الربيع الملتحي-محمد الكاظم

Tue, 27 Sep 2011 الساعة : 10:08

ليس عنوان رواية فانتازية بل هو اسهل توصيف يمكن الركون اليه للاقتراب من نبض الثورات العربية ومآلاتها التي بدأت في طور التشكل الآن،
 فهناك حركات وتيارات اسلاموية قد تتحول الى حكومات حقيقية في اغلب البلدان التي تعيش ضاهرة الربيع العربي .فأخوان مصر يستعدون للنزول بثقلهم الى الانتخابات وبدأت قياداتهم  بالحديث عن نسبة 70 في المئة من مقاعد مجلس الشعب ، وليبيا حسمت خيارها للمجلس الانتقالي القريب من الاخوان المسلمين، وحركة النهضة الإسلامية التونسية تستعد لأخذ مساحة كبيرة من كعكة السلطة.
كذلك الامر في اليمن وسوريا الذين لازال الثوار فيهما يتعلمون شيئا فشيئا إرسال الاشارات المناسبة الصحيحة التي يمكن قبولها غربيا والتعاطي معها وبالتالي دعمها.
ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية"الاسلامي" اصبح يتنقل بين العواصم الثائرة كعراب للربيع العربي مبشرا بأن الاسلام والديمقراطية لايتعارضان.
هذا الحضور الاسلاموي القوي على خارطة الثورات عائد لعوامل تاريخية متعلقة بطبيعة الصراع على السلطة بين الحركيين الاسلامويين وبين العسكر الذي كان مهيمنا على مقاليد الامور في المنطقة العربية عقب المرحلة الناصرية، التي صبغت العالم العربي باللون الخاكي ووسمته بعشرات النياشين واناشيد المعركة لاكثر من نصف قرن، مضيقة على التيارات الاسلامية وغير الاسلامية
كما ان تسيد تيارات الاسلام السياسي المتوقع يأتي نتاجا لمرحلة اليأس العربي من حصول اصلاحات حقيقية يمكن ان يسمح بها الجنرالات، وايضا كنتاج للاستثمار الغربي في الحركات الاسلاموية  المتطرفة تاره بدعمها لتحارب الشيوعية او لتحارب حكوماتها او لتحارب بعضها البعض، وتاره اخرى بمحاربتها تحت طائلة قوانين محاربة الارهاب.
ومادامت العسكرتاريا التي كانت آيلة للسقوط منذ عقود قد انهارت في النهاية هذا الانهيار المدوي بعوامل ذاتية وخارجية  فلابد من بديل يكمل المشوار ويحقق تطلعات الشعوب الى التغيير ويحفظ بنفس الوقت مصالح الغرب وفق نفس المعادلة التي كانت سائدة في مرحلة مابعد الظاهرة الاستعمارية التي وظفت العسكر لمصلحتها كبديل للكولونيالية المتطرفه .
 فليس جديدا القول ان الغرب افاد كثيرا من حماقات العسكر،  كما سيستفيد ايضا من حماقات المتشددين اذا مااستمروا بتشددهم، وسيستفيد من حماقات الليبراليين ايضا الذين سيصاب الكثير منهم بالاحباط عندما يرون إن الغرب الذين كانوا يعتقدونه جمعية خيرية لتوزيع الديمقراطية سيغض الطرف عن تولي الاسلامويين مقاليد السلطة .
ففي المنطق الرأسمالي البسيط تبرز امامنا معادلة بسيطة تبدأ بسؤال مثل لماذا يدعم الغرب الليبراليين ليتولوا السلطة مادام هؤلاء في النهاية سيواجهون اسلاميين يستطيعون تحريك الشارع والتأثير بعواطفه ومزاجه والحصول على اصواته . ليجعلوا من الليبراليين مجرد اقلية غير فاعلة  لاتجيد غير الثرثرة على الانترنت والفضائيات والصحف، ثم ان القوى المتشدده بدأت تفهم اللعبة الدائرة وتستطيع ان تبيع الماء والديمقراطية في حارة سقائي الليبرالية ، مادامت الديمقراطية هي التي ستمكنهم من الوصول الى السلطة لتريحهم من عقود من الصراع مع العسكر ساهمت في استنزاف قوة الاسلاميين وصبرهم بعد امتلاء السجون بقياداتهم منذ اكثر من نصف قرن في مختلف البلدان العربية ،
