نبذة مختصرة عن سيرة حياة مولاتنا السيدة الشريفة أم البنين الصحابية الجليلة فاطمة الكلابية {عليها السلام}، شهادتها في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة 64 للهجرة/محمد الكوفي الحداد - أبو جاســـــــم
Mon, 6 Apr 2015 الساعة : 19:47

"السلام عليكم" ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين المعصومين. بأصواتٍ حزينة ، و قلوبٍ كئيبة ، و أرواحٍ والهة و دموعٍ هاملة، و أكبادٍ مقرّحة، نعيش هذه الأيام ذكرى لأحياء الشعائر الدينية في ذكرى شهادة السيدة أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية. نرفع أحر التعازي لمولانا صاحب العصر و الزمان والى زوجها سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب {عليه السلام{, والى مراجع الدين وخصوصا إمامنا المفدى الإمام السيد علي الحسيني السيستاني دامت بركاته والى شيعة أمير المؤمنين {عليه السلام{، واعزي كذألك الأخوة والأخوات القراء الأعزاء والأخوة الطيبين في موقع شبكة اخبار الناصرية . فقراء ابو تراب. وبالخصوص الأخ المسؤول والمشرف والكادر العام ، في الموقع المحترمين، وأصحاب المواقع الإسلامية والعلمانية المحترمة،
حب أهل البيت ومودتهم {عليها السلام}: أن محبة أهل بيت رسول الله محمد {صلى الله عليه وسلم}: ومودتهم ، التي فرضها الله تعالى على عباده في كتابه ومحكم آياته وجعلها أجرا لنبوة سيد رسله وخاتم أنبيائه ، كما تشمل الأئمة المعصومين {ع} تشمل ذرا ريهم الذين ساروا في طريقهم واتبعوا نهجهم ، وخاصة مثل أبي الفضل العباس {ع} الذي أطاع أمامه وضحى بنفسه من أجله وقدم دمه وقاءا لدمه ففي مجمع البيان عن ابن عباس قال : {{ انه لما نزلت هذه الآية : «قل لا اسالكم عليه أجرا ألا المودة في القربى» قالوا : يا رسول الله من هؤلاء القربى الذين أمر الله بموالاتهم ؟ قال{ص }: علي وفاطمة وولدهما }} . وفي الخصال عن علي {ع} قال : {{ قال رسول الله {ص }: من لم يحب عترتي فهو لأحدى ثلاث : أما منافق وأما لزنية وأما حملت به أمه في غير طهر }} . وقال الفخر الرازي صاحب التفسير المعروف في ذيل تفسير الآية المباركة : «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» أقول : {{ آل محمد {ص } هم الذين يؤول أمرهم أليه فكل من كان أمرهم أليه اشد وأكمل كانوا هم الآل ولا شك أن فاطمة وعلي والحسن والحسين{ع} كان التعلق بينهم وبين رسول الله {ص } اشد التعلقات، وهذا ا كان المعلوم بالنقل المتواتر* أهلُ البيت {عليهم السلام}: بحرٌ زخّار من العلم والمعرفة، والتقوى والأخلاق الطاهرة، لأنّهم أقربُ الخَلْق إلى الخالق، ولأنّهم المتّصلون بمعبودهم والواصلون إلى حيثُ لا يَلحَقُهم لاحق، ولا يَفوقُهم فائق، ولا يَسبِقُهم سابق، ولا يطمع في إدراكهم طامع. وتبقى غايةُ الناس وشرفُهم أن يَقْدِموا إليهم لا أن يَتقدّموهم، وأن يتأخّروا بالاتّباع لهم لا أن يتأخّروا عنهم إلى غيرهم، وأن يتّصلوا بهم لا أن يَصِلوا إليهم، وأن يُسلّموا لهم لا أن يكتفوا بأن يُسالموهم. وكان هنالك جماعة حالَفَهم التوفيق، حيث جَدّوا في أن يُوالوا أهلَ البيت {عليهم السلام.{ مُوالاةَ محبّةٍ واتّباع، ومُوالاةَ إجلالٍ وتسليم، فحَظَوا بأن قدّمَ لهم أهل البيت ما فيه كرامتهم وسعادتهم. ومن تلك الجماعة السيّدة الفاضلة المكرَّمة أمُّ البنين، زوجة الإمام أمير المؤمنين، {ص.{ وعلى أبنائهما الطيّبين. وكان لولايتها الصادقة المخلصة للإمام عليّ {عليه السلام.{ ولأولاده الميامين، {سلام الله عليهم أجمعين}، آثارٌ مباركة عليها وعلى مَن أحبّها وأكرمَها وجلّلها، ومنهم: مَن ذكَرَها في محافل العزاء، وعلى قراطيس المحبّة والولاء. وقد كتب الكثيرُ حول أمّ البنين المرأةِ الطاهرة الطيّبة، وما زالت الأقلام تدوّن فصولاً من حياتِها الشريفة، ومواقفها المنيفة، ولكنّ هذا الكتاب الذي بين أيدينا { أمّ البنين، عقيلة أمير المؤمنين } كان له امتيازاته، منها:
