الظروف الاقتصادية والاجتماعية سببا في ارتفاع حالات الانتحار بذي قار

Wed, 6 May 2015 الساعة : 8:10

وكالات:
جاء من المحكمة مبكرا ذلك اليوم ، دخل الى غرفته بعد ان القى التحية على والدته ، بعدها توجه الى الحمام وتوضأ ثم صعد الى اعلى السطح واطلق النار على نفسه ، هرع اليه اخوته فوجدوه غارقا بالدماء دون ان يعرفوا ماذا حصل .
هكذا يتكلم محمد الاخ الوحيد لحسن جمال بنبرة حزن واضحة على ملامحه حينما  استرجع ذاكرته ليتحدث عن اخيه في اخر لحظات حياته ، كانت حياته طبيعية  فلم يعاني من اي مشكلة صحية او مشكلة مالية فحياة حسن بشكل عام جيدة ،
كان يتمتع بصداقات جيدة مع عدد لابأس به من الناس ، لكننا لا نفهم لهذه اللحظة منذ تاريخ وفاته قبل ست سنوات والى الان السبب الذي دفعه الى الانتحار .
كانت صدمة بالنسبة لنا ، ولوالدتنا بشكل خاص ، منذ تاريخ الحادثة والحزن لايفارق أمي ، ترفض الحديث عن حياة حسن ،لكنها الى الان تذكر اسمه بين الحين والاخر حينما تكون وحيدة في البيت .
حسن جمال 30 سنة غير متزوج ،حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون ، مارس المحاماة منذ العام 2003 ، ينتمي لأسرة متوسطة الدخل ، يعرف عن حسن  بالتزامه الديني الواضح ، من خلال تواصله مع بعض الجماعات والاحزاب الدينية التي ظهرت بعد العام 2003 وحضوره المستمر معهم .
كانت محافظة ذي قار قد اعلنت عن احصائية لحالات الانتحار في المحافظة وذكرت الدائرة الاعلامية التابعة لقيادة الشرطة بأن في سنة 2012 كانت حالات الانتحار 34 حالة بينها 12 حالة للنساء ، وفي سنة 2013 بلغت حالات الانتحار 37 حالة بينها 14 حالة للنساء ، فيما وصلت حالات الانتحار خلال العام الجاري 2014 الى 18 حالة انتحار نصفها من النساء .
قيادة الشرطة وبالتعاون مع محكمة استئناف  ذي قار اقامت العام الماضي مؤتمر عام حول الواقع الجنائي واستعرضت كافة الجرائم التي تشهدها المحافظة وسلطت الضوء على قضايا الانتحار كونها من الجرائم غير المسيطر عليها ، والتي دعت فيها الى خطط اكثر جدية في معالجة تلك الظاهرة .
فقد حسن والده منذ سنوات مبكرة من حياته ، قتل والده خلال الحرب العراقية الايرانية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ،امضى حسن اغلب حياته الرجل الذي يٌعتمد عليه في البيت بعد غياب ابيه ،
  شهدت محافظة ذي قار حالات نتحار مماثلة لحالة حسن لكن الاسلوب والطريقة اختلفت ، سوسن الامير وهي طالبة في المرحلة الاعدادية احرقت نفسها بعد ان فشلت في احد المواد الدراسية ، اما احمد قادر فقد شنق نفسه بسبب مشاكل مالية مع بعض اصدقائه .
الطبيب النفسي في مستشفى الحسين التعليمي احمد حسن قال ان وحدة الامراض النفسية في المستشفى تستقبل الكثير من الحالات لكن هذه الحالات لايتم التعامل معها على اساس انها محاولة انتحار فاشلة ،بادئ الامر يتم التعامل مع الناجي من الانتحار كحالة مرضية ثم تتم الاحالة الى وحدة الامراض النفسية لتشخيص الحالة والتعامل معها .
اغلب الاسباب التي تأتي هي نتيجة اكتئاب حاد ويصفه حسن بأنه اكتئاب بايولوجي يولد افكار جنونية ، بالنسبة للامراض النفسية من الممكن علاجها من خلال عدة جلسات يتم تنظيمها بشكل دوري ، اما بالنسبة للاسباب الاجتماعية فهي تحتاج الى جلسات ارشادية مستمرة وحسب درجة الخطورة .
لدينا اكثر من حالة تم التعامل معها بشكل جيد وتمت متابعتها حتى خرجت من الازمة التي كانت بسببها حاولت الانتحار، بالنسبة للاعمار التي تشهد حالات انتحار او فشلت في محاولة الانتحار تصل بين 15 سنة الى 30 سنة ،
عمار رزاق ، صديق مقرب من حسن ، قال انه اخر مرة التقى بها مع حسن كانت قبل اشهر من انتحاره ، كانت افكاره تبدو غريبة ويميل الى العزلة ولا يتحدث كثيرا ، ظل ينتقد القوانين العراقية بأستمرار واعتبرها قوانين وضعية لا تمت بالله بصلة ويجب تطبيق الشريعة والعدالة الاسلامية .
الباحث النفسي عبدالامير محمد يقول ان الانتحار هو نوع من انواع الموت ، هنالك حالات متعددة تصل الى درجة الاحباط والانهيار النفسي تجعل الشخص يتخذ قرار في حالة انهيار عصبي تام بأنهاء حياته ، اغلب الذين فشلوا في الانتحار وتم تنظيمهم في جلسات نفسية استعادوا حياتهم بشكل جيد .
لو نرجع الى وسائل الانتحار ، سنجد ان الرجال وسائلهم بالانتحار الشنق واطلاق النار، وذلك لان الرجل يميل الى العنف وطريقة انهاء حياته تكون بشكل اسرع مقارنة بوسيلة الانتحار التي تقوم بها المرأة والتي تستخدم الحرق او السم لأنهاء حياتها لكن بشكل بطيء وقد لا تؤدي الوفاة بشكل مباشر بل الى التشوه بفعل الحادث وقد تدفع نفسها الى الانتحار مرة اخرى .
