الانفكاك وعدم الانفكاك بين النظام والمشروع السياسي/عصام الطائي

Wed, 17 Jun 2015 الساعة : 0:03

من المعلوم ان الاحكام متعلقة بالمصالح والمفاسد فتشخيص الله تعالى للمصالح والمفاسد تمثل اعلى مراحل الانكشاف باعتبار دائرة الكشف من قبل الله تعالى اوسع من العقل لذلك لا يشعر المسلم في كثير من هذه القضايا بالحرج بل يتطلب منه التسليم والخضوع والطاعة لله تعالى ويمثل الانبياء اعلى مراحل الطاعة لذلك كان التسديد والنصرة والتوفيق الالهي يمثل درجة عليا فنجد الرسول الاكرم في صلحه مع المشركين يمثل اعلى مراحل التسليم لان الرسول يعلم ان هذا الصلح فيه مصلحة للاسلام والمسلمين بينما قد نجد البعض من المسلمين قد شكك في عملية الصلح حيث يعتبرون انه لا يجوز الصلح مع المشركين فلا يوجد انفكاك بين كونهم مشركين والصلح بل لا بد من الحرب الدائمة معهم حسب زعمهم وهذا يدل على ضعف الايمان وعدم التسليم الكامل وضعف في النضج السياسي لعدم المعرفة بالمصالح والمفاسد.

وهكذا يمكن لاي نظام سياسي ان يحصل الانفكاك بين كون النظام استبدايا وبين مشروعه السياسي فاذا كانت توجد مصلحة عقلائية يمكن التعامل مع النظام وعدم اسقاطه لان المفسدة حسب رأي العقلاء واهل الخبرة قد تكون اكبر في اسقاطه بل يمكن اجباره من خلال الضغط عليه في تغيير جملة من سلوكياته بالوسائل وفي التجربة السورية كان استخدام العنف خطأ كبيرا حيث احترق الاخضر واليابس وذلك بسبب الاجندة الخارجية التي كانت تريد ان تضعف سوريا وتتخلص من اعداد هائلة من المتطرفين وتضعفهم خصوصا في تصفيت المتطرفين الذين قدموا من اوربا واذا بقى خطر المتطرفين يمكن ان ينصب لهم كمين اخر في دولة اخرى للقضاء عليهم ويمكن ان يحصل عدم الانفكاك اذا كانت المفسدة اكبر في بقاء النظام كما في الانظمة كنظام القذافي وبن علي وحسني مبارك لان الخلل في الانظمة ومشاريعهم السياسية فكان يستوجب القضاء على الانظمة الفاسدة ومشاريعهم السياسية الفاسدة.

واصعب مشكلة تواجه الاشخاص هو في تشخيص دائرة المصالح والمفاسد في كثير من القضايا بالاخص قضايا الحرب والسلم فمع الوعي يمكن ان يكون الموقف ناضجا فنجد في العراق قد وقف العراقيون مع العثمانين ضد الاستعمار البريطاني في ذلك الوقت بالرغم ما سببه الاتراك من اضرار للمجتمعات الاسلامية وذلك لانه وجدالعراقين في ذلك الوقت ان الوقوف مع الاترك فيها مصلحة للمجتمع والوقوف مع المستعمر الغربي فيه مفسدة وكثير ما تختلف وسائل التعامل في كثير من القضايا بسبب الاختلاف في تشخيص دائرة المصالح والمفاسد وهذه لها علاقة بالوعي والنضج السياسي والعقائدي لاي اتجاه عقائدي او سياسي ومن المعلوم ان الرؤية في الاصلاح الاجتماعي والسياسي تختلف بين جهة واخرى تبع ما تملك أي جهة من وعي اوعدم وعي وكانت تجربة غزو المغول افضل دليل على ذلك فقد وجد الشيخ الطوسي الضعف من قبل الحكام وحتمية دخول المغول بغداد فكان الاسلوب الامثل هو احتواء المغول وفعلا قد استطاع الشيخ الطوسي احتواء المغول وتغيير حتى عقائدهم الوثنية اما الغير قد اعترض لعدم معرفته بالمصالح والمفاسد بصورة واقعية ودائما الشخص الواقعي العاقل هو الذي يتفهم الواقع ويتعامل حسب مقتضى الواقع.