* * * * * * « 1 » * * * * * *
1} ــــ « استشهدت السيدة أم البنين {عليها السلام} الثالث عشر من جمادى الثانية يوم الجمعة عام64 بعد مقتل الإمام الحسين ذكرى شهادة أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابي العامري زوج أمير المؤمنين {عليهما السلام{، على ما تذهب إليه بعض الروايات. ومكان دفنها في المدينة المنورة {البقيع}. من هي أم البنين {عليها السلام{،هي أم للشهداء الأربعة الذين سقطوا بين يدي مولاهم وأمامهم الحسين بن علي {عليها السلام{، وهي وليدة الطهر وقرينة الإيمان وعديلة الوفاء والنبت الذي غرسه فحول العرب لينجب تجربة ثورية رائدة وجديدة في عالم الاستشهاد .»{1}.
* * * * * * « 2 » * * * * * *
2} ــــ « بسم الله الرحمن الرحيم { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } الحشر:-9-. اقرأ المزيد: معنى خصاصه هي الحاجه والافتقار وتعني الايه أنهم يمنحون غيرهم ولو على حساب أنفسهم أي وهم بأمس ألحاجه لذلك الشيء مثل أن يعطي إنسان شخصا ما رغيف خبز هو لا يملك غيره وهو جائع وبحاجه له فيؤثر غيره على نفسه إي يقدم غيره على نفسه وهذآ معنى "الإيـــثار" وهو أسمى درجات الكرم ، وأرفع مفاهيمه ، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة ، إلا الذين جلوا بالأريحية ، وبلغوا قمة السخاء ، فجادوا بالعطاء ، وهم بأمسّ الحاجة إليه ، وآثروا بالنوال ، وهم في ضنك من الحياة . وقد أشاد القرآن بفضلهم قائلاً : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }، كيف إذا قدم الإنسان أبنائه شهداء في سبيل الله تعالى،
الشهادة مشروع حياةٍ كثير البركات يقتحم الشهيدُ الموتَ من أجله، فبشهادته تحيا الأمة من بعده حياة عزّ وكرامة، ويحيا هو عند ربّه حياة طيّبة ناعمة، فالموت في ثقافة الشهادة يُطلب لغيره لا لذاته. والشهادة بسمة أمل، يرسمها الشهيد بدمه الطاهر على ملامح أمة طالما خدّ الحزن والأسى أخاديد اليأس والقنوط ببزوغ فجر العدالة والحرية. والشهادة وضوح لا غموض فيه، وصفاء لا ضبابيّة معه، ويقين لا شكّ يعتريه، وحق لا باطل يشوبه، والهدوء يظلّل الشهيد، والطمأنينة تملأ نفسه، والسكينة لا تراوحه. والشهادة مظهر من مظاهر بأس الله تعالى، وهي بركان ثائر وإعصار مدمّر لعروش بنتها الجبابرة والطغاة من دماء وأقوات المحرومين { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ}. والشهادة بِرّ ليس فوقه بِر، حيث يقتل الشهيد في سبيل الله تعالى، صادعاً بقبول صفقة شراء النفس والمال التي تقدّم ربّ العزة والجـلال بها للمؤمنـين {بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}. والشهادة إيثار سطّر به الشهيد أعلى مراتب البذل والسخاء، حيث قدّم أغلى ما يملك، "والجود بالنفس أقصى غاية الجودي"، واثق بأنّ تجارته مع الله تعالى رابحة لا خسارة فيها .»{2}.
* * * * * * « 3 » * * * * * *
السيدة أم البنين زوجة الإمام أمير المؤمنين {عليها السلام}: في سطور.
«تزوج ام البنين الكلابية فانه ليس في العرب على وجه الاطلاق اشجع من آبائها ولا افرس» .
