متجول في ازقتنا/محمد الشذر

Wed, 8 Jul 2015 الساعة : 16:25

حين تبدأ الشمس بالرحيل،لتعانق أحضان الغروب، يبدأ الصمت سريعا ليخيم على أزقتنا، صمت ليس في شؤون حياة الإنسان فقط، بل راحت تسكن معه أصوات البلابل والطيور، وكأنها تنتظر معزوفةٍ لتُطرب مسامعها، فتترقب ألآت!.

تبدأ الغزالة في النزول لترسم أجمل لوحات الكمال، متكسرة بالخطوط الحمراء والزرقاء، فتشد بصر الناظرين، لتنم عن مبدع فنان، قادر متعال، يحرك الألوان، فيُعجز الأذهان.

صمت لا يدوم طويلا، فتليه فرحتين، الأولى ذكرٌ للصانع القدير، إذ تدأب النفوس بلقاء بشير، والثانيةُ لإفطار منير، فما هي إلا دقائق رحمة، يجتمع فيها الأحبة والأخلاء، على مائدة الخير والعطاء، يظللهم بالرحمة والسناء، ويحفظهم بالخير رب السماء.

تجد الابتسامة ممزوجةُ بالإيمان، ومعطرةً بذكر الرحمن، وتجاذب أطراف حديث بروعة وإحسان، متأثرا بما يبدأ يتعالى من أصوات محاجر الجمال، من مآذن بيوت الرحمن، فالافتتاح ليس بروعة المنشدين، وأصواتهم، وما يستغيث به المؤمنين في صلاتهم، بل هو التوجه لرب الوجود، وما يتبعه من وقع السجود، وبعد الإفطار لربها تحتشد الحشود.

سريعا وينتهي الصمت، فترى الأنوار في أزقة مدينتي، تُتّرجم ما يدور حين قدوم الضيف الكريم، بعد التهليل به بود حميم، فتخبرنا بامتزاج الكلام والابتسام، مع صوت ضرب الملعقة في قدح الشاي، ليخبرنا بقصة التواصل الاجتماعي الودود.

حين تسير في أزقتنا مساءا، ستشاهد البعض ممن غير جدول أعماله ليلا، فترى العامل راح يطرز بيديه أعماله على ضوء القناديل، وترى جدتي تجمع الأحفاد، لتلقي عليهم أساطير السنين، وتعظهم بالأخلاق والآداب بفرح؟ وأخرى أنين.

سر بأزقتنا وأجلس بمجاميع الشباب، واستمع إلى ما يتلوه شغفهم، قف عند آبائنا وخذ العبرة من شظفهم، ادخل مجالسهم واستمتع برفقتهم، فترى انحناء الدلة إلى الفنجان، يضرب لنا مثلا في التواضع والصمود، فرغم حجم "الكمكم" إلا انه ينحني لفنجانه!؟ ورغم كهولة الشيخ إلا انه ينصت لصغارنا قبل أَقرانه، ويعلمنا على النظام من أدبه وإحسانه.

أزقتنا تمتلئ بالمارة، الذين طرزوا وجوههم بالبشاشة، وراحوا لتحية الإسلام معلنين، ولجمال أسلوب اللقاء مفصحين.

قل لوقتك الوقوف، بأمل شغوف، ليرى كيف يمسك الزوج زوجته، ويعانق الأب صبيته، قرب بائع الحلوى، اشر لعقرب الساعة بالتواصل، كما واصل الأخ مسيره مع أخته، والتقط أنفاسك قرب من انحنى ليقبل يد أمه، واخبر به الأيام لتعظم سره.

إن كان في مدينتنا شر، فتطغي عليه آيات الصلاح، وان كان فيها حقد، فتغلق أبوابه ويطغى الوئام، فكل شيء في أزقتنا يتغير بقدوم الشهر الفضيل، رغبة بالثواب الجزيل.

Share |