وفي التاريخ الاسلامي توجد جملة من التجارب التاريخية في اسلوب التعامل مع أي نظام وعلاقته بمشروعة السياسي ففي زمن الامام الحسين ع وجد الامام الحسين ع مفسدة في التعامل مع يزيد فهنا لا يوجد انفكاك بين النظام ومشروعه السياسي لان الامام الحسين وجد مفسدة في الاعتراف بمشروعية يزيد لان شخصيته فيها مفاسد كثيرة ولا يمكن باي حال من الاحوال ان يكون الخلفية وهناك اختلاف كذلك مع مشروعه السياسي لان مشروعه فيه انحراف كبير عن قيم ومبادى الاسلام بينما في زمن الامام علي ع في تعامله مع الخلفاء حصل انفكاك بين النظام والمشروع السياسي فان كان الامام ع يختلف مع الاشخاص في طبيعة مشروعهم السياسي الا ان الامام ع وجد مصلحة الاسلام والمسلمين تقتضي تسديديهم والمشاركة معهم بالرغم الاختلاف معهم.

وفي زمنا الحالي نجد كثير من التجارب بحيث يصعب على البعض معرفة المصالح والمفاسد بصورة دقيقة وفي التاريخ الاسلامي نجد حصول ارتداد لبعض الشخصيات لانهم لم يتفهموا النصوص الشرعية فقد ارتد احد كبار العلماء لان وجد روايات الائمة عليهم السلام في جملة من القضايا تختلف بين امام واخر ولكن لو تفهم مبادى علم الاصول بصورة دقيقة لكان بامكانه ان يوفق بين كثير من النصوص بالاضافة الى ان طبيعة فهم النصوص الشرعية لها الاثر البالغ في المواقف فلو اقتصر على الفهم الحرفي للنصوص بدون الاعتماد على الفهم العرفي سوف يقع أي فقيه في شطحات كثيرة لذلك نجد كثير من الشطحات الفقهية للفكر السلفي لان اساس اعتمادهم يعود الى الفهم الحرفي للنصوص ووصلت الحالة بصدور فتاوى قد يصطدم أي شخص عاقل بمجرد سماعها .

وهناك مسالة مهمة قد طرحها الشيخ حسن الجواهري في المؤتمرالذي انعقد في كربلاء قبل فترة فهو قد بين انه لا بد من كل تكتل ان يكون ولاءه الى المرجعية الدينية بالدرجة الاولى لا ان يتحول الولاء الى ولاءات شخصية حيث تنفك عن المرجعية ومع الانفكاك عن خط المرجعية يؤدي الى ظهور المفاسد وهذه مشكلة واقعية حيث نسمع بين اونه واخرى ظهور بعض من الشخصيات او التكتلات تطرح فكرا معينا بالاخص ما يتعلق بقضية الامام مهدي المنتظر ع كأن تدعي انها الامام المهدي ع او تمثل توجها معينا متطرفا فتحاول ان تجعل من توجه الناس ينصب بالدرجة الاولى اليها فتكون بدليل للمرجعية بل قد تصل في بعض الاحيان الى محاربة المرجعية الدينية .

وان مشكلة بعض الاشحاص ممن لا يحملون ثقافة عميقة تكون اسسهم الفكرية ضعيفة جدا فيحاولون ان يعلو من شأنهم مما يسبب اعاقة الحركة التكاملية للامة لانه يشتتون طاقات الامة في توجهات قد لا تخدم الامة في كثير من الاحيان فقد تجد لافتات مكتوبة عليها الحوزة العلمية للمرجع الديني فلان ابن فلان علما وان مثل هذا الشخص او غيره لا تجد له أي وزنا علميا في واقعه وهذا اشبه بالشيخ احمد الاحسائي فهو يملك خزين علمي وله مؤلفات كثيرة الا اننا نجد ان هناك كثير من الشطحات في افكاره وتصوراته واراءه وهكذا نجد البعض من هؤلاء يتصور انه اصبح عالما كبيرا اذا ما صدر له مجموعة من الكتب علما لو اطلعنا على كثير منها ليس فيها أي قيمة علمية تذكر بينما في المقابل هناك توجهات تتمسك بالولاء الى المرجعية الدينية فلها مواقف رائعة ونحن بغض النظر على مستوى المرجعيات الدينية ومدى النضج السياسي التي تملكه ولمعرفتها بالمفاسد والمصالح الا ان الواقع ثبت ان التجربة الشيعة استطاعت ان تحتوي بصورة واخرى الامة ولو بصور متفاوتة ولا تجعل الامة مشتتة كما في الغير فنجد في الجانب الاخر ان هناك حصلت انحرافات كبرى في بعض التوجهات الاسلامية بالاخص الفكر التكفيري المتطرف الذي سبب نكسات كبرى للمجتمعات الاسلامية حتى ان هناك كان جهدا واسعا قد قام به مجموعة كبيرة من العلماء عبر زمن ليس بقليل قد تبدد نتيجة سلوكيات هؤلاء ولو كان هناك مسار صحيح لكان الاسلام والمسلمين بالف خيروالمثال على ذلك تجربة الاخوان في مصر فقد تبدد كثير ما قدموه نتيجة ضعف التعامل مع الواقع.
عصام الطائي

Share |