1} ــــ « اسمها: {عليها السلام}:« وإن اسم أم البنين هو : من آل الوحيد ، وأهلُها هم من سادات العرب ، وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين ، هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الوحيد بن كلاب بن ربيعة العامري.. أهلها من سادات العرب وأشرافها وزعمائها وهم أبطال مشهورون ويعرفها التاريخ بأن أبناءها من فرسان العرب في الجاهلية ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد حتى أذعن لهم الملوك.. فإنّ من قومها أبا عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب جد تهامة والدة أم البنين وهو الجد الثاني لأ البنين يلقب بملاعب الأسنة لفروسيته وشجاعته.
أمها : أمها ثمامة بنت السهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وهي بذلك من قبيلة بني كلاب وهي من أشراف العرب واشتهرت بالفروسية والشجاعة، زوجها هو علي بن أبي طالب تزوجها بعدة وفاة زوجته فاطمة الزهراء{ عليها السلام }،
فاطمة الجليلة المكرّمة، هي فاطمة بنت حزام وهو أبو المحل بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب، وأمها ثمامة بنت سهل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب،
آباء وأمهات أم البنين {عليها السلام}:وأمها عمرة بنت الطفيل فارس فرزل بن مالك الاحزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب، وأمها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس الهوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأمها فاطمة بنت جعفر بن كلاب، وأمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وأمها آمنة بنت وهب بن نمير بن نصر بن قصي بن كلاب، وأمها آمنة بنت أسد بن خزيمة، وأمها بنت جحدر بن ضبيعة الأعز بن قيس بن ثعلبة بن عكاسة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن زار، وأمها بنت مالك بن قيس بن ثعلب وأمها بنت ذي الرأسين وهو خشيش بن أبي عصم بن سمح بن فزارة وأمها بنت عمرة بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن نفيض بن الريت بن غطفان. » حفظ لنا التاريخ شيئاً عن حياة واحدة من كبريات النساء، بلغت من رفعة المركز، تلك أهي {أم البنين} العابدة الزاهدة المحبة للخير الصانعة للمعروف الناهية عن المنكر، فهي مع حداثة سنها قد نالت بفضل جدها واجتهادها وذكائها المعيتها مكانة لائقة في المجتمع وحب أهل الفضل بها، ولا يعرف الفضل إلا ذووه .»{3}.
* * * * * * « 4 » * * * * * *
4} ــــ « الأب: { رضوان الله عليه وأبوها أبو المحل ، واسمُه : « حزام بن خالد بن ربيعة ألكلابي. من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الأضياف، وأما أسرتها فهي من أجلّ الأسر العربية، وقد عرفت بالنجدة والشهامة، وقد اشتهر جماعة بالنبل والبسالة منهم: »{4}.
* * * * * * « 5 » * * * * * *
5} ــــ « اسمها ونسبها : إن أم البنين { عليها السلام } غلبت كنيتها على اسمها لأمرين : كنايتها كنيت فاطمة بنت حزام بأم البنين على كنية جدتها من قبل آباء الأم وهي ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعه،
1 - أنها كُنِّيَت بـ { أم البنين } تشبهاً وتيمناً بجدتها ليلى بنت عمرو حيث كان لها خمسة أبناء .
2 - التماسها من أمير المؤمنين { عليه السلام } أن يقتصر في ندائها على الكنية ، لئلا يتذكر الحسنانِ { عليهما السلام } أمَّهما فاطمة { عليها السلام }، يوم كان يناديها في الدار .
وكنيت بأم البنين لأن لها اربع أبناء كلهم استشهدوا في كربلاء مع الحسين سيد الشهداء {عليه السلام}، وهي من قبيلة بني كلاب من العرب الاقحاح من بني عامر بن صعصعة، شهيرة بالشجاعة والفروسية.
والرائي الثاني: اما عن علة تسميتها هنا بأم البنين ، فنشير الى ان العرب في الجاهلية والاسلام كانت تضع هذا الاسم وتكنى به المرأة التي تلد ثلاثة ابناء فما فوق .
والمفروض هنا هو ان هؤلاء الابناء لا يأتون الى الحياة الدنيا إلا بعد زواج المرأة وولادتها العدد المذكور من الابناء ـ وهذا الأمر يتطلب تأخير وضع الاسم ـ ام البنين ـ الى ما بعد هذه الولادة والانجاب بهذا العدد من الذكور .
