هل حكومة العراق جديرة شرعاً بقيادة الجهاد الكفائي؟/د. حامد العطية
Sun, 24 May 2015 الساعة : 19:12

بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي في العراق تطوع الألاف فيما يعرف بالحشد الشعبي، وتكونت هيئة خاصة للإشراف عليه تحت إشراف رئيس الوزراء العبادي، واعتبروا رديفاً للقوات المسلحة النظامية، وشاركوا في بعض العمليات القتالية إلى جانب مجموعات أخرى وبمساندة من القوات النظامية، وتحققت نتيجتها انتصارات مشهودة، ولكن رضوخ رئيس الوزراء العراقي للضغوط من بعض الفئات السياسية من السنة والأكراد والحليف الأمريكي لحكومة العراق حالت دون مشاركة الحشد والمجموعات القتالية الشيعية الأخرى في مسارح العمليات في المناطق السنية والكردية، وبالنتيجة فقد تعطل دورها وتدنت فاعليتها وتحملت في بعض المواقع خسائر بشرية ومادية، ومن المعروف بأن عدد من القيادات العسكرية التي يعمل الحشد الشعبي تحت إمرتها أو بالتنسيق معها متخاذلة والبعض منها فاسد وقد تكرر تخليها عن مواقعها وهروبها أمام الإرهابيين، وبالتالي فقد ثبت بأن وضع الحشد الشعبي تحت قيادة رئيس الوزراء لا يخدم الأهداف التي تأسس من أجلها.
من المعرف فقهياً بأن فتوى الجهاد لا تصدر إلا من مجتهد متصدي للعمل الجهادي، وهذا شرط متحقق، لكن الشرط التالي وهو وضع العمل الجهادي تحت الإشراف العام للمجتهد غير مطبق لأن رئيس الوزراء العراقي لا يخضع لإشراف المرجع المجتهد، بل هو مسير بالتجاذبات السياسية والإملاءات الأمريكية لذلك حظر مشاركة الحشد الشعبي في بعض المواجهات وفرض قيوداً على مساهمتها في معارك أخرى بعد أن برهنت على اقتدارها، ومن غير المستبعد أن يتخوف هو وغيره من الطغمة الحاكمة في المنطقة الخضراء من أن تؤدي انتصارات الحشد الشعبي إلى تعاظم شعبيته وعلى حساب الأصوات المؤيدة للكيانات السياسية الشيعية المصطنعة والفاشلة، لذا تفضل هذه الكيانات الرهان على الدور الأمريكي في حماية النظام السياسي التحاصصي البائس الذي أوصلهم وغيرهم من الطفيليين والانتهازيين إلى الحكم وعلى الرغم من ثبوت خذلان أمريكا لحلفائها من الشيعة ورفضها تزويدهم بأسلحة متطورة وإجبارهم على تقديم التنازلات المذلة للأكراد والسنة المتعاونين مع الإرهابيين.
إثر نزول القوات البريطانية الأراضي العراقية إبان الحرب العالمية الأولى أفتى علماء الشيعة بوجوب الوقوف مع العثمانيين المسلمين ضد المحتلين البريطانيين، وكان على رأس قوة المجاهدين المجتهدان الكبيران شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد سعيد الحبوبي، ولم يمنعهما من ذلك كبر سنهما وشيخوختهما، أما اليوم فإن قوات الجهاد الكفائي محكومة بمشيئات سياسيين فاشلين وقرارات قادة عسكريين جبناء.
في زمن الرسالة تولى الرسول الأعظم قيادة الجهاد الدفاعي ضد أعداء المسلمين بنفسه أو اختار من يراه مناسباً، وعندما تبين له أن بعض القادة غير أكفاء استبدلهم بمن هو أجدر منهم بالقيادة كما حدث في معركة خيبر، ولو استفتينا القرآن الكريم في هذه المسألة لوجدنا الإجابة حاضرة وواضحة، فعندما أراد بنو إسرائيل قتال عدوهم طلبوا من نبي الله حينئذ تعيين ملك ليقاتلوا تحت إمرته:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 246-247]
فاستجاب الله لهم بتعيين طالوت ملكاً والذي قاد الفئة القليلة المؤمنة منهم إلى النصر المؤزر على أعدائهم، فالنبي الذي لم يتولى قيادة الجهاد الدفاعي بنفسه أشار عليهم بالذي اختاره الله وحاججهم بجدارته بالقيادة لما أتاه الله من المعرفة والقوة البدنية، ولو لم يكن هنالك قائد مختار من الله فلا بد من تصدي المجتهد العامل بحكم الله لتعيين القائد المؤهل لتولي هذه المهمة الجسيمة وتحت إشرافه، وهو بالتأكيد لم يتحقق في حالة الحشد الشعبي.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)