من "البشير" الى "صدام".. رؤساء فوق ال90% !!/الدكتور جمال العلي
Mon, 11 May 2015 الساعة : 23:26

اعلان النتائج للانتخابات الرئاسية السودانية من قبل مفوضية الانتخابات بفوز الرئيس السوداني "عمر البشير" بنسبة 05ر94% من الأصوات الصحيحة، فتح حالات الجدل حول نسب الفوز التاريخية في الاستحقاقات الانتخابية في عالمنا العربي مرة اخرى على مصراعيها، الأمر الذي لا يزال يثير جدلاً واسعاً حول جدية العملية الانتخابية برمتها في البلدان العربية وحقيقتها ونزاهتها.
يبدو أن البلدان العربية هي المنطقة الوحيدة على الكرة الأرضية التي يفوز فيها الحاكم بنسبة تفوق الـ 90% في الانتخابات، خاصة اولئك الحكام الذين ولدوا من رحم الانقلابات العسكرية فيحلوا لهم الكذب والتزوير والتزييف والدجل.. ولكن الى متى؟ .
فقد أسدلت المفوضية القومية العليا للانتخابات في السودان يوم الاثنين 27 أبريل/نيسان الماضي الستار معلنة النتيجة بفوز "البشير" من حزب المؤتمر الوطني الحاكم بعد حصوله على الغالبية الساحقة بين منافسيه الـ 15 مرشح مستقلين لا ينتمون لأي حزب سياسي !!.
ووصل البشير (71 عاما)، إلى السلطة، مدعوما من الإسلاميين، عبر انقلاب عسكري عام 1989، وتم التجديد له في انتخابات جرت عام 2010.. حيث تعد هذه أول انتخابات رئاسية بالسودان عقب انفصال الجنوب منتصف 2011 والتي قاطعتها أغلب فصائل المعارضة.
وقد أعرب "اولوسيغون اوباسانجو" رئيس فريق مراقبي الاتحاد الافريقي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في السودان، بأن ثلث الناخبين المسجلين (13 مليون) فقط أدلوا بأصواتهم، حيث شهدت مراكز الاقتراع ضعفا واضحا في الإقبال، وسط مقاطعة شاملة من قبل غالبية أحزاب المعارضة السودانية.
وأوضح "اوباسانجو" رئيس نيجيريا الأسبق: أن من أسباب انخفاض نسبة المشاركة هو أن الناس شعروا أن النتيجة محسومة سلفا..ومن شبه المؤكد أن يمدد لـ"البشير" المنتهية ولايته، والذي يحكم البلاد منذ 25 عاما.
ويرى مراقبون أن تمديد فترة الاقتراع جاء كمحاولة لزيادة المشاركة ودعم شرعية "البشير" الرئيس الوحيد في العالم الذي يواجه اتهامات بالإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية وهو مازال في منصبه.
وتقول أحزاب المعارضة السودانية إنها قاطعت الانتخابات بسبب "القمع السياسي" في البلاد. وتتحدث عن "إجراءات قمعية" ضد المعارضة ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
كما وجه الاتحاد الأوروبي انتقادات للمناخ السياسي الذي سبق عملية الاقتراع، وسط انتقادات شديدة من حكومات غربية بأن الانتخابات لن تكون نزيهة أو عادلة.
منظمات حقوق الانسان الدولية من جانبها تتهم "البشير" بقمع المعارضة عبر حملة تنال من الإعلام والمجتمع المدني. فبعد 22 عاماً من الحرب الأهلية ورغم انفصال الجنوب وخسارة البلاد أكثر من 70% من مواردها النفطية، لا تزال السودان تشهد اضطرابات على جبهات عدة نتيجة السياسة القمعية للرئيس الحالي.
واندلعت حركة تمرد في دارفور في غرب البلاد في العام 2003 حيث اشتكى المتمردون من تهميش منطقتهم على خلفيات إثنية. وأسفر هذا النزاع عن مقتل نحو 300 ألف شخص. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد اصدر مذكرتي توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، لكن مشاركته في الحرب السعودية الظالمة على اليمن منحته فرصة إلغاء المذكرتين حسب قول الرياض !!.
كما برزت حركة تمرد أخرى في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة الحليف الأسبق للمتمردين في جنوب السودان، وهو "الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال"، الذي تعهد بمنع عملية الاقتراع في المنطقتين المذكورتين.
وبعد سنوات من الانقسامات، تحالفت المجموعات المعارضة في السودان في كانون الأول لتقدم نفسها موحدة ضد البشير، وأطلق على هذا التحالف اسم "نداء السودان". حيث اعتقلت السلطات السودانية المعارضين فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني بعد توقيعهما على وثيقة "نداء السودان" فرواً وهما يواجهان اتهامات محتملة بمحاولة الإطاحة بالحكومة!.
واستهدفت الأجهزة الأمنية وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وصادرت في شباط الماضي النسخ الورقية لـ14 صحيفة يومية في يوم واحد دون تقديم تفسيرات، وذلك في أكبر حملة ضد الإعلام منذ سنوات.
