تفسير الآية ال[ 159 ] من سورة آل عمران/مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكردستانية
Wed, 1 Jul 2015 الساعة : 1:30

نص الآية :
{ فبما رحمة من الله نِلْتَ لهم ؛ ولو كنتَ فظَّاً غليظ القلب لآنفضُّوا من حولك ، فآعف عنهم ، وآستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمتَ فتوكل على الله ، إن الله يحب المتوكلين }
التفسير : خطاب الآية الرباني الحكيم ، كما هو واضح في هذه الآية لنبيه محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - ، حيث يخاطبه سبحانه ؛ لأجل الرحمة التي أودعها هو عزوجل في قلب رسوله ونبيه الصادق الأمين محمد فقد كان رفيقا هينا ليِّن الجانب مع أصحابه وأتباعه , مع إن بعضا منهم قد خالف أمره ، أو قد عصوه في بعض الأمور .
ثم يستمر الخطاب الرباني لمحمد ليقول بأنه لو كان النبي محمد خشن الطباع سلبي التعامل مع أصحابه وأتباعه ، أو إنه عاملهم بالفظاظة والغلظة والجفاء ، أو على أساس التعالي منه عليهم ، وهذا حاشاه بطبيعة الحال لنفروا منه ، ولتفرَّقوا وآنفضوا عنه ، ولتركوه . لكن رسولله محمد – عليه الصلاة والسلام – وسعهم جميعا بقلبه الطيب الطاهر الواسع الرحيم ، إنه وسعهم بخلقه الحميدة ، بسلوكياته النبيلة ، بتعامله الرفيع والراقي معهم ، إنه وسعهم جميعا بنبل سجاياه العالية وشيمه الطيبة .
بعدها يرشد الله جل في علاه نبيه الحبيب محمدا بالصفح والعفو والتجاوز عمن صدر منهم من خطإ ، مثلما عفا هو سبحانه عنهم ، مع طلب الغفران والمغفرة لهم منه عزوجل . وذلك آستكمالا لحسن البِرِّ بهم ، وآستكمالا للشفقة عليهم ، ثم بالإضافة عليه ، أي على رسول الله المصطفى محمد أن يُشاورهم أيضا في أمور الدنيا وقضاياها على الصعد الاجتماعية ، السياسية ، العسكرية وغيرها من القضايا التي تتعلق بدنيا الناس ومعايشهم ومصالحهم ، لأجل أن تكون هذه المشورة النبوية له لأتباعه وأصحابه إقتداءا وقدوة للمسلمين له من بعده . أما اذا صمم رسول الله على أمر بعد الشورى عليه المضي في تصميمه بعد التوكل على الله تعالى ، حيث هو سبحانه يحب المتوكلين عليه في أمورهم .
لمسنا في الآية الكريمة الحكيمة المتلوة ورأينا فيها جملة من الأمور والمسائل الهامة ، هي :
1-/ تأكيد الخطاب الرباني على ما كان عليه رسول الله محمد – عليه وآله أفضل الصلوات والتسليمات – من الرحمة تجاه أصحابه وأتباعه من المؤمنين . لهذا ينبغي أن يكون القائد والرئيس لبلد ومجتمع ما أن يكون رحيما بهم ، مراعيا أحوالهم وظروفهم ، متجاوزا عن الأخطاء والهنات التي قد تصدر من البعض .
2-/ ضرورة إبتعاد القائد عن القسوة والفظاظة والخشونة نحو المجتمع الذي يقوده ، فهو بالتالي مستأمن عليهم ، وهو خادمهم ، وأكثرهم مسؤولية . جاء في الحديث النبوي الشريف : { سيِّد القوم خادمهم } ! . هنا الخدمة القيادية للقائد تقتضي بالضرورة عدم الإستعلاء على مجتمعه والإخلاص له ولبلده ، وأن يكون راعيا أمينا ورئيسا مخلصا ومتواضعا حيال البلد والشعب والمسؤوليات المنوطة به والمكلفة بها .
3-/ العفو والصفح والتجاوز ، هو من صفات القائد الأمين الصادق والمخلص مع شعبه وبلده ، إذ ليس قائدا أمينا ولامخلصا من يقوم بجعل البلد معتقلا ، أو سجنا كبيرا لمواطنيه ، وذلك عبر أجهزة الشرطة والشرطة السرية والأمن والمخابرات وغيرها ...
عليه ينبغي أن يشعر المواطن بالأمان الكامل ، كل الأمان من حاكمه وحكمه وحكومته ، من الجيش وسائر الأجهزة الحكومية ، وأن يكون له الشجاعة في النقد والإعتراض ، أو إبداء الرأي والنصيحة لأعلى سلطة في البلد ، وذلك دون خوف ووجل من الأمن والإستخبارات والشرطة .. هكذا يكون الحكم والحاكم والحكومة خادم وخادمة مخلصة لشعبهم وبلدهم وحاضرهم ومستقبلهم .
4-/ علاوة على ضرورة تمتع الحاكم بالعفو وآنشراح الصدر والتجاوز عن الأخطاء في المجتمع ، عليه أن يستغفر من الله تعالى للمخطئين والمسيئين اذا ما أخطأوا .
5-/ ثم المسألة المهمة الأخرى ، هي ضرورة مشورة القائد بالشعب ، وبالمؤسسات الحكومية في البلد ، بخاصة في القضايا المصيرية والهامة التي تخص مصائر المجتمع وبلده ، وأن يحاول الإستماع اليهم ، والى آرائهم وآعتراضاتهم وآنتقاداتهم وأخذها على محمل الجد والاعتبار , والشورى هنا في الحكم ، هي شورى ملزمة وإلزامية بالنسبة للحاكم ...
هنا اذا نظرنا الى جماعات العنف الدينية المنسوبة على الاسلام والمسلمين وقمنا بمقارنة بهم وبأفعالهم ، مع ماورد من الآية الكريمة وسلوكيات رسول الله محمد – ص – وتفسير الآية يتضح لنا مدى المفارقة الواسعة جدا ، ومدى التناقض الفج لتلكم الجماعات العنفية الدينية – الخوارجية مع المنهج الاسلامي ، بل يتضح لنا بكل وضوح إن تلكم الجماعات ، هي جماعات عنفية متطرفة ظالمة وطغيانية وعدوانية وخوارجية بكل ما للكلمة من معنى ومغزى ، ثم يدل بكل وضوح على مدى جهلهم بالاسلام وتعاليمه القائمة على الرحمة والتراحم والانسانية والتسامح والعدل والاعتدال والمرونة والرفق والضبط والإنضباط ، مع شجبها وتحريمها جميع الأفعال التي تخش وتسيء الى سمعتها ، أو أن تتناقض معها ، أي التعاليم والأحكام الاسلامية