1ـــ أم البنين معالي التضحية والوفاء من هي تلك المرأة ؟ غلبت الكُنية على الاسم، لأمرين، الأوّل: لأنّها كُنّيت بـ « أمّ البنين » تشبّهاً وتيمّناً بجدّتها ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث كان لها خمسة أبناء أكبرهم أبو براء مُلاعب الأسنّة، وقد قال لبيد الشاعر للنعمان ملك الحيرة مفتخراً بنسبه ومشيراً إليها: نـحـن بنو أمّ البنين الأربعة ونحن خيرُ عامر بنِ صعصعه الضاربونَ الهامَ وسطَ المجمعه ونحن خير عامر بن صعصعة.
2- « أمّا السبب الثاني في غلبة الكنية فهو التماسها أن يقتصر أميرُ المؤمنين {عليه السّلام{، في ندائِه عليها، على الكنية، لئلاّ يتذكّر الحسنانِ {عليهما السّلام{، أمَّهما فاطمة صلوات الله عليها يوم كان يناديها في الدار، إذْ أنّ اسم أمّ البنين هو { فاطمة} الكلابيّة من آل الوحيد، وأهلُها هم من سادات العرب وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين، وأبوها أبو المحلّ واسمُه حزام بن خَالد بن ربيعة.. فأمّ البنين {عليها السّلام{، تنحدر من آباء وأخوال عرفهم التاريخ وعرّفهم بأنّهم فرسان العرب في الجاهليّة، سطّروا على تلك رمال الصحراء الأمجاد المعروفة في المغازي فتركوا الناس يتحدثون عن بسالتهم وسؤددهم، حتّى أذعن لهم الملوك، وهمُ الذين عناهم عقيلُ بن أبي طالب{عليها السّلام{، بقوله لأخيه الإمام عليّ {سلام الله عليه}: « ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس. »{5}.
* * * * * * « 6 » * * * * * *
6} ــــ « رؤيا حزام: كان حزام بن خالد بن ربيعة في سفر له مع جماعة من بني كلاب، نائم في ليلة من الليالي فرأى فيما يرى النائم كأنه جالس في أرض خصبة وقد انعزل في ناحية عن جماعته وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها ورونقها وإذا يرى رجلاً قد أقبل إليه من صدر البرية على فرس له فلما وصل إليه سلم فرد { عليه السلام } ثم قال له الرجل بكم تبيع هذه الدرة، وقد رآها في يده فقال له حزام إني لم أعرف قيمتها حتى أقول لك ولكن أنت بكم تشتريها فقال له الرجل وأنا كذلك لا أعرف لها قيمة ولكن إهدها إلى أحد الأمراء وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير، قال ما هو قال اضمن لك بالحظوة عنده والزلفى والشرف والسؤدد أبد الآبدين، قال حزام أتضمن لي بذلك قال نعم قال: وتكون أنت الواسطة في ذلك قال وأكون أنا الواسطة أعطني إياها فأعطاه إياها.
فلما انتبه حزام من نومه قص رؤياه على جماعته وطلب تأويلها فقال له أحدهم ان صدقت رؤياك فانك ترزق بنتا يخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشرف والسؤدد.»{6}.
* * * * * * « 7 » * * * * * *
7} ــــ « مولد أم البنين و نشأتها:{عليها السلام}: لقد ولدت فاطمة {ام البنين} الكلابية في حدود عام {5 - هـ} في أصح الأقوال أي أنها تصغر بنسبة واحدة عن عمر الحسين {عليها السلام}،
فلما رجع من سفره، وكانت زوجته ثمامة بنت سهيل حامل بفاطمة أم البنين وصادف عند قدومه من السفر ان وضعت فبشروه بذلك فتهلل وجهه فرحاً وسر بذلك، وقال في نفسه قد صدقت الرؤيا، فقيل له ما نسميها فقال لهم سموها: «فاطمة».
نشأتها: تربت السيدة أم البنين ــ رضي الله عنها ــ في أسرة عريقة شريفة من أجل الأسر منزلة وأعلاها شرفا وأجمعها للمآثر الكريمة والخصال الحميدة التي تفتخر بها سادات العرب كالجود والكرم والشجاعة والمحاصة والحمية والاباء ومكارم الاخلاق ومحامد الخصال من العفة والطهارة والنبل والكرم وأمثالها ونشأت على الايمان والزهد والتقوى فكانت تقية متورعه عفيفة النفس لينة الجانب فبوركت لها تلك النشأة وهنيئا لها تلك التربية.