ويقول حزب "مؤتمر البجا" السوداني: "أن الاغتيالات جزء من سياسة النظام الديكتاتوري وتشمل كل القوى الديموقراطية المعارضة. فها هي حرب الابادة في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق تتواصل, ويمنع الغذاء والدواء عن السكان الآمنين. ونتيجة لذلك يسقط آلاف من الشهداء بشكل مستمر".
فيما عرضت منظمة (هيومن رايتس ووتش) الدولية المعنية بحقوق الانسان عدة تقارير مصورة توثق قصف المدنيين فى جبال النوبة من قبل قوات البشير . في وقت رصدت فيه مجموعات مراقبة حقوق الانسان فى السودان اعتقال اكثر من (60) معتقلاً فى شهر ابريل/نيسان الماضي وحده.
المنظمة العربية لحقوق الانسان وفي احدث تقاريرها عن السودان يوم 3 مايو/ىيار الحالي، دعت مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الى عقد جلسة استثنائية خاصة لمناقشة تدهور أوضاع حقوق الانسان في السودان.
وأكدت ان السودان تحت نظام الحكم الديكتاتوري القائم حالياً يتصدر الوضع الأسوأ على الاطلاق في المنطقتين العربية والأفريقية رغم ما تعيشه كلا المنطقتين من انحدار.
ليست المرة الأولى التي يسمع فيها الشارع العربي بداية والمجتمع الدولي من بعده أن رئيس عربي يفوز في الانتخابات "الديمقراطية" و"الحرة" بنسبة 90% وأكثر، فتاريخ الأمة العربية حافل بمثل هذه القصص والسناريوهات الهوليودية المتكررة والمسلسل الهزيل الذي يسخر من العقل العربي قبل غيره لتنطبق عليهم ما قاله شاعر العرب الكبير أبو الطيب المتنبي " يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ" .
وقد سبق البشير جاره الرئيس المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي جاء هو الآخر بنوع من أنواع الانقلابات العسكرية بصبغة "شرعية الشارع" ليفوز في الانتخابات بنسبة تجاوزت الـ 93% من إجمالي عدد الأصوات المشاركة، وهي نسبة مماثلة بشكل كبير لنسب عهود الديكتاتورية ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني.
فقد كان أول استفتاء في عهد المخلوع "حسني مبارك" هو الاستفتاء على تسلمه للسلطة عام 1981، بعد أن تم اغتيال "انور السادات" في السادس من أول ذاك الشهر، وقد فاز فيه بنسبة 98.5% من أصوات المصريين. والثاني كان في أكتوبر 1987 وفاز فيه بنسبة 95%، ثم الثالث مع تجديد فترته الثالثة في أكتوبر 1993 وتم التجديد له بعد حصوله على أصوات 96% من الشعب المصري، ثم في الاستفتاء الرابع في سبتمبر 1999 حصل على نسبة 92% .
وقد وصل سلفه "محمد أنور السادات" إلى السلطة عام 1970 باستفتاء شعبي على رئاسته فاز فيه بنسبة 90% ، أما النسبة الأبرز في تاريخ حكومة "السادات" فكانت في الاستفتاء على فترة رئاستة الثانية عام 1976 الذي فاز فيه بنسبة تفوق 99% من إجمالى الأصوات المشاركة.
كما حقق الرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي" فوزا كبيرا في الانتخابات الرئاسية 2009 التي جرت الأحد بحصوله على نسبة 62ر89 % من جملة الأصوات المصرح بها داخل تونس ومراكز الاقتراع بالخارج.. بعد أن كان قد وصل لسدّة الحكم عام 1987 بفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2004 بنسبة 4ر94%، بينما فاز بانتخابات العام 1999 بنسبة 44ر99%.
وقد سبقهم في كل ذلك واسس لمثل هذه النسب الخيالية الوهمية هو الرئيس العراقي "صدام حسين"، وكان ذلك في عام 2002 ليمنحه شرعية حكم البلاد لسبع سنوات أخرى لم يكملها بالطبع بسبب الغزو الأمريكي على العراق الذي انتهى بإعدامه، حيث فاز في هذا الاستفتاء بنسبة 100%، بعد أن كان قد حصل في استفتاء عام 1995 على 7ر99% من الأصوات فقط!! .
نتائج الانتخابات السودانية تعيد للذاكرة نتائج انتخاب الرئيس الليبيري "تشارلزكينج" بين عامي 1920 و1930، وتسجل باسمه أكبر مفارقة انتخابية في التاريخ، ففي الانتخابات الرئاسية عام 1927، ووفقًا للبيانات الرسمية حظي "كينغ" بتأييد 000ر234صوت في الوقت الذي لم يكن في ليبيريا سوى 000ر 15ناخب مسجل فقط !!.. سجلت الواقعة فيما بعد في "موسوعة غينس" كأكبر انتخابات مزورة في التاريخ.


