دلالات الاختيار في الفكر الإسلامي/عصام الطائي
Mon, 4 May 2015 الساعة : 1:18

قد يتبادر معنى الاختيار بدلالة سلبية لدى البعض خصوصا الفكر العلماني حيث يفهم منه الاختيار المطلق أي الإنسان له حرية الاختيار المطلق بان يختار أي فكرة او عقيدة او مذهب ولكن هذا التصور خاطئ والسبب لان الله تعالى هو خالق الكون والمكون والمصور فهو الوحيد في هذا الكون الذي له الاختيار المطلق اما غيره من المخلوقات يكون الاختيار مقيد ومتى أصبح الإنسان هو خالق ومكون وموجد لهذا الكون عند ذاك يحق للإنسان ان يتصف بهذه الخاصية وما دام هو في عالم الإمكان فمن صفات عالم الإمكان المحدودية والنسبية والافتقار والحاجة باختصار هو يحتاج الى علة وان علة العلل هو الله تعالى يقول الكندي أسالك يا واجد الوجود يا علة العلل اذن كل الموجودات تحتاج الى الله فلا يمكن ان يكون الإنسان الى هذه الدرجة من الغرور وهو قد جاء الى الوجود وهو يفتقد لكثير من عناصر الكمال التام وكل الادعاءات الواهية لا تنفع الإنسان فما على الإنسان الا ان يعرف حجمه ولا يعيش حالة التكبر والغرور على الله ولا يمكن للإنسان ان يتخلص من هذه الحالة ما لم يحاسب ذاته .
وان هذه النفس ومع وجود الشيطان هي التي تخرجه من فطرته فالإنسان حسب الفطرة له علم بوجود الله ولكن المطلوب منه هو العلم المركب الذي يعتمد على البرهان والاستدلال لذلك كان التوحيد هو العنوان الحقيقي الذي يخلص الإنسان من هذا التكبر والا كل الأفكار لا تنقذ الإنسان من حالة الضياع والتيه والتمرد والعصيان والغرور يقول السيد الصدر ( ان التوحيد لا يصنع فقط إنسانا يرفع رأسه حرا ابيا ولا يستشعر الذل العبودية والهوان أمام أي قوة من قوى الأرض وصنم من أصنامها بل هو الى جانب ذلك ينشأ في الإنسان العقل الاستدلالي او البرهاني الذي لا يقبل أي فكرة دون تمحيص ولا يؤمن بعقيدة ما لم يحصل برهان ليكون هذا الحق هو العقل الواعي ضمانا للحرية الفكرية وعاصما للإنسان من التفريط بأي دافع سواء كان عن تقليد او تعصب او خرافة ) .
وان ظاهرة الصنمية بكل أشكالها تنقل الإنسان من اليقين الى الشك ومن العلم الى الجهل ومن الخير الى الشر ومن الحب الى الكره والبغض ومن الفضيلة الى الرذيلة فالصنمية تبعد الإنسان عن التفكير والوعي والاختيار الصحيح فالصنمية تفسد فطرة الإنسان وتفسد عقله وتفسد وجدانه وتفسد إرادته وتضعف القلب من الاستجابة للحق وبصورة عامة تفسد كل الفعاليات الإنسانية التي تؤهل الإنسان للاستجابة للحق لذلك حارب الإسلام ظاهرة الصنمية بشتى أشكالها وصورها للذات والأسرة والقبيلة والعرق وحارب كل الآفات الأخلاقية لأنها تمنع الإنسان للوصول الى الحق وحارب الإسلام كل المشتتات التي تشتت الانتباه وتمنع حصول الاختيار الصحيح.
دلالات الاختيار
الدلالة الأولى :
الاختيار يكون مقابل الجبر الدلالة الأولى الاختيار هو العلم الذي يمكن للإنسان بدون جبر من قوة خارجية تضغط عليه ليتصرف وفق مشيئة تلك القوة بل الاختيار معناه هنا هو ضد الجبر فان عالم الجماد والنبات بالفطرة مجبور على ان ينصرف وفق إرادة الله اما الإنسان غير مجبر ولكن هناك نوع من الإجبار لا يؤثر على اختياره مثل اللون والشكل والمكان والزمان فهنا لا يكون الإنسان مخير بل الله هو اعلم بكل إنسان بالفترة والمكان المناسب له .
الدلالة الثانية :
الاختيار مقابل الاضطرار هناك بعض الأحيان يكون الإنسان مضطر الى عمل معين وهذا حالة استثنائية لا تعبر عن سلب الإرادة المطلقة بل الضرورة تستدعي ذلك.
الدلالة الثالثة :
الاختيار تكون مقابل الإكراه الاختيار يكون الإنسان مختار للفعل غير مكره عليه.
الدلالة الرابعة :
الاختيار يكون معناه الانتخاب او اختيار الشيء الذي يرغب به فيستطيع الإنسان ان يختار الخير والفضيلة والحق والصدق ويترك الشر والباطل والرذيلة والكذب.
