تاملات في القران الكريم ح275/حيدر الحدراوي

Fri, 22 May 2015 الساعة : 13:25

سورة  النمل الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ{1}
تستهل السورة الشريفة بمقطع من الحروف المقطعة "النورانية" (  طس ) , قد تقدم الحديث عنها , اما ما يروى في خصوص (  طس ) عن الصادق عليه السلام : واما طس فمعناه انا الطالب السميع , (  تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ) , تلك الحروف المقطعة هي جزء من آيات القرآن الكريم , (  وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ) , بيّن , واضح , مظهرا للحق .

هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{2}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها مبينة ان القرآن الكريم (  هُدًى ) , هاد من الضلالة , مرشد الى الحق , (  وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) , يحمل بين طياته البشارة للمؤمنين بما ينتظرهم من الثواب والاجر العظيم وحسن العاقبة .

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{3}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها لتبين حال هؤلاء المؤمنين :
1-      (  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) : يؤدون الصلاة في اوقاتها وعلى وجهتها الصحيحة .
2-      (  وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) : لا يمنعون الزكاة والحقوق المترتبة على اموالهم .
3-      (  وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) : وايضا يؤمنون ويصدقون بيوم البعث والحساب .

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ{4}
تبين الآية الكريمة (  إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) , جملة من لا يصدق بيوم البعث والحساب , (  زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ) , زينت لهم الاعمال القبيحة , فظنوها حسنة , وازدادوا انكبابا عليها وشهوة لها , (  فَهُمْ يَعْمَهُونَ ) , فهم حائرون منشغلون في طلبها .

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ{5}
تستكمل الآية الكريمة في موضوع سابقتها مبينة حال من لا يؤمن بيوم البعث والحساب :
1-      (  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ) : اسوء العذاب , وذلك في الدنيا اولا .
2-      (  وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ) : اما في الاخرة , فهم الاشد خسرانا , كونهم خسروا الدارين .

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ{6}
تبين الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" من جهة الخصوص والناس كافة من جهة العموم (  وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ) , تتلقاه , (  مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ ) , في تدابيره وشرائعه , ( عَلِيمٍ ) , بكل شيء .

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ{7}
تذكر الآية الكريمة بشيء من اخبار موسى "ع" (  إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً ) , حين قال "ع" لأهله , اني قد ابصرت نارا من بعيد , (  سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ) , كان "ع" قد ضلّ الطريق , (  أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) , او اجلب لكم منها شعلة , لعلكم تستدفئون من البرد .

فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{8}
تروي الآية الكريمة ان موسى "ع" جاء الى تلك النار (  فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ) , بمجرد ان وصل اليها سمع النداء (  أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ) , يرى اكثر المفسرين (  مَن فِي النَّارِ ) هي البقعة المباركة , اما ( وَمَنْ حَوْلَهَا ) يختلفون في ان يكون :
1-       موسى  "ع" .
2-      الملائكة "ع" .
3-      او الاراضي حول البقعة المباركة , { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }القصص30 .

يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{9}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة (  يَا مُوسَى ) , نداء مباشر , (  إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ ) , القادر المقتدر المنتقم من الكفار والطغاة , (  الْحَكِيمُ ) , في تدبيره وتشريعه , المميز بين الحقيقة والوهم "افعال السحرة" .

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ{10}
يستمر الخطاب الرباني مع موسى "ع" في الآية الكريمة (  وَأَلْقِ عَصَاكَ ) , ارمها , فرماها , (  فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ) , عندما رآها موسى "ع"  تتحرك وتضطرب كأنها افعى صغيرة  , (  وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ) , لم يرجع , (  يَا مُوسَى لَا تَخَفْ ) , منها , من غير ان تثق بي , (  إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) , لا يخاف ولا ينبغي ان يخاف المرسلون من قبلي .
هناك آراء كثيرة حول خيفة موسى "ع" , هل كانت من الحية , ام من شيء اخر ؟ , نتركها لعدم رجحانها .

إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ{11}
يستمر الخطاب الرباني مع موسى "ع" في الآية الكريمة مستثنيا (  إِلَّا مَن ظَلَمَ ) , باستثناء من ظلم نفسه بركوب المعاصي وايرادها موارد العقاب والعذاب , او ظلم الناس بسلب حقوقهم , (  ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ) , يرى المفسرون ان في النص المبارك اشارة الى القبطي الذي قتله موسى "ع" , ويشير اخرون الى ان من بدل ذنبه بالتوبة , (  فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) , يكون مشمولا بالمغفرة والرحمة .

وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ{12}
يستمر الخطاب الرباني مع موسى "ع" في الآية الكريمة (  وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) , ضع يدك في جيبك , تخرج بيضاء ذات شعاع , من غير مرض او علة , وهي معجزة موسى "ع" الثانية , (  فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ) , مع المعجزتين السابقتين "العصا واليد البيضاء" تسع علامات اخرى هي  على بعض الآراء ( الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم  والطمسة والحدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ) , ثم تحدد الجهة التي ينبغي لموسى "ع" ان يقصدها وهي فرعون وقومه , (  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) , خارجين عن امر الله تعالى , وفيه بيانا لعلة الارسال .

فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ{13}
تروي الآية الكريمة (  فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ) , لما جاءهم موسى "ع" بتلك العلامات الواضحة , كان رد فرعون وقومه عليه ان (  قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) , اتهموه بالسحر الواضح .

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ{14}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَجَحَدُوا بِهَا ) , كذبوا بها , (  وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) , انكروها بألسنتهم , لكن ايقنوا بها في قرارة قلوبهم , استعلاء وتكبرا على الايمان , (  فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) , النص المبارك يخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" والمعنى لكافة الناس (  كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) , فرعون وقومه , حيث الغرق في الدنيا وحرق النار في الاخرة .

حيدر الحدراوي

Share |