2- نشأتها : ونشأت أم البنين { عليها السلام }: في حضانة والدين شفيقين حنونين هما حزام بن خالد بن ربيعة، وثمامة بنت سهيل بن عامر، وكانت ثمامة أديبة كاملة عاقلة، فأدبت ابنتها بآداب العرب وعلمتها بما ينبغي أن تعلمها من آداب المنزل وتأدية الحقوق الزوجية وغير ذلك مما تحتاجه في حياتها العامة وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد =\دفلما كبرت كانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد ، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً ، لذا وقع اختيار عقيل عليها لأن تكون قرينةَ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب {عليه السلام}.
وأم البنين متميزة بقابلياتها واستعداداتها للتعليم، وقد وهبها الله عز وجل نفساً حرة عفيفة طاهرة وقلباً سليماً زكياً ورزقها فطنة وذكاء، وعقلاً رشيداً أهَّلَّها لمستقبل سعيد . كان حزام بن خالد بن ربيعة في سفر له مع جماعة من بني كلاب، نائم في ليلة من الليالي فرأى فيما يرى النائم كأنه جالس في أرض خصبة وقد انعزل في ناحية عن جماعته وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها ورونقها وإذا يرى رجلاً قد أقبل إليه من صدر البرية على فرس له فلما وصل إليه سلم فرد ثم قال له الرجل بكم تبيع هذه الدرة، وقد رآها في يده فقال له حزام إني لم أعرف قيمتها حتى أقول لك ولكن أنت بكم تشتريها فقال له الرجل وأنا كذلك لا أعرف لها قيمة ولكن أهدها إلى أحد الأمراء وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير، قال ما هو قال اضمن لك بالحظوة عنده والزلفى والشرف والسؤدد أبد الآبدين، قال حزام أتضمن لي بذلك قال نعم قال: وتكون أنت الواسطة في ذلك قال وأكون أنا الواسطة أعطني إياها فأعطاه إياها فلما انتبه حزام من نومه قص رؤياه على جماعته وطلب تأويلها فقال له أحدهم إن صدقت رأياك فانك ترزق بنتا ويخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشرف والسؤدد فلما رجع من سفره، وكانت زوجته ثمامة بنت سهيل حاملة بفاطمة أم البنين وصادف عند قدوم زوجها من سفره كانت واضعة بها فبشروه بذلك فتهلل وجهه فرحاً وسر بذلك، وقال في نفسه قد صدقت الرؤيا، فقيل له ما نسميها فقال لهم سموها: { فاطمة} وكنوها { أم البنين } وهذه كانت عادة العرب يكنون المولود ويلقبونه في الوقت الذي يسمونه فيه وهو يوم الولادة وقد أقر الإسلام هذه العادة وأمر رسول الله { صلى الله عليه وآله} بها كما لقب وكنى الحسن والحسين { عليهما السلام} فكنية الحسن { أبو محمد} ولقبه {المجتبى} وكنية الحسين {أبو عبد الله} ولقبه { السبط } وجعلها { صلى الله عليه وآله} سنة في أمته وذلك لئلا يكنى المولود بكنية غير طيبة ويلقب بقلب غير حسن، بحيث لو خوطب المكنى أو المقلب به تشمئز نفسه ويغضب بذلك ومن هنا أشار الله {عز وجل} في محكم كتابه المجيد بقوله {ولا تنابزوا بالألقاب بأس الاسم الفسوق.
فلما كبرت وبلغت مبلغ النساء كانت مضرب المثل، لا في الحسن والجمال والعفاف فحسب، بل وفي العلم والآداب والأخلاق، فكانت موضع اختيار عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين { عليه السلام }، وما ذلك إلا لأنها كانت متصفة بصفات الكمال والآداب الحسنة والأخلاق الكاملة، علاوة على ما هي فيه من النسب الشريف والحسب المنيف مما جعل عقيل بن أبي طالب يرى فيها الكفاءة بأن تكون قرينة أخيه أمير المؤمنين { عليه السلام }، وشريكة حياته.»{7}.
* * * * * * « 8 » * * * * * *
8} ــــ « وبعد رحيل الزهراء { عليها السلام } الى جوار ربها {ت 11هـ}{1} والذي تم هذا بعد فترة قصيرة من رحيل والدها { صلى الله عليه وآله}، الى الرفيق الاعلى والتي هي {72 يوم} او اكثر ، طلب الامام علي { عليه السلام }، من اخيه عقيل بن ابي طالب {ت 60هـ} والذي كان مختصاً بعلم انساب العرب واحسابها بل كان حجة كبيرة في ذلك ، وكان ايضاً احد الذين يتحاكم اليهم الناس في علم الانساب{2} ، طلب منه ان يختار له امرأة حيث خاطبه بالحرف :
«انظر لي امرأة قد ولدتها الفحول من بني العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً» .
