الذات المتضخمة/عصام الطائي
Wed, 15 Apr 2015 الساعة : 0:47

مشكلة أخلاقية فالرأسمالي الذي يرضى لنفسه ان يمتلك أموال هائلة ولا يفكر بتلك المليارات من البشر حتى لو هلك الجميع فيستخدم كل السبل في سبيل استغلال الآخرين ويحاول ان يبرر لطمعه وجشعه بمختلف الأفكار والمفاهيم والتصورات لتحقيق هذا الأمر لذا يستغل ويقتل وينهب ويفعل ما يشاء فيعتدي على حقوق وحريات الآخرين بادعاءات واهية وكل ذلك بسبب تضخيم الذات فصنعت منه طاغية ومستكبرا في الأرض.
والحاكم الطاغي الذي يجد الناس تهلل وتمجد وتمدح وتثني على شخصيته حتى لو يكن يتمتع بتلك المواصفات التي تجعل منه عنصرا متميزا فتكون ذاته متضخمة ويحاول ان يبرر بما يقوم من تعذيب وقتل وحروب فالطاغية يجد ان ذاته هي فوق كل الذوات فلا بد ان يكون الجميع في خدمته حتى لو هلك كل الشعب الا ذاته التي يجب ان تشبع فليذهب الجميع الى الجحيم فلا يرى الا ذاته فيقدس ذاته تقديسا مزيفا والمشكلة انه يجد من يعلو من طغيانه وظلمه وتمرده وكل ذلك الطغيان بسبب تضخيم الذات التي صنعت منه طاغية.
والحزب السياسي الذي يجد ان أفكاره ومفاهيمه هي فوق كل الأفكار والمفاهيم لذا يحاول ان يختزل الكل فهو العقل الفعال القادر على حل المشاكل والأزمات فيهمش وبقزم الآخرين لأنه يشعر انه هو المهم وغيره ليس بشيء فيكون الغرور والتكبر هو المسيطر على أفعاله بينما قد نجد ان هناك الكثير من الشخصيات الغير منتمية قد تكون أكفى وأكثر اخلاصا الا انه يصر على انه هو فقط فهنا السبب في الغرور والتكبر يعود الى الذات المتضخمة فتصنع منه حزبا طاغيا وكل تكتل سياسي او حركة سياسية او جمعية او أي تجمع أخر اذ اعتبروا أنفسهم أنهم فوق الجميع لا يختلفوا عن الحزب الا بالعنوان .
والمذهب الديني الذي يجد ان يمثل الفرقة الناجية وغيره على الباطل فكل المذاهب والعقائد على اشتباه وخطا الا فكرته وعقيدته والسبب لان هناك خلل في فهم النصوص التي اعتمد عليها ويتصور انه فقط على الحق وغيره على الباطل فيمارس دور القطيعة ويلغي فكرة المشاركة فيكفر ويفسق ويبدع ويظلم الآخرين بادعاءات واهية وان سوء الفهم قاد ذلك المذهب الى تضخيم الذات فان القرضاوي حينما يدعي انه يمثل الفرقة الناجية فان السبب هو تضخيم الذات وإلغاء الآخرين وان الآخرين من الممكن ان تكون عقائدهم أكثر واقعية منه حتى لو كانوا اقل عددا منه.
والشخصية التي تحاول ان تجد لها الأسماء والألقاب والمسميات التي تمجد نفسها فتعيش حالة الزهو في النفس فلا تقبل النقد لأنها ترى انها فوق الجميع ورافضة لتوجيه النقد لها فاذا ما أراد شخص ان ينتقدها يقف الكثير ضده وذلك بسبب تضخيم هؤلاء الناس لتلك الشخصية حيث تضخم ذاتها أكثر مما تستحق وانه لو فكر كل إنسان انه مهما بلغ من العلم او مهما كان منصبه الديني او الدنيوي لا بد ان يكون متواضعا ويتقبل انتقاد الآخرين الا ان المشكلة في كثير من الأحيان هم الناس أنفسهم الذين يضخمون تلك الشخصية فيجد صاحب الشخصية نفسه انه لا يمكن ان يتعرض الى النقد وكل ذلك بسبب تضخيم الذات فأضحت الشخصية تمثل الطغيان من حيث تعلم او لا تعلم .
وان إضافة نوع من الألقاب بعض الأحيان يدل على وجود نقص لدى صاحب الشخصية فان هناك جملة من الألقاب تدل على الإطراء والتمجيد غير المبرر الا لو فرض استعمل مثلا لقب أبا تراب فلا يدل على تضخيم تلك الذات بل تدل على التواضع فان نوعية اللقب يؤثر على شخصية الإنسان وانه يؤدي الى تضخيم الذات لذا مثلا حينما كان يلقب الامام علي ع ابا تراب يفرح لأنه يجد ان التراب قيمة تجعله متواضعا مع الله والناس بخلاف بعض الألقاب لدى البعض التي تضخم ذواتهم لذا ان استعمال الألقاب المختلفة والتي تجعل الإطراء والتبجيل بعناوين مختلفة كما في وضعنا الحالي سواء أكانت عناوين دينية او دنيوية أمر مرفوض لأنه يؤدي بعض الأحيان الى تضخيم الذات فتصور نفسها انها فوق الجميع فان علمها وفهمها فوق الجميع .
