بين نشر العلوم الالهية والعمل السياسي عمر كرّسه الامام الصادق عليه السلام -ظاهر صالح الخرسان - سوق الشيوخ

Sat, 24 Sep 2011 الساعة : 7:49

ان سقوط الدولة الاموية الكبيرة وقيام دولة بني العباس ليس بالامر البسيط ،فمن الناحية السياسية كان السقوط سببه الطغيان والفساد المنتشر في قيادة الدولة والتناقض والاختلاف بين اقطابها واركانها ،وكذلك الثورات المتلاحقة من الفئات المسحوقة والمظلومة ضد الدولة ابتداءا من الرساليين ومرورا بالمعتزلة والمرجئة والخوارج وغيرهم من الفئات التي عانت الويلات والويلات من دولة بني امية ...
نجد ان عصر الإمام الصادق من بين الأئمّة عصراً فريداً والظروف الاجتماعية والثقافية التي عاشها الإمام لم يعشها أي واحد منهم، حيث يذكر الباحثون انه كانت من الناحية السياسية فترة تزلزل الحكم الأموي واشتداد شوكة العباسيين، وكان الطرفان في صراع مستمر إذ بدأ الصراع الإعلامي والنضال السياسي للعباسيين منذ عهد هشام بن عبد الملك، ودخل عام 129 نطاق الكفاح المسلح، وفي النهاية انتصر العباسيون عام 132 هجرية .
ولأنّ الأمويين كانوا في هذه الفترة منشغلين بالمشاكل السياسية الكثيرة لم تسنح لهم الفرصة لمضايقة الإمام الصادق وشيعته كما حدث في حياة الإمام السجاد.
كما أنّ العباسيين ولأنّهم كانوا يرفعون شعار الدفاع عن أهل البيت والثأر لهم قبل استلامهم مقاليد الحكم لم تكن هناك مضايقة من جانبهم أيضاً، ومن هنا كانت هذه الفترة فترة هدوء وحرية نسبية للإمام الصادق وشيعته، فكانت فرصة مناسبة جداً لتفعيل نشاطهم العلمي والثقافي.

هذه الاسباب كلها تفاعلت مع بعضها وكانت النتيجة سقوط الدولة التي اسسها الطلقاء وابناء الطلقاء ...

فكان العباسيون من الناحية الاجتماعية يمثلون خط الوسط داخل الامة الاسلاميه (أي وسط بين بين المبادئ الصحيحة للاسلام التي كان يحملها الرساليون ابناء الائمة واتباعهم الموالين وبين السلوك المنحرف الذي مثله بني امية )

بعد وفاة الرسول الاعظم (ص) تقسمت الامة الى ثلاثة اجنحة حسب ما ذكره المؤرخون :
الجناح الاول: جناح الامام علي ،وهو الجناح الرسالي الثابت الذي لا تأخذه في الله لومة لائم الجناح الثاني : الجناح الجاهلي المتطرف ، وهذا الجناح يظم بني امية من امثال ابي سفيان والمغيرة بن شعبة والحكم بن العاص بن امية
الجناح الثالث : جناح الوسط ويضم ابا عبيدة بن الجراح وكثيرا من المسلمين ومنهم العباسيون الذين كان لهم درو كبير في سياسة الدين والمجتمع في حياة الامام الصادق

لذلك عاصر الإمام الصادق عليه السلام نهاية الحكم الأموي وبداية الحكم العباسي فكان هذا الوقت من اشد الاوقات التي مرت على المجتمع فلا بد من تكريس الجهود والعمل الدؤوب من اجل الوقوف بوجه هذه التحولات السلبيه ضد المجتمع ...