واذا ماوضعنا التوجه العالمي للحرب على الارهاب والشعور بعدائية العالم لكل ماهو اسلامي في حساباتنا ، لم يعد امام قادة الحركات الاسلامية في العالم العربي من سلفيين واخوان وجماعات اسلامية وغيرهم غير الانسجام مع منطق الاعتدال الذي لايحتاج الغرب اكثر منه .في مرحلة الاعداد للحروب القادمة التي سيكون سلاحها النفط والارقام ، لا القذائف والايديولوجيات والشعارات.
الفرصة لظهور دول مدنية كما يتخيلها الليبراليون المعاصرون باتت اكثر محدودية في ظل المناخ العربي الحالي ، وفي ظل الازمات الاقتصادية الدولية والمنافسة التجارية العالمية التي تحتاج الى المزيد من التحكم بتدفقات النفط ، وفي نفس الوقت هناك فرصة لظهور تيار محافظ معتدل يمكن التعامل معه وفق شروط اللعبة الديمقراطية .
ثم مالذي يمتاز به دعاة الليبرالية عن خصومهم دعاة الحاكمية غير بعض الكلام المنمق عن الممارسة الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان ؟. من الطبيعي ازاء اغراء السلطة وتطور الفكر السياسي ان يضع الاسلامويون الشورى وسيد قطب وعبدالله عزام والظواهري والسلفية الجهادية على الرف ويرتدوا ثياب العيد الديمقراطي وينفروا خفافا وثقالا الى صناديق الاقتراع  وسط قبول غربي للمنهجية الأردوغانية التي يجري التبشير بها حاليا كوصفة لإسلام يمكن التعامل معه غربيا ، وقبول عربي لها بعد ان حققت هذه المنهجية للعالم العربي نقطتين مهمتين يحتاجهما العقل العربي للتحول، اولهما السابقة التاريخية المتمثلة في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي مايطرح امكانية ان تدير الحركات الراديكالية الحكم في المنطقة العربية ان تخلت عن جزء من تشنجها ، ويمكنها ان تنجح ايضا، والثانية هي كاريزمية ارودغان التي تتناغم مع ميل الانسان العربي المسحوق الى البحث عن البطل المنقذ الرمز.
فيما اضاف المختبر العراقي نقطة ثالثة احتاج اليها العرب وهي معرفة اسوء مايمكن ان تصل اليه الامور. لذلك تحرك مد الربيع العربي في ظل قناعة تجسدت في ان المخاطر المحتملة قابلة للتعامل معها وهي تحت السيطرة ، فالعراق مازال دولة واقفة على قدميها رغم كل شي وهو يحقق خطوات جيدة نسبيا على طريق الديمقراطية والتعايش والتفاعل مع حاجات العالم. خصوصا ان مناطق التوتر التي تتسبب بها الجغرافيا والديموغرافيا في البلدان العربية اخف وطئة منها في العراق .
الغربيون ايضا يمكن ان يتقبلوا فكرة استبدال البدلة العسكرية بدشداشة قصيرة  شريطة ان لاتكون قصيرة جدا، ويمكنهم قبول استبدال النياشين والأوسمة بعمامة او طربوش او لحية مشذبة صغيرة على طريقة مصطفى عبد الجليل اذا ما ألتزم سلفيو الثورات بالاعتدال اللازم لتمرير المرحلة. فذهاب التيار السلفي الى صناديق الاقتراع او حتى الى القصر الجمهوري أهون على الغرب من ذهابهم الى تورا بورا للاعداد لغزوة جديدة. او زعزعة الاوضاع في مخزن العالم النفطي . مع الحرص على حظور قوي للتيار الليبرالي من اجل حفظ التوازن .
التخوف الوحيد الذي يواجه الثورات العربية هو من احتمالات تأثير المال الايديولوجي القادم من دول النفط على مسار الثورات وافكارها ماقد يوقعها في فخ الفوضى ، او التحول الى جمهوريات موز.
السؤال الأهم بالنسبة لي في كل ذلك .ما الذي تم اعداده عراقيا للتعاطي مع سيناريو الربيع الملتحي .؟
هل سينقسم العراقيون إزاءه طائفيا . ام يتعاطون معه وفق ماتقتضيه مصلحة الوطن والمواطن .
هل يكون عاملا اضافيا يعزز الانقسام في وجهات النظر، ام سيجري كالعادة توظيفه سياسيا واستغلاله لتسجيل نقاط ضد الخصوم .

Share |