اسباب اجتماعية واقتصادية كثيرة تدفع الانسان الى انهاء حياته بشكل مفاجئ ، كذلك وجود وسائل التكنولوجيا قد ساعد الكثيرين على انهاء حياتهم بطرق تبدو اكثر غرابة مقارنة بالواقع الاجتماعي الذي نعيشه ، عدم وجود مراكز تأهيل واضحة لكل محاولات الانتحار الفاشلة ، فالذي يفشل في اول مرة ينجح في الثانية في غياب الاسباب التي تمنعه من انهاء حياته لأي سبب كان ،
لاتوجد توعية حقيقة من قبل مؤسسات الدولة في منع هكذا حالات من خلال حملات توعية تقوم بها ، غياب واضح لرجل الدين وحملات الوعظ واستخدام الدين بشكل قوي في منع حدوث اي حالة انتحار ، عدم تفعيل دور الباحث الاجتماعي والباحث النفسي في كل مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الصحية وكذلك الشرطة .
تقول الناشطة في مجال حقوق الانسان شذى القيسي ، المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يعاني منها المجتمع الجنوبي هي احد الاسباب الرئيسة ،كذلك البطالة وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة والاصابة بالاكتئاب هي احد الاسباب المؤدية لهذه الحالة ، ايضا المشاكل الدراسية وحالات الرسوب سببت بأنتحار بعض الشباب من كلا الجنسين ،
في الواقع ان انهيار المنظومة القيمية في المجتمع بعد 2003 وتخلخل الامن والنظام ساعد على دخول حالات غريبة على مجتمعنا كالمخدرات والمحطات الفضائية المتعددة الاهداف وتقنيات الاتصال المختلفة ايضا ،
اولياء الامور اصبحوا مهتمين بقضايا ومشاكل واهتماما ابعدتهم عن التواصل مع ابنائهم ، الدولة لم توفر مراكز اجتماعية ورياضية وعلمية كافية ليقضي الشباب اوقات فراغهم فيها ، التطرف الديني ايضا هو احد الاسباب .
انتمى حسن في العام 2004 الى جماعة دينية متزمتة وارتبطت اعمال هذه الجماعة بأعمال عنف في المدينة حتى اصبحت من الجماعات المحظورة ، والتي كانت تدعو الى محاربة الشرطة العراقية وكل من ينتمي لها بالعميل .
تقول استاذة القانون العام اسراء الاسدي ، لم يعاقب المشرع العراقي على الانتحار ولا على الشروع فيه بل عاقب من يحرض او يساعد على الانتحار وذلك في المادة (408) من قانون العقوبات .وتعد هذه الجريمة خاصة وذلك لان الشرع خرج فيها عن القواعد العامة حيث عاقب المساعد والمحرض رغم ان المنتحر او الشارع في الانتحار غير معاقب وهو خروج على القواعد العامة في المساهمة الجنائية.
ان علة التجريم تكمن في ان الانتحار يشكل خطرا على امن وسلامة المجتمع اما بالنسبة للمنتحر فعلة عدم معاقبته تكمن في كيفية تنفيذ العقوبة اما عدم معاقبة الشارع في الانتحار فالعلة تكمن في انه لايبالي بحياته فكيف سيبالي بالعقوبة يضاف الى ذلك اعطاء الفرصة له كي يتراجع عن الانتحار،ويشترط لتحقق هذه الجريمة ان يصدر نشاط من الجاني يتمثل بالتحريض او المساعدة وان تترتب على هذا النشاط نتيجة هي الانتحار او الشروع فيه وان تكون هناك علاقة سببية بين النتيجة والنشاط يضاف الى ذلك ان هذه الجريمة من الجرائم العمدية تتطلب توافر القصد الجرمي والذي يتكون من العلم والارادة .
عقوبة الجريمة هي السجن مدة لاتزيد على 7 سنوات إذا تم الانتحار ويعاقب بالحبس اذا شرع بالانتحار وهناك ظروف مشددة نصت عليها الفقرة (2) من المادة (408) من قانون العقوبات وهي كون المنتحر او الشارع في الانتحار ناقص الادراك او الارادة او اذاكان فاقد الادراك او الارادة ففي الحالة الاحيرة يعاقب المحرض او المساعد بعقوبة القتل العمد او الشروع فيه .
 يصف عمار حياة حسن من الناحية المهنية جيدة فهو محامي ناجح اكتسب شهرة لابأس بها من خلال عمله الدؤوب وحرصه على النجاح بأستمرار ، كنت دائما اتحدث معه حول الزواج ، واحيانا احاول اقناعه بضرورة الزواج ، كان يخبرني بأنه يحتاج الى وقت في اختيار الانسانة التي يريد الارتباط بها .
محمد العبودي وهو ناشط مدني يقول بالنسبة للحكومة المحلية فهي ليس لديها أي نشاط يعني بهذه القضية وليس لها أي خطط واضحة على سبيل المثال لمواجهة ظاهرة الانتحار التي تتزايد بشكل واضح ، كذلك غياب منظمات المجتمع المدني في تسليط الضوء حول ظاهرة الانتحار واقامة حملات توعية للشباب وتفعيل دورهم في المجتمع  .
  المصدر:صحيفة المواطن - علا كولي

 

 

Share |