بابيلون ح13/حيدر الحدراوي

Wed, 15 Apr 2015 الساعة : 0:20

انطلقت الوحوش الطائرة لتجوب السماء , تصور ما يجري على الارض , من كل الجهات والزوايا , بلا انقطاع , تنقل صورها لمركز قيادة الوزير خنياس , الذي كان يراقب بحماس مع قادة جيوشه .
على الارض , كانت هناك حشودا كبيرة من الناس , جاءت لتتفرج على الاستعراض , وايضا كان هناك وفودا من الامبراطورية , بينما احتشدت السرايا المستعرضة في مكان قريب , بانتظار اوامر ينامي الحكيم للبدء .
صدر الاذن المرتقب من ينامي الحكيم , واستهل الاستعراض بالموسيقى الحماسية , انطلقت السرايا بفصائلها وكراديسها , فتح الوزير خنياس عينيه على مصراعيهما , وكذلك قادة جيشه , كانت السرية منظمة , ذات قيافة حسنة وتسليح جيد , ثم انطلقت السرية الثانية , بلباس حسن , بدون تسليح , وسرية اخرى , بلباس رث مع سلاح جيد , واخرى بلباس رديء , بدون تسليح , وهكذا توالت السرايا واحدة بعد الاخرى , حتى كانت فصائل اخر سرية , بلباس رث , ومسير غير منتظم , كل جندي يحمل عصا , اما اخر فصيلين كان الجنود فيها يرقصون ويصفقون فقط .
انفجر قادة جيش الامبراطورية ضاحكين لما شاهدوا  :
-       بعد سنة كاملة من التدريب ... هذا افضل ما توصلوا اليه ! .
-       يا لهم من اغبياء ! .
-       أرأيت ان هؤلاء يرقصون ويصفقون ! .
اما الوزير خنياس , فلم يضحك , او حتى يبتسم , كان يغط في تفكير عميق , يستمع الى ترهات قادته بصمت مطبق , حتى اذا فرغوا , صرخ فيهم :
-       حمقى ! .
توقف الجميع عن الكلام والضحك , وقفوا باعتدال محدقين فيه , ينتظرون اي كلام قد يصدر منه , فقال :
-       ليت في الامبراطورية واحدا فقط مثل ينامي ... لاستبدلته بكم جميعا ! .
-       ماذا هناك سيدي الوزير ! .
-       شيلخوب ... انكم لم تحسنوا قراءة الرسالة .
-       أي رسالة سيدي الوزير ! .
-       هذا الاستعراض هو رسالة تحدي .
تشجع احد القادة ليسأل :
-       ينامي يتحدانا ؟ .
-       نعم ... دام الاستعراض خمس ساعات ... وكما تعلمون وترون ان عيوني خمسا .
اندهش الجميع لذلك , لم يك احدا منهم ليتوقع هذا , استطرد الوزير خنياس قائلا :
-       اما السرايا الجيدة تعرب عن استعدادهم لخوض حرب جرارة ! .
بدء القادة يسئلون عما رأوه , والوزير خنياس يجيب :
-       ماذا عن تلك السرايا رثة الثياب مع العصا بدل السلاح ؟ .
-       انها تشير الى امرين ... 1- انهم مستعدون للحرب بكل الوسائل المتاحة ... 2- انهم مستعدون الى خوض حرب طويلة الامد .
-       وماذا عن تلك السرايا التي ترتدي لباسا رديئا وبدون سلاح ؟ .
-       انها ترسل لنا رسالة بأن لديهم جواسيس في إمبراطوريتنا .
-       وماذا عن هؤلاء الراقصون الاغبياء ... سيدي الوزير ؟ .
-       هؤلاء يمثلون الانتحاريين ... يعربون عن فرحهم ورقصهم للموت ان حلّ بهم ! .
قال احد القادة :
-       هذا يعني انهم مستعدون لأي طارئ في حال نقضت الهدنة ! .
-       نعم ! .
انتبه شيلخوب من تفكيره العميق :
-       لديهم جواسيس في إمبراطوريتنا ! .
اثناء ذلك , ظهر الامبراطور على شاشات الرادار قائلا :
-       احسنت استقراء الرسالة يا وزير خنياس !  .
انحنى الجميع , قائلين بصوت واحد :
-       سيدي الامبراطور المعظم ! .
وجه الامبراطور كلامه الى شيلخوب :
-       نعم يا شيلخوب لديهم جواسيس في إمبراطوريتنا ... لكن دع شأنهم الى الضابط شمندل  .
نهض الضابط شمندل , مؤديا تحية خاصة للإمبراطور قائلا بصوت حماسي :
-       في خدمتكم ... سيدي الامبراطور المعظم ! .
-       سنة كاملة مرت ... كان الوزير خنياس يتوقع ان يقيموا شبكات تجسس في إمبراطوريتنا ... فأصاب هذه المرة ... كما كان يصيب في كل مرة ! .
-       سأبذل قصارى جهودي لملاحقتهم ... سيدي الامبراطور المعظم ! .
تكلم الوزير خنياس :
-       لا تفوتني اشياء كهذه  ... سيدي الامبراطور المعظم ! .
-       احسنت صنعا يا وزير خنياس ... ذو العيون الخمس !
