سقط الصنم بغداد لم تسقط/طالب خليف البدري

Mon, 13 Apr 2015 الساعة : 0:14

ي ذاكرتي السياسية عاصرت سقوط عواصم عربية بيد المحتل الاجنبي وما أحمله من ذاكرة هو ما سمعته وقرأته وشاهدته لسقوط هذه العواصم
وقبل هذه العواصم الثلاث سقطت القدس بيد الصهاينة 1967 وكان سقوطا عسكريا مذلًا من غير أية مقاومة سواء كانت عسكرية او شعبية وكان احتلالاً مذلا كان ولم يزل بل أعلنها الصهاينة عاصمة لدولتهم المغتصبة ونعود الى العاصمة العربية التي سقطت عسكريا وأُحتلت من جيش غازي وهي بيروت 1982على يدي الصهاينة وكان غزوا واسعا تقدمت به اسرائيل حتى وصلت بيروت وحقيقة الامر أنه لم يكن هناك جيش لبناني حينها حيث أنهكته الحرب الاهلية والجيش السوري إكتفى حينها بالتفرج بعد تدمير اسرائيل لصوارخه الروسية سام في البقاع اللبناني
أما المقاومة الفلسطينية واللبنانية فكانت وحدها في الميدان وامكاناتها لا تصل لصد الهجوم الاسرائيلي ومع كل هذا لم تستطع اسرائيل الصمود مع المقاومة الشرسة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية الوطنية والاسلامية لاحقا والتي تشكلت بدعم واسناد وتدريب ايراني واستطاعت أن تفرض نفسها كقوة يحسب لها ولا بد أن أذكر هنا حصار الصهاينة لبيروت ذلك الحصار الذي استمر ثلاثة أشهر صمد خلالها الفدائيون بقيادة عرفات وأصروا على المقاومة أو الشهادة وعدم الاستسلام فقد استطاع عرفات ورفاقه الصمود بوجه الصهاينة ولكن القرار السياسي العربي والامريكي والذي نص على مغادرة الفدائيين الفلسطينيين بقيادتهم وعلى رأسها عرفات الى تونس وبمغادرتهم أستبيحت المخيمات من رفاق اسرائيل اللبنانيين وبمباركة اسرائيلية والعالم كله يتذكر صبرا وشاتيلا وبتصاعد المقاومة تلقى الصهاينة خسائر لم يتلقوها في كل حروبهم النظامية مع الجيوش العربية ولكن رجال حزب الله أهانوا اسرائيل وكبدوها خسائر أرغمتهم على الانسحاب حتى الشريط الحدودي أولا واستمرت المقاومة واضطر الصهاينةللانسحابالشامل في مايو عام 2000
أما العاصمة العربية الثانية التي سقطت بيد الاحتلال هي الكويت بيد الجيش العراقي 1990 ففي الثاني من آب فوجئ العالم بصدام يغزو الكويت الآمنة ويجتاحها خلال ساعات ويسيطر عليها سيطرة تامة ويعلنها محافظة عراقية بعد ضمها للعراق ولم تتحرر الكويت الا بتدخل التحالف الدولي بقيادة أمريكا بعمليات عاصفة الصحراء والتي قررت تحرير الكويت والابقاء على النظام الصدامي في بغداد بعد فرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية عليه
وبمسمع ومرأى قوات التحالف استطاعت طائرات ومرتزقة النظام قمع الانتفاضه الشعبانية قمعا لارحمة فيه إستطاعت فيه القضاء على هذه الانتفاضة المباركة بعد قتل وهرب قيادييها وملأ السجون بالثوار ولم يكن هذا ليحدث لولا التواطئ الدولي مع المقبور صدام خوفاً من نظام يكون قريباً لايران أما العاصمة الثالثة فكانت بغداد ففي آذار٢٠٠٣ قررت أمريكا وعدة دول متحالفة معها إجتياح العراق لاسقاط النظام البعثي في العراق وتم ذلك في التاسع من نيسان يوم وصل الامريكان بغداد فقد شاءت المشيئة الالاهية أن يسقط النظام الظالم في العراق والذي تعدى بظلمه وجبروته كل المحرمات الدينية والانسانية والدولية  أن يسقط بيد قوى ظالمة هي من سلطته على رقاب العراقيين وهي من دعمته وساندته بحروبه الظالمة وحتى احتلال الكويت كان بمباركة هذه القوى ولولاها لم يتجرأ ويقدم على تصرفه الارعن
