التضحية هي سر العظماء عبر التاريخ/عصام الطائي
Tue, 12 May 2015 الساعة : 0:13

يعتبر الفرز التاريخي من العوامل المهمة في الوعي الإنساني لأنه كثيرا ما يحصل اللبس والاشتباه بين الأفكار والعقائد والمفاهيم مما يجعل الناس تعيش حالة عدم الوضوح عن الواقع مما يساهم في ترسيخ الثقافات المشوهة والأفكار السلبية والعقائد الفاسدة.
و يظهر دور المصلح الذي يساهم في عملية الفرز ويجعل الوضوح ونتيجة للوضوح يحصل الوعي وأول تجربة عاشها ادم عليها السلام فقد كان إبليس يمثل اعلى مراحل الحسد ونتيجة لحسده حاول ان يخدع ادم وفعلا نجح في بناء صور وهمية وخيالية الى ادم وباعتبار ان ادم كان يمثل البساطة والعفوية انخدع بتزين الشيطان وكانت هذه التجربة تمثل الوعي الذي جعلته يميز بين الخير والشر والصدق والكذب والحسن والقبح والفضيلة والرذيلة .
وقد مرت البشرية بمراحل كان أساس التعامل هو الصدق والعفوية والبساطة والحب الا ان الشيطان والنفس الإنسانية لا تتركا الإنسان هكذا مما سبب حصول الاختلافات والنزاعات ومما أدى ان يبعث الله تعالى الأنبياء لحل تلك النزاعات والخصومات والاختلافات.
وبمرور الأيام بدأت الأمور تتعقد وحصل خلط الحق بالباطل وكان فترة الرسول الأكرم من المراحل المهمة لعملية الفصل بين فكرين ومنهجين وتصورين تصور جاهلي يعتبر ان الولاية له وبين تصور الهي يعتقد ان الولاية لله باعتبار الله خالقا ومكونا ومبدعا لهذا الكون العظيم فكان ظهور الإسلام بمثابة الفصل بين هذين المنهجين والتصورين والفكرتين.
وبعد وفاة الرسول كانت ترسبات الفكر الجاهلي لا زالت تعيش في النفوس مما أدى الى حصول اللبس والمشاكل فكان موقف الامام علي من خلال الصبر يعتبر ترجمان لعملية واستكمال لعملية الفرز يقول الامام علي ع ( ليس العاقل من عرف الخير من الشر ولكن العاقل من عرف خير الشرين) ويعد ذلك كان دور الامام الحسن في عملية الفرز من خلال كشف معاوية على حقيقته ولكن كان كبرى عمليات الفرز هي ثورة الامام الحسين ع فكانت ثورة الامام الحسين ع اعلى مراحل الكشف ولازالت ثورة الامام الحسين ع الى يومنا هذا تساهم في عملية الفرز والكشف وكذلك ساهم كل أئمة أهل البيت كلا من موقعه في تدعيم هذا الخط وعملية الفرز وكان العلماء كلا منهم يساهم في عملية الفرز كلا في زمانه.
ثم جاء دور العلماء بعدهم وقد تعرض كثير من العلماء الى التشويه والإساءة لهم من قبل الآخرين حتى من قبل المقربين وقد ساهم الشيخ المفيد رحمه الله في عملية الفرز من خلال كان هناك تيار المحدثين الذين يعتمدوا على الروايات أي النقل فقط في تفسير الحقائق الغيبية وفهم الإسلام مما أدى بالشيخ المفيد ان يرفض كثير من العقائد التي كان يعتقد بها الشيخ الصدوق وبعد ذلك كان هناك تيار اخباري وتيار أصولي يسيران مسار واحد وكان من سمات التيار الاخباري هو الاعتماد على النص وإلغاء دور العقل والإجماع مما أدى الى ظهور الشيخ البهائي من المدرسة الأصولية وساهم في إنهاء الفكر الإخباري مما ساعد على ظهور المدرسة الأصولية والتي كانت توفق بين العقل والوحي.
وبعدها ونتيجة للظروف التي مرت بها الشيعة الامامية استطاعت الدول الصفوية ان تدعم التيار الاخباري مما ساهم في التأصيل لهذا الخط ومحاولة احتواء المدرسة الأصولية وفعلا نجح في كسب الكثير منهم مما ساهم ظهور جملة من الكتب خصوصا كتاب بحار الأنوار الذي كان يجمع الغث والسمين وفي رواج الفكر الصفوي أدى بعد ذلك الى ظهور جملة من العلماء المعاصرين في محاربة هذا التيار وكان من أبرزهم علي شريعتي واستطاع من جملة كتابته ان يفرز ويبين حقيقة وتهافت المدرسة الصفوية وكان من ابرز كتبه التشيع العلوي والتشيع الصفوي وقد تعرض الى الحملات المعادية من قبل الكثير الا انه من خلال عملية الفرز كشف كل الوجوه التي تقف الى جانب التشيع الصفوي ولا زال الكثير من أصحاب الاتجاه التقليدي يتمسك بأفكار التشيع الصفوي من خلال التمسك بجملة من المسائل الشكلية في ترسيخ التشيع الصفوي ولا زالت رموز كثيرة تحتل موقع المرجعية وهي متأثرة بصورة او أخرى بهذا الخط مع كونها تابعة للمدرسة الأصولية وتشجع على كثير من الأمور السلبية خصوصا تمسكها بالمظاهر الشكلية كما في مسألة التطيير وكثير من الممارسات التي تسيء الى التشيع.
وقد ساهم العلماء الواعين في عملية الفرز بين الاتجاه التقليدي والاتجاه التجديدي ومن جملة العلماء السيد محمد باقر الصدر والشيخ المطهري والشيخ شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله وتعرض هذا التيار الى كثير من الإساءة من قبل ذلك التيار وان الاتجاه التجديدي يمثل التشيع العلوي اما المرجعية التقليدية تمثل التشيع الصفوي على الوجه الغالب وان التشيع اليوم يخوض الصراع بين مدرستين مدرسة لا زال تتمسك بالتشيع الصفوي وهي تهتم بالأمور الشكلية وبين مدرسة التشيع العلوي الذي تتمسك بالمضمون.
بين مدرسة تجعل للفقيه دور فاعلا وبين مدرسة تجعل للفقيه دور محدودا بين مدرسة تجعل للفقيه يتعامل مع الواقع بفاعلية ومدرسة تتعامل مع الواقع تعامل محذور وتخشى منه بين مدرسة تؤمن بالتغير وبين مدرسة تؤمن بالإصلاح النسبي والمحدود بين مدرسة تتفاعل مع الجماهير ومدرسة تتعامل بحذر مع الجماهير بين مدرسة تتعامل مع الناس على أساس تقديس العالم على قدر عطاءه ومدرسة تقدس العالم حتى لو يقدم شيء للأمة.
ان المهمة التي تتطلب اليوم زيادة فعالية الكشف لتوعية الأمة لئلا تقع ضحية اللاوعي والذي يجعل لها الصورة مبهمة وغامضة ان الوعي يجعل التحرك بوضوح واللاوعي يجعل التحرك بعدم الوضوح والوعي يجعل الإنسان يفشل كل المخططات السلبية واللاوعي يكرس السلبية ولا بد للأمة ان يحصل لها الوعي فلا تقدس الا من يستحق التقديس لا على أساس الولاء العاطفي بل لا بد ان يكون الولاء مبنيا على أساس العقل.
عصام الطائي