وانما طلب الامام من اخيه هذا الأمر وذلك لان العرب ـ في الجاهلية والاسلام ـ كانت تولي مسألة الاحساب والانساب مكانة خاصة واهمية عظمى ، حيث كانوا ولا زالوا على مدار التاريخ يحتفظون بأنساب قبائلهم وافخاذهم وبطونهم بصورة جيدة وكاملة وهو الذي ندعوه الآن ـ بعصبة الدم ـ وسواء كان هؤلاء العرب من قبائل العدنانية التي تقطن في الشمال عند مكة واطرافها او من القبائل القحطانية من عرب الجنوب الذين يقيمون في اليمن وحواليه{3} .
{1} ان حرف {ت} الذي يرد في هذا الكتاب يشير الى تاريخ الوفاة .
{2} لقد كان في قريش اربعة اشخاص يتحاكم اليهم في علم النسب وايام قريش ويرجع الى قولهم وهم : عقيل بن ابي طالب ، مخرمة بن نوفل الزهري ، ابو الجهم بن حذيفة العدوي ، حويطب بن عبد العزى العامري وكان عقيل اسرعهم جواباً وابلغهم واقدمهم .
{3} لازال ابناء اليمن الى الان ـ كبقية العرب ـ يعتزون بأنسابهم واحسابهم.»{8}.
* * * * * * « 9 » * * * * * *
9} ــــ « الاقتران المبارك : أراد الإمام علي { عليه السلام }، أن يتزوج من امرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة والإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيّبة عالية ، ولهذا طلب أميرُ المؤمنين { عليه السلام }، من أخيه عقيل - وكان نسابة عارفاً بأخبار العرب - أن يختار له امرأةً من ذوي البيوت والشجاعة ، فأجابه عقيل قائلاً :
}أخي ، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها{ .
ثم مضى عقيلُ إلى بيت حزام ضيفاً فأخبره أنه قادم عليه يخطب ابنتَه الحرة إلى سيد الأوصياء علي { عليه السلام }،
فلما سمع حزام ذلك هَشَّ وَبَشَّ ، وشعر بأن الشرف ألقى كلاكله عليه ، إذ يصاهر ابنَ عم المصطفى { ص } ، ومَن ينكر علياً { عليه السلام }، وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة .
فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وخفت به البشارة .
وكان الزواج المبارك على مهرٍ سَنه رسول الله { صلى الله عليه وآله } في زوجاته وابنته فاطمة { عليها السلام }، وهو خمس مئة درهم.»{9}،
* * * * * * « 10 » * * * * * *
10} ــــ « اختيار وانتقاء: روي أن أمير المؤمنين { عليه السلام } قال لأخيه عقيل { عليه السلام } وكان نسَّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها فتزوجها الإمام علي بن ابي طالب{ عليه السلام }، ليكون إلا لمعرفة الامام بأنساب العرب وقبائلها ، وما تمتاز به بعض هذه القبائل من مكارم وفضائل {وهو ما ندعوه بالأصل والفصل} ، وما يلوك سواها من سيئات وسمعه بذيئة لغرض تجنب المصاهرة مع الاخيرة وذلك وفقاً لما ينقل عن الرسول الكريم {صلى الله عليه وآله}، في هذا الصدد بقوله :
«إختاروا لنطفكم فان العرق دساس» .
وقوله {عليه السلام}: أيضاً : «اعرفوا انسابكم تصلوا ارحامكم» .
وقوله : «ان الخال احد الضجيعين» .
وقوله { صلى الله عليه وآله} : «اياكم وخضراء الدمن» ، وحين سئل : «ما خضراء الدمن» قال : «المرأة الحسناء في منبت السوء» .
ومن هذا جاء المثل العربي الشائع وهو : «الولد لخاله» {1} .
وهكذا كانت افخاذ وبطون عامر وكعب وكلاب ـ وهي التي وقع الاختيار عليها من قبل عقيل لغرض مصاهرة اخيه منها ـ هي قمة الافخاذ والبطون العربية شرفاً وعزة وشجاعة ومروءة في عهدي الجاهلية والاسلام .