شاءت المشيئة الالاهية أن يسقط صدام على يد أمريكا وفي بداية الهجوم من عند البصرة لقي المحتل مقاومة عسكرية باسلة في ام قصر والبصرة والناصرية ولم نجد هذه المقاومة ببغداد والمدن الغربية والشمالية
سقطت بغداد وغيرها من المدن الجنوبية ليس لضعف وتهاون لا سمح الله ولكن لم تكن هناك رغبة في الدفاع عن نظام مجرم أحرق الحرث وأهلك النسل وملأ المقابر الجماعية والسجون المظلمة ولو كان هناك جزء من حب ورحمة للنظام في قلوب العراقيين لما تنزهت أمريكا في إحتلالها لبغداد وقررت المرجعية الرشيدة التعامل بحكمة مع الاحتلال الامريكي فمن جهة رفضت الاعتراف أو التعامل مع المحتل ومن جهة أخرى أيدت المقاومة السياسية السلمية لطرد المحتل والتي أتت أُكلها وجنبت العراقيين الكثير من الارواح بحكمة وقيادة المرجعية وعلى رأسها السيد السيستاني حفظه الله ورعاه وحتى لا نغبن حق من قاوم المحتل فهناك فصائل لم تعترف بالمقاومة السياسية وقاومت المحتل وكبدته الخسائر وكانت سبب في انسحابه ولكنها ليست السبب الرئيس في الانسحاب الامريكي والذي تم باتفاقية لم تستسلم للمحتل ولم تذعن لمطالبه بقواعد وحصانة وغيرها من المطالب والتي رفضت
ونعود الى إحتلال بغداد فحقيقته إنها سقطت بدخول وإجتياح الكويت فمنه بدأ القرار وبدأ النزول نحو الهاوية بمخطط أُحيك بذكاء قابله غباء وتهور للقيادة في العراق ونظامه العبثي
أما عن سقوط بغداد فلم يكن الا سقوطا عسكريا فقط فقد سارت الحياة طبيعية في بغداد ولم يؤثر عليها الاحتلال وكانت هناك سلطة عراقية هي من تدير شئوون العراقيين وأكرر لولا كره الشعب للنظام البعثي لما استطاعت أمريكا احتلال بغداد بسهوله
وعند الحديث عن سقوط بغداد يجرنا الحديث الى سقوط الموصل وتكريت بيد داعش وهو سقوط لم يكن لولا الخيانة والتواطئ والاهمال وبه سقطت ثاني اكبر مدينة عراقية بيد حثالة وعصابة بعد إنهيار الجيش والشرطة وترك أسلحتهم بأرض المعركة بدون أن تطلق أطلاقة واحدة وبدون أية أثر لمقاومة  وهذا يدل وبقوة على خيانة ومؤامرة أحيكت بعناية بمخطط ودعم دولي وأقليمي وتواطئ وخيانة من سياسيين في الداخل وضباط كبار أعطوا أوامر بترك الاسلحة والانسحاب وتواطئ كردي وبهذه الحلقات جميعها سقطت الموصل وتكريت وسيطرة داعش واستباحت المدينة وقتلت وهجرت ودنست وهدمت وقامت بأعمال يندى لها جبين الانسانية وتحرمهاكافة الاديان السماوية وأبرز مصداق لوحشية داعش جريمة سبايكر وسبي وبيع الايزيديات
وبما أن الامم لا تنهض الا بالتحفيز واستنهاض الهمم فقد كانت فتوى السيد السيستاني  صدمة لداعش ومن والى داعش فاستجابت الجموع الجهادية للفتوى وحملت الارواح على الأكف وباعت الدنيا من أجل رضا الخالق ومن أجل العقيدة والوطن والمقدسات فتوقف تمدد داعش وأخذ بالتراجع فالبداية كانت تحرير آمرلي بوابة النصر ومدينة الصمود وبعدها كانت جرف النصر المعقل الرئيس للارهاب نحو بغداد والجنوب والذي لم تبسط عليه حكومة المالكي سيطرتها خلال ثمان سنوات ومنه تنطلق مجاميع مثلث الموت ولكن بهمة المجاهدين وتضحيتهم حررت جرف الصخر رغم طبيعتها القاسية فرجال