واتسعت مدرسته بنشاط الحركة العلمية في المدينة ومكة والكوفة وغيرها من الاقطار الإسلامية.
وقد اتّسم العصر المذكور الذي عاشه الإمام بظهور الحركات الفكرية، ووفود الآراء الاعتقادية الغريبة الى المجتمع الإسلامي واهمها عنده هي حركة الغلاة الهدامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء الى بث روح التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنات افكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمة الانتصار لمبادئهم التي قضى عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة في بث تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي، فكانو يبثّون الاحاديث الكاذبة ويسندونها الى حملة العلم من آل محمد، ليغرّوا به العامّة، فكان المغيرة بن سعيد يدّعي الاتصال بابي جعفر الباقر ويروي عنه الاحاديث المكذوبة، فأعلن الإمام الصادق _ عليه السلام _ كذبه والبراءة منه، وأعطى لاصحابه قاعدة في الاحاديث التي تروى عنه، فقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة، او تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة».
ثمّ إنّ الإمام قام بهداية الأمّة الى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين، ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الإمام الفرصة فنشر من احاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت به الركبان، وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء.
ومن هنا فقد وجد الإمام _ عليه السلام _ أنّ أمر السنّة النبويّة قد بدأ يأخذ اتجاهات خطيرة وانحرافات واضحة، فعمد _ عليه السلام _ للتصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة، وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم.

فعلى الصعيد السياسي تواجه الباحث عن اعمال الإمام التعبوية للمجتمع الكثير من الغموض والسريه وذلك بسبب المنهج الذي اتخذه الامام أي كانت اعماله تتسم بطابع السرّية والكتمان فان اعمال الامام وتوجهاته السياسية لم تكن تظهر الا متأخرا وحتى حينذاك لم يكن للموالين ان يظهروا كافة الخطط التي كان يرسمها الامام .
لو عرف النظام الحاكم طريقة قيام الامام المعصوم في توجيه الامة ،لقام بتدبير المؤامرات المضادة وعرقل اعماله ....
فقال الامام الصادق عليه السلام ((كتمان امرنا جهاد )) لم يكن الكتمان للفضائل وغيرها ،وانما الكتمان كان حول الخطط والاساليب التي يتبعها الامام في تبليغ منهجه ...فلو عرف المنصور الدوانيقي منهج الامام وعمله لسهّل عليه القضاء وربما القضاء على مستقبل الامام أي حتى القضاء على وريثه الشرعي الذي يقوم بعده بالامامة ...

ولنا شاهد كبير على دور الامام في سرية منهجه وتربية القادة الذي ربما يواجهون الظلم وجها لوجه ،ابنه اسماعيل بن جعفر الصادق الذي يعود الفضل اليه ان يفجر اكبر ثورة مسلحة في تأريخ الدولة الاسلامية ،هذا الرجل العلوي كان تحت تربية الامام وتوجيهه ودعمه ورقابته على مجريات الامور فقد جعله الامام يقوم بالتجارة على الرغم من ان الائمة كانوا في غنى عنها وتجبى لهم الاموال من اطراف الدولة ...
فكان اسماعيل كما هو معروف في المجتمع انه تاجر ولكن فجأة يتحول الى قائد حركة كبيرة ،فالقضية لم تكن عملية تجارة انما هي تغطية لإعماله الرسالية فكان الامام الصادق يحرك الكثير من الخيوط السياسية والثورة ضد الظلم فبهذه النشاطات وغيره التي لم نذكرها وخاصة اعماله الظاهرة والغير خفية على المجتمع مثل التدريس ووضع المنهج الجعفري وبلورته والوقوف بوجه التيارات المنحرفة وحرصه الشديد على على وحدة المسلمين واهتمامه بالناس وقضاء حوائجهم فبهذه الإعمال وغيرها
نجح الإمام في إدامة الروح الدينية في الامة وتوعية طبقاتها وبناء الاسس الرصينة من اجل الحفاظ على المنهج العلوي الصحيح ووضع الخطوط العريضة للعمل التي اتبعها الإمام موسى بن جعفر ومواليه وسط دكتاتورية لم يشهد لها التاريخ سطوة بني العباس في أوجها متمثلة بهارون العباسي استطاع الإمام الكاظم ان يصل فكره ونهجه الى اقرب المقربين من هارون ويؤيدون الامام عليه السلام
 

Share |