن مرجعية التقليد.
 الغاء الاعلمية والدخول إلى مبدأ تعدد المراجع حيث اعتبر ان الدين او الفقه اختصاص، كما هي الهندسة الطب المحاماة اختصاصات.
اعتمد السيد قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
أفتى بطهارة كل انسان.
 تحريم العادات المبتدعة في طقوس العزاء وحرم ضرب الرأس بالسيوف والجسد بالسلاسل.
 أعاد دور صلاة الجمعة في الواقع الإسلامي الشيعي الجعفري الاثني عشري.
ربط العلم بالفتوى ومثالها حيث الرؤية العلمية للهلال وادخل علم الفلك بتحديد بدايات الشهور الهجرية.
ناقش قضايا معاصرة تتعلق بالاختصاص الطبي، حيث أعتبر أن "الطب هو المرجع للدين" ومن هو أصدر فتاوى مهمة مبنية على هذا القاعدة مثل ربط الموت بموت الدماغ ضمن نقاشاته لمسألة الموت الرحيم، وأيضا فتوى بخصوص عمل عمليات التجميل لما هو ضروري، وفتوي حلية استخدام وسائل منع الحمل.
تحريم شتم الصحابة والخلفاء أو القول بكفرهم او بخروجهم عن الإسلام بما فيهم جميع أمهات المؤمنين، وكان السباق إلى ذلك من باب الايمان وليس من باب المداراة! او التزلف او التقية!؟
السيد محمد حسين فضل الله والقرآن الكريم
ولعل من أهم الامور الدينية انطلاقه من تقديم فقه عصري قابل للتطبيق يعتمد القرآن الكريم ركناً اول للاجتهاد مما طور مسألة اختصاصه بتقديم التفسير الحركي للقرآن، حيث انتقد حرفية التفسير، فقال: "القرآن لن يفهمه فهما واعياً إلا الحركيون الذين يعيشون الإسلام حركة في الانسان والواقع"، والحركية تأتي أيضا تأتي بمعنى القدرة على التطبيق.
الغى السيد الفلسفة من التفسير، وربط الآيات بالمجتمع لحل مشاكل الانسان، ورفض كل خروج زائد عن النص، وركز الفلسفة فقط بالجانب الروحاني من تفسير القرآن حيث العرفان وعلم حب الله، هنا التفسير القرآني يعيش فكرة ان الإسلام يعبر عن حركة لواقع وانه يجيب عن تعقيدات الحياة.
في الحوار الإسلامي المسيحي
كان السيد محمد حسين فضل الله يناقش حالتين، الأولى وطنية قُطرية مع المسيحيين: حيث كان يؤمن بالتعايش، وكان يدعو المسيحيين إلى دراسة الإسلام كمشروع فكري حركي، كما هي باقي المشاريع الأخرى كالماركسية والقومية ...الخ،  ووضع السيد محمد حسين فضل الله مسألة دولة الانسان كحالة وسط ما بين الدولتين الاستبدادية الديكتاتورية ودولة الإسلام كمشروع نظري؟
الحالة الثانية مع الحوار الإسلامي المسيحي هي الحالة اللاهوتية إذا صح التعبير حيث اعتبر المسيحيين موحدين بالخط العام ضمن فلسفة خاصة بهم؟
الخطاب الإسلامي العام
قدم السيد محمد حسين فضل الله مصطلحات خاصة ضمن خطابه الإسلامي:
الإسلام الحركي، الحالة الإسلامية، الواقع والانطلاق والانفتاح... الخ
 من مصطلحات ميزت الخطاب الذي قدمه، وكان ذلك من باب تمييز الإسلام كحالة أيديولوجية منفصلة مميزة، فكما للماركسيين والقوميين مصطلحاتهم فللإسلاميين مصطلحاتهم. أيضاً
وكذلك ضمن الخطاب الإسلامي المعاصر الذي قدمه السيد محمد حسين فضل الله ركز على بشرية الفكر الإسلامي وعلى أن كل فكر يمثل حقيقة بمقدار اقتناع الفرد به.
الغى السيد محمد حسين فضل الله عبودية الإنسان للأشخاص والغى عبودية القيادة إذا صح التعبير وتحرك بمسألة نقد القيادات الإسلامية والغى ربط النقد بالعداوة الشخصية.
العلاقة مع الغرب
كان السيد محمد حسين فضل الله يريد إعادة تقديم الجانب الحضاري والإصلاح الاجتماعي ليكون الفرد والمجتمع والمؤسسة حالة حضارية النموذج للآخر.
وكان السيد محمد حسين فضل الله منفتحاً على كل الشعوب ويعيش التفريق بين نظام سياسي غربي، وبين ما هو شعوب غربية، واعتبر الغرب مجال لحركة الإسلام وليس موقع للتصادم.
في ذكرى السيد محمد حسين فضل الله المتجددة كانت هذه إحدى الاضاءات عليه كمشروع نظري وحركة على ارض التطبيق.
*كاتب وطبيب كويتي

Share |