بين القانون الأخلاقي والقانون الديني/عصام الطائي
Sat, 25 Apr 2015 الساعة : 0:38

هناك جملة من الفعاليات الداخلية لمحتوى الإنسان يعبر عنها بتعبيرات مختلفة تارة بالقلب أو العقل أو الفطرة أو اللب أو الوجدان أو الضمير والحقيقة ان القلب والعقل والوجدان والضمير والفطرة ترجع الى الروح ولكن من ناحية المصداق يختلف فالعقل غير القلب وغير الفطرة وغير الوجدان .
والروح الإنسانية تمتلك قسمين من الادراك :
1 ـ يتعلق بالتفكير والإدراك النظري إي ما يكتسبه الإنسان عن طريق الاستدلال.
2 ـ يتعلق بالإدراك البديهي الضروري إي بما هو معلوم لدى الإنسان بلا دليل أو برهان.
فروع الفطرة
للفطرة فروع منها:
1 ـ إدراك الحسن والقبح وهو المتعلق بالعقل العملي.
2 ـ إدراك البديهيات العقلية.
3ـ الوجدان العقائدي وهو معرفة الله.
4 ـ محاكمة الوجدان الذي يسمى بالضمير.
5ـ الوجدان الجمالي وهو الإحساس بالقيم والمبادئ العليا.
وتختلف هذه المعاني باختلاف الموضوع
وذلك:
1 ـ إذا تعلق الموضوع بمسألة تمييز الحق من الباطل نسميه العقل لان العقل له القدرة على التميز.
2 ـ اذا تعلق الموضوع بمسألة الحب أو البغض في النفس نستطيع ان نسميه القلب.
3 ـ اذا تعلق الموضوع بمعرفة الله نسميه الفطرة.
4 ـ اذا تعلق الموضوع بضرورة التفكير نسميه اللب.
5 ـ اذا تعلق الموضوع بضرورة الوصول الى الحقيقة نسميه البصيرة
6ـ اذا تعلق الموضوع بالإحساس بالخير والشر نسميه الضمير.
وللنفس حالات منها الميل وهو اقل من الرغبة وتتعدد الاتجاهات حسب الرغبات فهناك ميل الى كتاب ما أو النفور من طعام معين فالنفور من كتاب معين كنفور المسلم من كتب البوذية كونها تحتوي على ظاهرة الوثنية التي تخالف ميول واتجاهات الإنسان المسلم أو نفور المسلم من أكل لحم الخنزير وهناك ميل بعض الأشخاص نحو اقربائهم أو أصحابهم, فتارة تتصف بالحب وأخرى بالكره وأحيانا بالإعجاب والاحترام وأخرى بالازدراء أو بالاهتمام وعدمه وتارة بالخضوع وأخرى بالتحرر وهنالك ميل الى جماعة كالتعصب الى شعب أو طائفة أو سلالة أو مذهب أو فكرة أو عقيدة وقد يكون الاهتمام ينصب على الفرد نفسه فحبه لذاته واحترامها والرضا عنها أو الشعور بالإيثار واستصغار النفس وإدانتها والسخط عليها وتتكون هذه الاتجاهات والعواطف الى عقيدة في النفس.
وتتفاوت نسبة الاهتمام بهذه الأمور على اشكال مختلفة :
1 ـ بدرجة ميل ضعيف في النفس
2 ـ بدرجة رغبة في النفس
3ـ بدرجة اتجاه وفعالية اقوي من الميل والرغبة
4ـ بدرجة عقيدة وكلما انحصرت الآراء ضمن دائرة المعتقد الواحد يقل الاختلاف وكلما كان خارج المذهب تزداد دائرة الاختلاف خصوصا بين مذهب وأخر وكلما كان هناك فرق بين دين وأخر يكون الاختلاف اشد.
ان الاستفادة من التجارب يكون للإنسان رصيد فكري يساعده للوصول الى الحق خصوصا مع وجود الرغبة والميل الى إرادة الحق وتتكون الاتجاهات من خلال التكرار حول موضوع معين لذلك يكون التكرار في الإعلان مثلا ينقل الإنسان من دائرة الميل والرغبة الى دائرة الاتجاه لأنه يولد اتجاه في النفس فيكون الإعلان مؤثرا في الشراء لان النفس اذا ما رضيت عنه فإنها تثير في نفسه مشاعر الرغبة والميل نحو اقتناء الأشياء أو العكس ففي بعض الأحيان تثير مشاعر منفرة فعاطفة عدم الولاء للصديق وذلك لعدم إظهار مشاعر الحب والولاء من قبل الأخر اما لو كان الصديق يعامل صديقه الأخر معاملة يرضى عنها فيلاحظ حينئذ حصول الرضا في النفس على هذا الصديق وكذلك الأفكار والمعتقدات فالانجذاب أو عدمه يحصل من خلال الميل أو الرغبة نتيجة لتأثر عقله وعواطفه ووجدانه بتلك الأفكار والمعتقدات.
