انتفاضة شعبان ..... ربيع الثورات الحره .... ج 1...ج2/محمد علي مزهر شعبان

Tue, 9 Jun 2015 الساعة : 13:41

إلى تلكم الأرواح الممتلئة بالكمال في أروع مظاهره، وأنقى صفاته. صلواتنا الحارة المتصاعدة من معبد الحياة إلى من اكتملت فيهم معانيها، وسمو فيها مبلغ الصالحين، إلى شهداء الانتفاضة الشعبانية، اللذين سقطوا في سوح الوطن وانتفضوا على الطاغية، إلى تلكم الأرواح المتحدة بالحقيقة المطلقة لأسباب الخلق والوجود، والأصول القائمة في مواطن العطاء والخير.
إلى الشعبانيين اللذين امتدوا بأركان وأسباب وجودنا الفكري والروحي والجمالي، أنكم اتصال النهر بالينبوع، ونبتّ الأرض بماء السماء، هذه ذاكرتي وريقات مدماة، يقطر منها الأسى والدم والدموع، آملاً أن تجففها رياح الأمل، وانتظار اليوم المأمول في الخلاص. ليكن إعجابنا بسادة البسالة ورمز الرجولة ممن وقع مسجى على أرض العراق، وممن بقى يحمل السلاح إلى الرمق الأخير، إذا حددت المقاسات للرجولة، ونوطت الأوسمة على الصدور، وازدحمت الكلمات في قاموس العظمة والشرف، وما حملت الرؤوس من أفكار العزة والكبرياء، وما تباهى امرؤ برجولته وايثاره، والنضال بجوده وعطائه، والنبع من مشاربه، فلنعتز ونفتخر بأولئك الرجال .
صراع خفي
الحياة الكريمة لابد أن تفتح أبوابها لأولئك اللذين صبروا وصابروا وهم لم يملكوا من حطام الدنيا المملوكة للطغاة ، غير الموت في ميادينه المتعددة، وعلى رمضاء ساحاته، ومن تعداه الموت تابعته صحبة الاعتقال والأتهام، ورغم القسط الكبير من عذابات الناس وأستلابها فأنهم ، لم ينالوا إلا اليسير من الحركة في أن يدبوا كبهائم سائرة مأمورة تحمل أزمة نفسها وغضب القرون السالفات، وألمها وتعسفها من تسلط ما بدأه أمراء المؤمنين وتبعهم السلاطين والمندوبين السماويين، مجمل ما حملته القرون من تهميش وتعذيب واستلاب، ولو قدر أن توزن هذه العذابات كلها في كفة، فأنها لا تزحزح كفة حكم الطاغية.
ان الغاية في الخلاص شيء مريع من القدرة في الوصول إليه سواء بالإمكانات البسيطة الجرداء أو المعقدة النافذة، ومهما أختلفت الوسائل سواء على الطريقة السوية في التفكير أو الطريقة الميكيافيلية، الشريفة منها والدنيئة.
 غاية التخلص من الطاغية والتحلق بأجواء جديدة ربما تزيل هذا الثقل الهائل، وتكتسح هذا المارد حتى لو بأيدي عارية . هذه غاية حاولت رغم عريها وسهولة كشفها وبساطة وسيلتها، قابلتها غاية من يريد البقاء مدنا معصوفة بالحزن واليباب، يقبض زمامها الة السطوة والجبروت بتينيك اليدين الملطختين بالدماء دوماً والنفس المسكونة بالهوس والمجبولة بداء العظمة.
ارادتان متنافرتان, أولهما تنشد الحياة الكريمة لتطل على المستقبل الحر وتكافح من أجل الخلاص، وإرادة قصادها ترتكز على مبدأ متهور ونظرة فردية مستبدة، تصطدم حدٌ النقطة مع الإرادة الأخرى.
إرادتان مختلفتا التوازن بين شعب برمته وفرد وأسرته، تتنازعان من أجل غاية، كلتاهما تنشد البقاء ونتيجة الصراع معروفة المفاد ومحسومة الرجحان.
شعب أنبثق الماضي والحاضر أمامه بسجله الدموي، إلتقى الأمس القريب بالبعيد، صفحة تاريخ قاني , لقد ذابت الحدود والتواريخ والأسماء في مجرى الدم والمحرقة التي تلفع بها الملايين.
