القلم الاخضر .. و . . القلم الاحمر-د . محمد ثامر مخاط
Mon, 26 Sep 2011 الساعة : 12:15

ربما لا يدانيه شيء ، يقولون انه يمحو ويثبت ، ويقولون ان خطه يسمن ويغني من جوع ، ويقولون انه ينقل الافراد من مكان لآخر ، ويأذن بالكشوفات والصرف والاموال وانه يثيب ويعاقب ، وان حبره الاخضر لا يتناسب مع ما يملك من قوة للفتك والاجهاز ، اذ ان هذا اللون كناية عن الامل والسلام والمودة ، ويقولون ان القلم الاخضر له سطوة وبأس في عيون من يرقبه تفوق من يمكسه ، فله تذل الاعزاء ، ومنه تسترزق الجيوب والبطون ، ولذا فهو احيانا ينسب للشعب ، فيقولون : صدر القرار باسم الشعب ، وصدر الحكم باسم الشعب ، وصدر القانون باسم الشعب ، لا بل ان سطوة القلم الاخضر اول ما تستطيبها الانامل التي تمسكه فتشرأب بياضا ، وتنساب اليها نعومة حتى تغدو بعد خشونة مقفرة لدنه مترفة كما يد من أيد اولياء الله الصالحين ، ولعل هذا ما يدعوها ان تحرم على غيرها من الانامل ان تتناول هذا القلم او حتى تعبثبه على سبيل الاستئناس بدعوى ان التعليمات تحرم على من هو دون مدير عام ان تاخذه الخيلاء فيكتب بالحبر الاخضر محاكيا من فوقه دون وجه حق ، ولو ان المتنبي الشاعر ظهر الآن لما اعجبه من سيف الدولة الا قلمه الاخضر ، ولحجم عن تقريض الخميس العرمرم وحديد القوائم وانشغل باناقة القلم الاخضر ولرغب عن سحنات الرجل وهو يثخن الابطال جراحا بوجه وضاح وثغر باسم ، ولأستدركها بهمس قلمه ورقة امضائه . .
واذا كان القلم الاخضر لا يحاكي الا الكلمات والاسماء ، فان القلم الاحمر انزوى لا يفقه سوى لغة الارقام ولا يحسن التعبير ولا النظم ولا التأليف ، واكتفى متداعيا لا يملك من امره شيئا الا الوقوف على عمل غيره مصححا ومدققا ، فهو لا يعمل الا بعد ان يعمل الاخرون ، ولا يهب من من دقائق الامور ولا من عظائمها ولا يكترث بوحي حبره الا من تلصص عليه وعادة لا يؤمن هؤلاء سطوته ، فهو اذا حبيس الارقام والجداول ولا يتناوله الا المدققون فيعبثون بدراهم بخسة واحيانا بمليارات .
ورغم نجدنا نتبع حبر الاقلام ، ونخطو متخذين تعرجات خطوطها ، خوفا وربما طاعة وربما ملقا وربما نفاقا وربما طمعا ، دون ان نعي ان قلم الحق امضى وأقوى واحق بالمهابة وادعى بان يتبع ، فحسبه انه يأخذ سبيله الى التطبيق بمجرد اكتمال رسم الكلمة دون الحاجة الى المصادقة والتصويت والنشر ، وحسبه انه مسلط على كل الاقلام الخضراء والحمراء والزرقاء والسوداء وعلى حامليها ومن يسوق لها وينعق وراءها ويهلل خلفها ، وحسبه انه لا يأنس بالمشورة ولا يرتد بالتوافق والمعطيات ، بل هو قلم الحق الاصدق ..