ان العقيدة تتحول الى معيار يحدد نوع الثقافة التي يختارها الإنسان وان العقيدة تجعل الفرد صاحب موقف وتجعل له رؤية مستقبلية لحياته و تكون العقيدة ميزان لتقبل الأفكار و تساعد العقيدة الإنسان على التأمل والتعقل وكذلك يكون للعقيدة دورا في تنمية مشاعر الإنسان وإظهار رغباته بالشكل الذي يرسمه العقل قال الإمام علي عليه السلام : ( كفاك من عقلك ما يوضح سبيل غيك من رشدك) و مع هذا يقع العقل ضحية المؤثرات سواء من خلال النفس و بما تحمله من رغبات وميول وشهوات فبذلك يكون العقل ضحية المؤثرات لذلك كان القانون الأخلاقي قاصرا على إدارة مسيرة الإنسان.
والقانون الأخلاقي عبارة عن مفاهيم معيارية مثل القاعدة أو القانون أو الأمر فهي عبارة عن مضمون عقائدي متوافق مع المثل والتصورات حول مغزى الحياة وهذه القواعد والقوانين والأوامر التي يتم من خلالها الوعي أو الإدراك تعرف عادة بالقانون الأخلاقي.
والقواعد أو المبادئ الأخلاقية وهذه هي الاسس التي تضبط جانبا معينا خاصا من السلوك مثل الالتزام في قول الصدق وعدمه في قول الكذب .
اما القانون الديني والذي ليس من مهمته تحديد الاسس فقط بل يظهر اثأر تلك في النفس ويجعل النفس تتقبل ذلك فيعمق الجانب النفسي والأخلاقي والروحي في الإنسان.
والمبادئ الأخلاقية عبارة عن مطالب أخلاقية لكل سلوكيات الإنسان تتلاحم بهذا الشكل أو ذاك في وعيه الأخلاقي وبهذا المفهوم نستطيع ان نسمي مفهوم العدالة بمبادئ الأخلاق.
والشريعة الإلهية تمثل العدل الإلهي والعدالة الاجتماعية بشتى صورها واشكالها.
والفرق بين الادراك في الشريعة وبين الأخلاق هو ان الشرع يظهر كل جزئيات العدل والظلم بشكله الصحيح والواقعي اما القانون الأخلاقي فله القدرة على إدراك الكليات وفي حالة الجزئيات يختلف العقلاء في تشخيصهم للقضية وهنا تتفاوت القوانين الوضعية وتبعا لذالك تتباين نسب العدل أو الظلم وتكون العدالة نسبية في الواقع.
ان منشأ الأخلاق والشريعة ينبع من شيء واحد وهو العدل ويبقى الاختلاف في دائرة الإدراك فدائرة الإدراك الشرعي أوسع من إدراك العقل كما ذهب الدكتور عبد الله دراز في كتابه دستور الأخلاق في القران( ان القانون الأخلاقي قد طبع في النفس الإنسانية عند نشأتها غير ان هذا القانون المطبوع فينا ناقص وغير كاف اذا اقتصر على مصادره الفطرية لذلك وجد نفسه عاجزا على ان يقدم له قاعدة ذات طابع عام تستأثر باعتراف الجميع وهذا السبب من اجله بعث الله من الناس لإيقاظ وإزالة الغشاوة على النور الفطري الذي أودعه الله فينا) .
ويرى كذلك ( ان هذه التعاليم لا لتلقي علينا كأمر تعسفي بل على العكس تقدم الينا مدعمة بميزتين الأولى انه يخاطب ضمائرنا ليحل على موافقتها والثانية ان يبرز المثل الأعلى في ذاته ليدعم به شريعته وهاتان الميزتان شرط ضروري لتأسيس مفهوم القانون الأخلاقي).
ان اختلاف الاتجاهات بين العقلاء يعود الى التفاوت في العقول لذلك كان إرسال الأنبياء والرسل من اجل معالجة القصور في هذا الجانب وإظهار كلمة الحق في مورد الاختلاف والنزاع ولكن يصر الكثير على ان عقله هو الغاية القصوى التي لا تخطئ يقول جيمس (ان في عقولنا تعصبا يعود الى التفسير المادي للحقائق ) والعقل اذا ما تعصب يكون ضحية للانحراف.
هذا الموضوع جزء من بحث في كتاب الفكر الاخلاقي في الاسلام
اعداد عصام الطائي .