في هذا الجو المريع ولدت اللحظة التي أسست توقف مجرى زمن الإذلال ، زمن إزدحمت فيه صور المأساة , ولو تركنا تاريخ الاغتصاب المتعمد ومصادرة الحريات منذ العام(1921) لمجيء البعثيين في(1968) بأستثناء سنوات قاسم . لو ترك الناس ورائهم نهر الدماء في معركة إيران، والتي لم تزل بصماتها الحمراء بين جثث طٌحنت فذرتها الرياح وجيفاً أزهقت الضواري والأسماك شبعاً، لم تزل بصماتها السوداء بيارغ وأعلام ولافتات تسجل تاريخ الموت والموقعة، إنها النهاية المأساوية لمن رحلوا فلم يأتوا أبداً، ومن رحلوا ولكن أين همَ لا أحد يعلم ؟
لازالت اللافتات تسجل نكبة شعب لحد هذه اللحظة الراهنة في إنتظار، وانتظار ولدً السام واليأس. كل عائلة تعلقت أذهانها بالأحلام ، والحلم غذاء شهي لبعض الناس التي استكانت للصبر ولهم في الصبر ذخيرة لا تنفذ.
أمل عند البعض حين يفتر فاه عن أبتسامة مشوبة بالقلق لسماع خبراً ولو من صنع الأحلام ، إذ لا حول ولا قدرة في أستلام الخبر الأكيد، لمن يأتي بخبر الأحبة اللذين رحلوا ولم يأتوا البتة.
ناس تعلقت أمالها بمنى القدوم وشروق الأبناء، فكانوا يتجرعون السم صبراً، وكان أنتظارهم الواهن هو النقلة المجاز للتحقيق، وتكاد أحلامهم أن تفرش المخيلة بالزهور دون عائق يذكر. كان قلقهم هو من يواطن أبشع الأرتكابات، وكان لمفردة ( لعل ) الأثر الفاعل في صنع التصور.
 حين تمر الأيام بعبئها الثقيل، والآمال تتبخر كضوء نيزك أنقض وأنعدم فلا أثر بعد عين، أحلام كأنها لمحة ضوء في كبد السماء، لكن الأزمة هي واقعهم المريع من كل نأمة أو إشارة من رئيسهم وكل قادم، كانوا يعيشون في حرارة من عيش كسول وحيرة في نفس خذول.
************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************************

إنتفاضة شعبان .....  ربيع الثورات الحره... ج2
محمد علي مزهر شعبان
أنقضى زمن التأوهات والمرهون بالمنازلات التي تحصد مناجلها الرؤوس وولائمها أشلاء أجساد في مهب الريح , أعوام ثمان مرت كانت حاسمة والناس في حلوقهم شجى يتناولون الموت على جرعات، ويتجرعون السم على أنتظار آملاً في نهاية هذا الدهليز المعتم، وكلما مرت الدقائق خلال ثمان سنوات، فاجعة تلاحقها نكبة، إذ لم ينقطع صوت الحرب في معسكر قائدهم، سواء في وادي جبهات القتال أو الأودية الأخرى، تقابله قذائف إيران وما تغنم من حصاد. حبال المشانق وساحات الإعدام في كل معسكرات الحكومة، هكذا الآلاف تجثو فوق الآلاف، مشرحة جثث على أديم الأرض، المطرز بأعضائهم وأحشائهم بأبشع ما أستطاعت الرسوم أن تجسد مجزرة على أرض الواقع.
على هذا الأديم المغلف بالدخان المزروع بالأشلاء، الغارق بالدماء، كان هنا وطن مجروح امتلكه( صدام ) وطن لسان حاله ببغاء، إذا قال القائد كررت الببغاوات :    لقد قال العراق .
 حاكم أستبد حتى رسم زخارف الحياة بأبشع صورها، واسترق زخارفها الجميلة فأشبع منها جسداً ونفساً ومادة وشهوة، نفس مريضة فأطلق حبيسها في سلوك ندر مثيله, ففرش جناحيه عالياً وحلق في أثر لا تحدًه مسافة أو قياس، لابد أنه لم يخضع لموازيين تضبط أنفلاته، لقد طغى عليه الضجر من الممارسات الشاملة حتى شبع منها فيلجأ إلى أخرى.
