حكومة تحارب النزاهة.. عدنان سعد كامل

Sat, 24 Sep 2011 الساعة : 8:11

لا شيء يشغل صديقي في زياراته لي من بغداد إلا الحديث عن سرقات أحزاب السلطة للأراضي والعقارات، كنتُ أتحفظ على تصديق الكثير مما يقوله وأردد في نفسي إن الرجل يكره هذه الأحزاب و شخصياتها فلا غرو إذن حين يرى أنهم يسرقون بهذا الحجم، إنه يضخم الأمور أكثر من حجمها.. والواقع إنني كلما قرأت مقالات وتعليقات البعض في مواقع التواصل و الصحف الالكترونية و ما اسمعه في الشارع كغيري ينتابني الشعور ذاته، إنها مبالغات، فالأمر يبدأ بحادثة صغيرة ثم ينقلب إلى خبر إشاعة و الإشاعة تتضاعف جاعلة من الحبة قبة كما يقال. لكن ماذا أفعل مع تصريح رئيس هيئة النزاهة السابق رحيم العكيلي؟ حيث صرح الرجل بأن سبب استقالته جاءت لـ(إن التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها هو الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق اليوم، في ظل إرادة سياسية تدعي الوعي بحجم الفساد المستشري)!
إذن فكلام صديقي صحيح، و لم يكن يبالغ في شيء وهو الرائح الغادي على المنطقة الخضراء، و المتجول بين بيوت كبار المسؤولين فيها.. حدثني كثيرا عن سرقة العقارات والأراضي لصالح كبار المتنفذين في الحزب الحاكم و بعض الأحزاب الأخرى والشخصيات المهمة المهيمنة والقريبة من الحكومة والمحمية بها.. قطعة أرض يساوي المتر منها أربعة ملايين دينار عراقي يخمطها المسؤول بسعر عشرة آلاف دينار للمتر.. بيوت عامرة كانت لرجال العهد البائد و مؤسساته استولى عليها فلان و لم يكتف أحدهم وهو من حزب الدعوة ببيت أو بيتين بل وضع يده على شارع بكامله! التزوير في المستندات الرسمية التي تخص قطعا و عقارات للدولة عملية روتينية يجري التستر عليها من قبل حكومة ترفع شعار محاربة الفساد، فيما أقرب المسؤولين لرئيسها يسرقون البلد نهارا جهارا دون خوف ولا من رقيب ولا من حسيب!
لهذا كان من حق القاضي رحيم العكيلي أن يقول: إن الإرادة السياسية للحكومة أضحت في الفترة الأخيرة متذمرة بقوة من الرقابة ومن القواعد والقيود القانونية وتسعى جاهدة لمقاومة أدوات وآليات المساءلة والشفافية، فكأنها مشغولة بمحاربة الرقابيين أكثر من انشغالها بمكافحة المفسدين!!
ماذا نتوقع وإلى أين يتجه بناء الدولة حين تصبح الحكومة عدوا يحارب الرقابة والنزاهة و يعطل كل أدواتها الرقابية لأجل إعطاء مجال واسع لسرقة الأملاك والعقارات والأراضي لحساب مسؤوليها؟
ما الذي يجعلنا نتفاءل بعد اليوم بأن هناك أملا قريبا بتحسين أحوال المواطنين؟ كيف يتحسن وضع بلد تشرف الحكومة الموقرة على عملية سرقته و تحمي من يسرق و يعيث فسادا فيه في حين تدّعي أنها تحارب الفساد و تضع خططا للحد منه بعد أن أخذت وقتا طويلا في إنكار وجوده رغم كل التقارير الدولية والمنظمات المعنية التي جعلت العراق رابع بلد في الفساد على مستوى العالم كما في آخر قوائم منظمة الشفافية الدولية بعد كل من الصومال وأفغانستان وميانمار.. ؟؟
يرجع الخبراء سبب هذا الفساد إلى عوامل عديدة تلت إسقاط النظام الدكتاتوري المقبور، و من بين العوامل المذكورة أن الطبقة السياسية الحاكمة لا تملك جدية حقيقية ورغبة صادقة و أكيدة في محاربة الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة.. هذا العامل الذي كان مجرد افتراض لدى البعض ممن لا يريد التصديق أصبح حقيقة بعد تصريحات المسؤول الأول على النزاهة في العراق الذي استقال بفعل ضغوط سياسية حكومية مورست ضده. والآن ماذا نأمل بعد أن صار يقينا أن الحكومة تحارب النزاهة وليس الفساد؟ وتطارد من يراقبه لا من يسرق قوت وأموال الشعب؟

Share |