قمع الإنسان , من المهد إلى اللحد/مازن كم الماز
Fri, 10 Apr 2015 الساعة : 0:23

من وحي كتاب المراقبة و العقاب لفوكو
بشكل غريب تتشابه المدرسة مع الجامعة مع الثكنة , مع المعمل , حتى مع المشفى .. أسوار عالية , بوابة وحيدة , حديدية , سوداء غالبا , يتحكم بها عدد من الحراس .. داخلها يخضع كل شيء للإدارة , التي تضع شروط السلوك المقبول من أعضائها , تراقب الجميع , و تملك وحدها حق "محاكمتهم" و "عقابهم" .. الملابس الموحدة و غيرها تستخدم كرموز لتمييز التلاميذ أو الطلاب أو الجنود أو العمال و تصنيفهم , "كهوية لهم" .. المدرسة و الجامعة هي أماكن تلقين الفتيان و الفتيات ما يراد منهم أن يعرفوه , ما تحتاج السلطة المهيمنة أن "يتعلموه" .. و يفترض بهم أن يقبلوا كل ما يقال لهم على أنه "مطلق الصحة" .. لا يطالب التلاميذ فقط "بالانضباط" , بل أيضا بالاجتهاد , ان يتفوقوا على أنفسهم و على بعضهم قي حفظ كل ما يلقن لهم .. إنهم لا يعاقبون فقط على "كسلهم" في ترديد و حفظ ما يلقنونه أو عدم تقيدهم الحرفي "بالقوانين" التي يجب عليهم أن يعتبروها "طبيعية" أو "منطقية" أو "ضرورية" , بل أيضا على أية محاولة للتفكير بطريقة مختلفة .. تقمع كل محاولة عندهم للتفكير أو التصرف بشكل مستقل أو نقدي أو مخالف , هكذا يعدون ليصبحوا "رجال المستقبل" , "ليخدموا أوطانهم أو مجتمعاتهم" , حيث سيطالبون "بالعمل بكل تفاني" , لصالح السيد , انتهاءا "بالموت في سبيل الوطن" .. تخلق المدرسة و الجامعة , و فيما بعد الثكنة , كائنات خائفة خجولة منتهكة مستلبة مقموعة , تصل في حالة الجندي إلى مستوى تنفيذ الأوامر دون أي تفكير أو تردد , مجرد ماكينة قتل غبية , "في سبيل الوطن" .. إن كم الإيحاءات التي تمارس ضد البشر في الثكنة هي الأغزر , و الأكثر همجية , لأن هدفها خلق ماكينات قتل غبية .. حيث يلقن الجنود أنهم يتدربون "للدفاع عن الوطن" , تسحق كرامتهم و يذلون و يمتهنون , و تغرس فيهم كراهية كائنات غير مرئية , كل هذا لخلق أغبى درجات السمع و الطاعة داخلهم .. الجامعة هي المكان الوحيد الذي يتمتع فيه الطلاب , منتسبي الثكنة أو السجن الجامعي , بدرجة أكبر نسبيا من الحرية .. السبب هو أنها تتعامل أساسا مع كائنات "متمردة" , في أصعب مراحلها العمرية , عندما تكون رغبة طلابها في التمرد في أقصاها , و أيضا تعطشهم للمثل العليا .. لذلك تعمل على "تدجينهم" , إطفاء لهيب ثورتهم و القضاء على ظمئهم للمثل العليا , أو بكلمة : "دمجهم" في "المجتمع" , ليصبحوا "مواطنين صالحين" .. ينتقل الإنسان من العائلة الذكورية الأبوية حيث تبدأ عملية مسخه و تلقينه ما يراد له ان يعرف , ينتقل من مؤسسة قمعية إلى أخرى , ليستكمل أخيرا تحوله إلى روبوت , مطيع , خانع .. ينتهي هذا عادة في المعمل أو المكتب , حيث يجب عليه أن يعمل "بتفان" حتى النهاية لصالح السيد أو صاحب العمل أو السلطة .. ليس هذا فقط , بل إنه سيصبح عندها أبا , يقمع أطفاله , كأنا أعلى , تختزل كل ما عاشه هو نفسه من قمع , تحاول أن تقمع ذوات أطفاله , أنواتهم , و لا وعيهم , سينهي حياته بأن يصبح الأداة الأولى في تدجين أطفاله هو بالذات , لحساب نفس السادة الذين قمعوه , و الذين خدمهم طوال حياته ..
مازن كم الماز