والتوحيد يعتبر وفق التصور الإسلامي حق إنساني اما الدين وفق التصور الغربي يعتبر حق شخصي وباعتبار ان الولاية التكوينية والتشريعية لله لذلك لا يجوز أي تصرف بدون اذن الله وهناك البعض يحاول ان يستدل على حرية الاختيار بكونه مطلق للإنسان بينما وفق التصور الإسلامي ان الاختيار مقيد كما في الآية القرآنية المباركة في قوله تعالى ( لا أكراه في الدين ) يحاول ان يستدل بها البعض على ان الإنسان له حق الاختيار المطلق في اختبار أي دين يرغب سواء دين يمثل التوحيد او الوثنية بينما الآية الكريمة ليست بصدد بيان إنشاء حكم تأسيسي تكون قاعدة لكل من ينطبق عليه الاختيار المطلق بل هي بصدد الإخبار بان الدين لا يتحقق من خلال الجبر والإكراه بل من خلال الاختبار فالمجال مفتوح للإنسان للاختيار ولكن اختيار مقيد وليس مطلق الاختيار.
وهي أشبه بالآية القرآنية (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فليست الآية بصدد بيان حكم إنشائي يترتب عليه حكم يسمح بالاختيار المطلق مع عدم ترتب الآثار بل هو اختيار مقيد اي يجوز ان يؤمن او يكفر لكن مع ترتب الآثار لان الله تعالى هو بصدد الإخبار عن قضية بأنه لكم الحق بالاختيار لكن لا بد ان تتحملوا ثمن اختياركم فهي قضية إخبارية وليس حكم تأسيسي يسمح بالحرية المطلقة بل حرية مقيدة كما لو كان هناك صاحب بستان فقال لبعض الأفراد لكم الحق ان تأكلوا ما ترغبوا ولكن لو تعرضتم الى مرض وما يترتب عليه المرض من اثار فأنني لا أتحمل المسئولية فهناك فاكهة طيبة وفاكهة غير طيبة فان أكلتم الطيبة لا تمرضوا وان أكلتم من الفاكهة الغير طيبة تمرضوا وتذهب صحتكم وقد تموتوا فهنا صاحب البستان أعطى حرية الاختيار لكن الاختيار يترتب عليه ترتب الآثار منها المرض وعدم المرض والموت والحياة والصحة والسقم والراحة والتعب.
والسبب في تقيد الاختيار لأنه هو المالك والموجد وان صاحب الملكية حتى من الناحية العقلائية يستطيع ان يشترط حسب ما يريد من شروط والعقلاء لا يستنكروا ذلك خصوصا اذا كان المالك هو متفضل كما في تفضل الله تعالى بنعمة الوجود التي تعتبر أفضل النعم اذ الإنسان لم يكن شيء وأصبح شيء وكان في العدم وأصبح في نعمة الوجود وخصوصا اذا كان الخالق خلق الكون كله لأجل ان ينعم الإنسان قال تعالى في الحديث القدسي (خلقت الأشياء كلها لك وخلقتك لأجلي ) والعقلاء اذا تنكروا لنعمة المنعم يستنكروا ويعتبروا النكران والعصيان والتمرد والنسيان والتغافل هو نكران للجميل وتعبر عن خسة بالنفس وهكذا المسالة تنطبق عن الله تعالى لأنه من تمرد وتنكر وعصى وكفر تعتبر نكران للجميل.
وهناك في الحياة عالم الأشياء يتعلق في الأمور التكوينية فهذه من الممكن زوالها ولكن هناك عالم أخر هو عالم الأفكار فالمضمون الفكري والرصيد العقائدي التي تعبر عنه الألفاظ والمعاني تكون مجموعة من المعاني والمقولات والتوحيد يدخل ضمن هذه الدائرة فهو يعبر عن عالم الأفكار وخصوصا عالم التوحيد هو يمثل المشروع الإلهي فلا يمكن احد يتصور ان الله تعالى يتخلى عنه ولكن كل ما هناك ان الله تعالى آبى الا ان تجري الأمور بصورة طبيعة لتظهر حقيقة كل إنسان ولا يمكن ان تظهر الا من خلال المحن والشدائد والمصائب فهي التي تفرز الناس وتبين حقيقتهم ولا بد ان يكون الاختيار معبر عن الواقع وليس مطلق الاختيار ويكون الاختيار معبر عن الرضا.
و ان الفكرة الدينية تعبر عن حاجات النفس الإنسانية في مختلف حالاتها فالتدين عنصر ضروري لتكميل القوة النظرية وهو عنصر ضروري لتكميل الوجدان والإرادة حيث تنتقل الفكرة الى المشاعر والعواطف والانفعالات والإنسان له عنصر الاختيار فيستطيع ان يدخل الى نفسه ما يشاء يشاء من عناصر سلبية او ايجابية فيمكن ان يتحكم في إدخال ما يريد من أفكار وتصورات وأراء فهنا عنصر الاختيار واضح في حياة الإنسان وان الأفكار والمشاعر الحسنة تزيد من فعالية الإنسان وتكامله والمشاعر والأفكار السيئة تعيق الحركة التكاملية للإنسان ان العبودية لله تقوي الارتباط مع الله ويحاول الكفر والشرك والشيطان والنفس الامارة فك الارتباط مع الله يقول الإمام الصادق عليه السلام ( المؤمن في خمس شدائد بين كافر يقاتله ومنافق يبغضه ونفس تنازعه وشيطان يضله ومؤمن يحسده) .
عصام الطائي