-       انا دائما مستعد لكل طارئ ! .
-       نحن نتابع كل التفاصيل ! .
اختفى الامبراطور من الشاشات , نهض الجميع , عاد الوزير خنياس لكرسيه .
                         *****************************
كان ينامي الحكيم يعقد اجتماعا مع وزرائه , قال شردق سائلا :
-       هل تعتقد انهم استطاعوا قراءة الرسالة ... سيدي الحكيم ينامي ؟ .
-       نعم ... لا شك في ذلك ... خنياس هذا ذكي جدا ... يستطيع قراءة ما بين السطور جيدا .
قال وزيرا اخر :
-       وما هي الخطوة التالية ؟ .
-       الخطوة التالية سنطلب تعديلات على بعض فقرات الهدنة ... واضافة فقرات جديدة .
-       وان رفضوا ؟ .
-       لن يرفضوا ... لسببين ... 1- انهم يجنون من بلادنا الكثير من الثروات ... ما لم يجنوه منا تحت حكمهم ... 2- هناك بند في اتفاق الهدنة يسمح لنا ان نطالب بإجراء بعض التعديلات مواكبة لمتطلبات العصر والامور المستحدثة .
-       وبماذا سنطالب ؟ .
تلا ينامي الحكيم قائمة بالمطالب والتعديلات الجديدة , ناقشوها بدقة , واقترحوا مطالب وتعديلات  اخرى على قدر المسموح به .
                         **********************************
أمر الوزير خنياس ان يرد على استعراض جيش ينامي الحكيم باستعراض لجيوش الامبراطورية , بكل صنوفها وفصائلها , وكذلك مناورات بالذخيرة الحية , وأمر بدعوة سفير ينامي الحكيم لحضور الاستعراض والمناورات , وان تنقل صورا مباشرة لها عبر الاثير ليشاهدها ينامي وكافة حكومته وشعبه .
                     ****************************************
قبل الاستعراض والمناورات , قرر ينامي الحكيم ان يذهب لأخذ المشورة منه , أمتطى جواده خلسة وانطلق نحو الصحراء , سار بطرق متعرجة , على حذر تام ان يتعقبه احد , او ان تراه الوحوش الطائرة في السماء فتقتفي اثره , يتوقف بين الفينة والفينة , متظاهرة بالاستراحة وشرب بعض الماء , حتى سلك واديا ضيقا , توقف عند نهاية الوادي , ترجل من جواده , واستلقى على الارض , تفحص سفوح الجبال والاشجار , خشية ان يكون فيها من يترصده , لم يكن هناك احد , فقرر المضي قدما , حتى وصل به المطاف الى بئر في الصحراء , ملأ قربته , ثم عاد من نفس الطريق الذي أتى منه , فأن كان هناك احد يسير خلفه فسيجده لا محال , كان هذا اخر اختبار من اجراءات السلامة , بعده انطلق مباشرة نحو الجبل , بخط مستقيم , على نحو السرعة , يسابق الريح .
ما ان وصل الى مشارف الجبل , ترجل من جواده , واخفاه بين الاشجار , ثم انطلق ليتسلق الجبل من بعض جهاته , حتى وصل الى كهف لا يكاد يظهر للرائي من الارض , بالكاد يستطيع التقاط انفاسه , فسمع الصوت من الداخل على نحو الترحيب والمزاح :
-       لقد تقدمت بك السن يا ينامي الطيب ! .
ابتسم ينامي لسماعه , استجمع قواه ملتقطا انفاسه ليقول :
-       نعم .. نعم ... سيدي ! .
تعانقا طويلا , تبادلا كافة عبارات الترحاب :
-       سيدي ... لقد اصبح لدينا خمسمئة الف جندي ... اجرينا الاستعراض بخمسين الف جندي فقط ... واخفينا الباقي .
-       احسنت صنعا ! .
-       ثم انهم قرروا ان يردوا على استعراضنا باستعراض اخر اضافة الى مناورات حية .
-       نعم ... لهم ان يردوا بأي طريقة شاءوا .
-       وما هو رأيكم بالهدنة ؟ .
-       يجب ان تستمر الهدنة ...لازلتم في امس الحاجة اليها ... كما ويجب ان لا تدوم طويلا .
-       كي لا يفقد الثوار عزيمتهم وحماسهم .
-       كلما طالت المدة يبدأ الثوار بفقدان العزيمة والحماس والاندفاع .
                          ***************************
بدأ الاستعراض الكبير لقوات الامبراطورية , شاركت به كل صنوف الجيش , وايضا شارك معهم حلفائهم من البشريين , استمر الاستعراض طويلا , بروح قتالية عالية , واداء جيد , نقلت صوره عبر الوحوش الطائرة ليراه الجميع , وكذلك رآه الثوار في مدنهم , فنال الاعجاب .
                         **************************** يتبع
حيدر الحدراوي

Share |