الناس تعتاش التسول وهو يمنح كل زائر لبلده من دول لا ناقة لها ولا جمل ولا حلّ ولا ربط في ميدان السياسة وهيئة الأمم، يحملون مئات الملايين من الدولارات بسخاء القائد.
إن ركوب المتع يولَد متعا أخرى لقد أشبع نفسه بكل ما أوتيت نفس من شبق الاستعلاء والأحتواء ، من لذت الجنس إلى قارونية المال ، إلى تسجيله عقاراً اسمه العراق بأرضه وماءه وزرعه وموارده وناسه، حيازة وتملكاً . وليس من بدَ القول ، أن هذا الرجل كانت الدنيا هدفه، والخروج عن المعتاد ديدنه، ولكنه إذ أشبعت رغباته من أمتلاك زينتها، ساقته نفسه إلى هوى غرز في صباه ونمى في رجولته وهي الدماء، فمثلما ساقته هذه الرغبة نحو القتل، ساق شعبه إلى المحرقة، وساقه الشعب بغباء إلى تنامي عظمته وزهوه، حتى طفحت طائفة منتهزي الفرص لتمد إليه يميناً وشمالاً, قوافل تعلن الولاء فسلكت هوى الرياح تنشد المغنم  وصدحت الأصوات، وغنًت كل نشازاتها، وركّبت قوافي الشعراء على إيقاع طبول الزماريين، وأضحى التكرار بأسمه بسملة بل أضحت البسملة جزء من ترتيلة اسمه.
صفقت الأيدي لتنفض عنها فتالات الأوساخ، ولتقدم يداً ملوثة في أستجداء، ناس تنشد العافية الخئون فأتخمها، وآخرون المناصب فأعطاها وأقصاها وأخرى الحياة الكريمة فأنهاها.
جوقة إعتزلت الحياة الكريمة والوجود الفاعل والمنتج ، لكنهم فكروا بهوى القائد، وبكنه ما يبغيه وما يتودد إليه، الجيوش تتلاطم في رحى معركة مهلكة، والعدو فيها يتقدم والرئيس يحتفظ بروح النصر، الأجساد تلتصق وتتسع دوائر قتالها وهي لا تعرف علام تقاتل ولم تحارب ومن أجل أي شيء تموت ؟ الإعلام يعلن بأن الأمة على يد قائدها تتقدم وتنتصر، وستبلغ شواطئ الأمان في درء عدو شوفوني واصفر الريح ، يبغي أن يوقف زحف الأمة العربية نحو المعالي .
غنًت العاهرات بعد أن أضحين من الدرجة الثالثة، فلابد من عمل، ولا عمل إلا الغناء للرئيس. وقد غنى المتسكعون بعدَ أن وجدوا ضالتهم الذهبية في الوقوف أرتالاً في معبد أمون المقدس.
ازدهرت المقابر وأنتعشت بل فاضت جيوب الدفانين. أما الملاهي فكانت في موسم حجها العظيم، وإن أهل الملاهي يحيُون هذه الالتفاتة الكريمة في إرتياد النخب الحكومية وأولادهم وأصدقائهم إلى الصالات، وإنهم على أتم الاستعداد بجذب ما تشتهيه الأنفس من النساء بعد أن جالت الشوارع الكعوب واللعوب والشوادن والعواتق والعوانس والطوالق والأرامل والزهور ، يبحثن عن العمل المريح على مخادع السادة الحكوميين من أسرة الرئيس ومن تقرب إليها.
أنتهت ثمان سنوات والحال هو الحال، الناس تنتظر اليوم المأمول لخلاصها، حتى جاء الثامن من آب عام (1988) ليعلن أن السواد أكتحل باللازورد، وإن الصفحة المشرقة ستفتح آفاقاً جديدة للأمن والسلام، وظلت الحياة في ظل نور آخر النفق، ولمعة ضياء في عتمة أدهمت العمر... فكانت تلكم المقدمات الموجبه للانتفاضة

Share |