وان الزوج حينما يكون طاغيا في بيته ويريد ان يفرض احترامه من خلال فهمه الخاطئ لمفهوم الرجولة فيحوله سوء الفهم هذا الى طاغية فليس الرجولة ان يكون شديدا وان يفرض رجولته ويجعل كل أبناءه تحترمه فهذا تصور ساذج بل ان الذات تحترم لاحترام الشخص ذاته وكل شخصية اذا أرادت ان تفرض احترامها لا بد ان تكون ذاتها رفيعة وتتحقق الذات الرفيعة المحترمة من خلال المواقف والتصرفات لا ان تفرض فرضا على الآخرين فاذا لم تكن ذاته متكاملة لا يمكن ان تحترم وتقدر فان الذات المحترمة تحترم من قبل الجميع وان سوء الفهم يؤدي الى ظهور الذات المتضخمة فقد يؤدي سوء الفهم الى صناعة طاغية سواء كان رجلا في بيته او امرأة في بيتها او مسئولا في حزب او حاكما في دولة او حضارة متغطرسة ومتمرده على الله والناس.
هذه هي مشكلة الإنسان التي تتضخم ذاته فيحاول ان يستعمل أي وسيلة في سبيل إعلاء شانه ولكن إعلاء الشأن لا يمكن ان يكون الا تلك الذات المحترمة التي تثق بنفسها وتكون قيمتها بما تقدم وتعطي وتضحي في سبيل الآخرين وان الذات التي تحب الخير وتخدم الآخرين هي تلك الذات المحترمة لا الذات التي لا تجد رفعتها الا بالألقاب والثناء والمدح المغلف في كثير من الأحيان بالنفاق .
وان القران الكريم قد استعرض قصة النبي موسى ع مع الخضر فبالرغم انه من أنبياء أولي العزم لكن الله تعالى لم يمنحه كل العلوم فلم يكن هو الأعلم بكل شيء بل كان موسى ع الأعرف بأمور الشريعة وان هناك من هو اعلم منه بأمور أخرى وان مع كون موسى ع نبيا مقربا من الله وحسب المقاييس لا بد ان يكون النبي هو الذي يعرف كل شيء الا ان الله تعالى قال له ان هناك من يوجد اعلم منك وهو العلم بالأمور التكوينية الذي لم يطلع الله تعالى عليها موسى ع بل منح ذلك العلم الى عبد أخر من عباده.
وهناك حالة مرضية كانت ولا زالت تعكس تضخيم الذات وهو تضخيم اليهود لذاتهم حيث يعتبرون ذاتهم أفضل الذوات فقالوا عن أنفسهم انهم شعب الله المختار فأصابتهم هذه الحالة المريضة لوجود ضعف في الايمان فلولا الضعف بالايمان لما كانت تلك الحالة المرضية اذ ان الذات المؤمنة التي تثق بربها تكون ذاته متواضعة تحب وتقدر الذوات الأخرى ولا تجد سببا في تميزها على الآخرين وهكذا قد نسمع بعض العناوين الأخرى من هنا وهناك تحاول ان تعظم نفسها عن بقية الناس بعناوين مختلفة لا تختلف عن عنوان شعب الله المختار فان تصور اليهود لمفهوم شعب الله المختار قد سبب لهم احتقار بقية الشعوب والعدوان على تلك الشعوب بادعاءات واهية مما سبب نزعة عدوانية لديهم ضد الجميع .
وهكذا يمكن ان نجد على مستوى الحضارات فكل حضارة تحاول ان تجد نفسها انها فوق كل تلك الحضارات فيكون سوء الفهم هذا السبب في تضخيم الذات فان من المعلوم ان كل حضارة تساهم بشي وتأتي حضارة أخرى تكمل ما وصلت اليه بقية الحضارات فالعلاقة التكاملية هي التي يجب ان تكون سائدة فلو فكر ان كل شخص يمثل شخصية فتكون الشخصيات الأخرى مكملة له لما حصلت حالة تضخيم الذات ولو فكر كل حزب ان هناك من الأشخاص الغير منتمين يمكن ان يكونوا أفضل في عملهم وإخلاصهم للوطن منه لما حصل الغرور وكل كل دولة لو فكرت انها مهما كانت عظيمة في تقدمها وتطورها فانها بحاجة الى بقية الدول فتتواضع للدول الأخرى وتعمل لأجل التعاون مع بقية الدول لما حصل الظلم والعدوان على بقية الدول.
ان مشكلة البشرية هي كثير من الأصنام واكبر صنم هو صنم النفس لذلك كان أهل العرفان يقولون ( ان أم الأصنام هو صنم نفسك ) فلا بد من كل شخص او حزب او دولة او حضارة ان تحطم ذلك الصنم وهو صنم النفس والتي يسبب تضخيم الذات لئلا يحصل الظلم والطغيان والعدوان على الآخرين.
عصام الطائي