الله لا يصعب عليهم الصعب عندما يُعطٓونْ الفتوى التي كانوا بانتظارها وبعد جرف النصر كان القرار تحرير السعدية وجلولاء والمقدادية وكافت محافظة ديالى منبع الارهاب فحررت السعدية وجلولاء رغم الطبيعة القاسية والبساتين الكثيفة واتصالهما بجبال حمرين ولكن همة الرجال فوق كل الصعوبات فحررت هذه المناطق وكافة قرى ومدن محافظة ديالى ومن ثم الانطلاق نحو صلاح الدين فكانت الضلوعية والدور والعلم وشمال سامراء وصولا الى تكريت معقل الدواعش والبعثيين فتحررت تكريت بجهود عراقية فصدم العالم من انتصارات الحشد الشعبي فمن هؤلاء الرجال الذين بثوا الرعب في قلوب الدواعش واخترقوا المدن والقرى والبساتين والجبال بنفس الهمة ولم يكترثوا بما تركوا من مال وعيال وتوجهت قلوبهم مخلصة لوجه الله وكانوا يتنافسون نحو الشهادة فتم لهم ما وعد الله للمجاهدين في سبيله وهو إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة فهنيئاً لهؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لله وللوطن والعقيدة و زفوا وسيزفون بشائر النصر فهاهم يطردون الدواعش من ديالى وصلاح الدين التي تعتبر بحكم المحررة فلم يبقى الا أجزاء من بيجي والشرقاط وتحريرهما مسألة وقت لا أكثر وبعد صلاح الدين هاهي الانظار تتجه نحو الانبار وستتحرر إن شاء الله خلال أيام من إنطلاق العملية فالانبار ليست بطبيعة معقدة وما هي الا مدن متباعدة وأغلب سكانها جزعوا من داعش وينتظرون الفرصة للانقضاض عليهم وطردهم وبذلك ننتهي من حيث بدأنا الموصل الحدباء معركة المصير مع داعش ولن تتم الا بقرار سياسي ودعم دولي واقليمي وهذا ما سيكون وسيتحرر آخر شبر من الداعشيين قبل حلول العاشر من يونيو  وهذا ما اتوقعه إن شاء الله
 وبذلك لفظ العراقيون داعش وأزاحوهم وقتلوهم شر قتلة وبذلك يثبت العراقيون أن لحمهم مر وحجرة يتكسر عندها الغزاة على طول السنين
وعندما نتحدث عن التاسع من نيسان لا بد أن يطرق بنا الحديث نحو السيد الشهيد محمد باقر الصدر ذلك الرجل العبقري والذي أتى قبل أوانه فهذا الرجل كنز ثمين دفن من غير أن يستفاد من علمه فمن سخريات القدر أن يحكم العراق بلد الحضارات ثلة همجية رعوية أرجعت العراق قروناً من السنين
فتحيةٓ إجلال وتعظيم لهذا الرجل العبقري الفيلسوف والذي تدرس كتبه بأكبر الجامعات الاوربية ولكننا في العراق نسجن هذا الرجل العبقري في بيته ثم نعدمه واعدام السيد الشهيد هو اعدام للفكر والعلم ويعد اعدامه خساره للانسانية جمعاء فعلوم السيد ليست محتكره بالعلوم الاسلامية وما هكذا تقدر الامم عظمائها وشاءت الاقدار أن يسقط الطاغية ونظامه المجرم في نفس اليوم الذي أعدم فيه السيد الصدرواخته العلوية بنت الهدى وهذا من عدالة السماء وعندما نتطرق الى يوم التاسع من نيسان  فأنا نحمد الله الباري والذي منَّ علينا بأن نعاصر سقوط طاغية من اكبر طغاة العصر وهذه نعمة عظيمة حظينا بها وخلاصة ما أردت قوله هو ما قاله الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر) وكذلك ماقاله شوقي (وما نيل المطالب بالتمني ولكن  تؤخذ الدنيا غلابا )فالشعوب هي من تصنع تاريخها وهي من تصنع الحياة وعندما تتوحد كلمة الشعوب ستجرف أمامها كل من يقف بطريقها ويعرقل مسيرتها والله من وراء القصد

Share |