ولقد أشار إلى هذه الحقيقة أحد الشعراء حين نظم في ذم فخذ نمير فقال :
فغضّ الطرف انك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا
كما واشار شاعر عربي ثاني وهو أوس بن حجر الى ذلك حيث نظم في
{1} يشير العلم الحديث الى ان المرء يرث صفاته المعنوية والجسدية عن اعمامه واخواله بل وعن جدوده سواء لابيه ام لامه .
لذا اهتم العرب بالنسب اهتماماً كبيراً واعتبروه سبباً في التعارف وسلماً للتواصل فيما بينهم. »{10}.
* * * * * * « 11 » * * * * * *
11} ــــ « خطبة وزواج: مضى عقيل بن أبي طالب في مهمته بأمر أخيه أمير المؤمنين { عليه السلام } حتى ورد بيت حزام بن خالد الكلابي ضيفا على فراش كرامته وكان خارج المدينة، فرحب به ونحر له النحائر وأكرم مثواه غاية الأكرام، وكانت عادة العرب لا يسألون الضيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام الضيافة.
فلما انقضت وجاء اليوم الرابع جاء حزام إلى عقيل بن أبي طالب وجلس إلى جانبه وخاطبه بكل تأدب وتبجيل قائلاً هل من حاجة فتقضى أو ملمة فتمضى من مال أو رجال فنحن رهن أشارتكم فقال له عقيل جئتك بالشرف الشامخ والمجد الباذخ، فقال حزام وما هو يا بن عم رسول الله { صلى الله عليه وآله}، قال جئتك خاطباً قال من لمن.
قال عقيل أخطب ابنتك الحرة فاطمة أم البنين إلى يعسوب الدين والحق اليقين وقائد الغر المحجَّلين وسيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
فلما سمع حزام هش وبش ثم قال بخ بخ بهذا النسب الشريف والحسب المنيف لنا الشرف الرفيع والمجد المنيع بمصاهرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وبطل الإسلام وقاسم الجنة والنار، ولكن يا عقيل أنت جد عليم ببيت سيدي ومولاي، أنه مهبط الوحي ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وأن مثل أمير المؤمنين ينبغي أن تكون له امرأة ذات معرفة عن علم وآداب في ثقافة وعقل مع أخلاق حسنة حتى تكون صالحة لشأنه العالي ومقامه السامي، وأن ابنتنا من أهل القرى والبادية وأهل البادية غير أهل المدينة ولعلها غير صالحة لأمير المؤمنين { عليه السلام } ،
فقال عقيل يا حزام أن أخي يعلم بكل ما قلته وأنه يرغب في التزويج بها فقال حزام إذاً تمهل حتى أسأل عنها أمها هل تصلح لأمير المؤمنين أم لا، فإن النساء أعلم ببناتهن من الرجال في الأخلاق والآداب .»{11}.
0ت* * * * * * « 12 » * * * * * *
12} ــــ « رؤيا وبشارة: قام حزام من مجلسه وجاء ليسأل، فلما قرب من المنزل وإذا هو يرى فاطمة جالسة بين يدي أمها وهي تمشط رأسها وفاطمة تقول: يا أماه أني رأيت في منامي رؤيا البارحة، فقالت لها أمها خيراً رأيت يا بنية قصيها علي: فقال حزام في نفسه انتظر حتى أسمع ماذا رأت في منامها، فوقف في مكانه بحيث يسمع الصوت ولا يراه أحد.
فقالت فاطمة لأمها أني رأيت فيما يرى النائم كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية وكانت السماء صاحية والقمر مشرقاً والنجوم ساطعة وأنا أُفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه وإذا أرى كأن القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زواهرٍ قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول:
بشـراك فاطمة بالسادة الغـرر ثــلاثة أنجم والـزاهر القــمـر
أبــوهم سيد في الخلـق قاطبة بعد الرســول كذا قد جاء في الخبر
فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها؟
فقالت لها أمها يا بنية ان صدقت رؤياك فانك تتزوجين برجل جليل القدر رفيع الشأن عظيم المنزلة عند الله مطاع في عشيرته، وترزقين منه أربعة أولاد يكون أولهم وجهه كأنه القمر وثلاثة كالنجوم الزواهر.
فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية قد صدقت رؤياك فقالت الام وكيف علمت ذلك قال هذا عقيل بن أبي طالب جاء يخطب ابنتك قالت لمن قال لفلال الكتائب ومظهر العجايب وسهم الله الصائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب { عليه السلام }، قالت وما الذي قلت له قال أمهلته حتى أسألك عن ابنتك، هل تجدين فيها كفاءة بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين واعلمي أن بيته بيت الوحي والنبوة والعلم والآداب والحكمة فإن تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلا فلا.
فقالت يا حزام اني والله قد ربيتها وأحسنت تربيتها وأرجو الله العلي القدير أن يسعد جدها وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين فزوجها .
فلما سمع حزام سر بذلك سروراً عظيماً وأقبل إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل ما ورائك قال كل الخير إن شاء الله قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين { عليه السلام }، فقال عقيل لا تقل خادمة بل قل زوجة.
ثم قال عقيل يا حزام هل عندكم اقتراح في الصداق قال حزام هي هبة منا إلى ابن عم رسول الله { صلى الله عليه وآله}، فقال عقيل بل ممهورة.
أما المهر فهو ما سنّه رسول الله { صلى الله عليه وآله}، في بناته وزوجاته خمسمائة درهم، وأما الهدية فلكم ما يرضيكم ويزيد فقال حزام أعلم يا عقيل إنا لا نطمع في كثرة المال ولكن نطمع في شرف الرجال ثم نهض حزام من وقته وساعته ودخل على زوجته ثمامة بنت سهيل وهو يقول: البشارة فإنه قد سعد جدك وعلا مجدك وارتفع ذكرك فقد قبل عقيل بن أبي طالب ابنتك زوجة لأخيه أمير المؤمنين صاحب الأنوار والهيبة والوقار، فلما سمعت ذلك منه خرت ساجدة لله شكراً وقالت الحمد لله الذي جمع شملنا بمحمد المصطفى{ صلى الله عليه وآله}، وعلي المرتضى {عليه السلام}، ثم أقبلت على ابنتها فاطمة تهنئها وتقبلها .»{12}.
* * * * * * « 13 » * * * * * *
13} ــــ « خطبة عقيل ببني كلاب وبني عامر: ثم أن حزام خرج ودعى عشيرته وقومه من بني كلاب وبني عامر، فلما اجتمعوا قام عقيل بن أبي طالب خطيبا: فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه { صلى الله عليه وآله}، ثم قال: أما بعد يا بني كلاب ويا بني عامر بن صعصعة، نحمد الله نحن العرب إذ جعلنا من خير خلقه وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا محمداً { صلى الله عليه وآله}، من شجرة النبوة وجاءنا بدين الله القويم الذي ارتضاه لنا إذ يقول القرآن: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} آل عمران: 19 وقال عزوجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} آل عمران: 85.
وأمرنا بنبذ البغضاء والشحناء والأحقاد، وحبب لنا صلة الأرحام والتقارب والاتحاد، إذ يقول جل ذكره: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات: 13. وحرم علينا الزنى والسفاح، وأحل لنا الزواج والنكاح، إذ يقول {عز شأنه}: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم: 21.
وقال رسول الله { صلى الله عليه وآله}: «تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم» وهذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، قد أحب مصاهرتكم وخطب إليكم كريمتكم فاطمة أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة، على كتاب الله وسنة رسوله، وقد ذكر القرآن {تبارك والله}: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى:11 و{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}، ثم جلس.»{13}.
* * * * * * « 14 » * * * * * *
14} ــــ « خطبة حزام: وقام حزام بن خالد، خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه ثم قال: يا قومي قد سمعتم ما قاله ابن عم رسول الله { صلى الله عليه وآله}، عقيل بن أبي طالب من ذكر نبينا محمد { صلى الله عليه وآله}، ودين الإسلام القويم وأني أشهدكم وأشهد الله أني أدين بدين هذا النبي الكريم وأطيعه فيما نهاني عنه وما أمرني به وأني قد ارتضيت علي بن أبي طالب لابنتي بعلاً، وارتضيتها له سكناً وبما أنكم عشيرتي وقومي أطلعتكم على هذا الأمر فما تقولون؟
فقالوا: «يا حزام ما تريدنا أن نقول في ابن عم رسول الله { صلى الله عليه وآله}، وناصر دين الله ومن لنا بأكرم منه حسباً أو بمثله نسباً، ـ فلنا الشرف والمجد والسؤدد ومن لنا بأكرم منه حسباً أو بمثله نسباً ـ فلنا الشرف والمجد والسؤدد في قربه منا وانتسابنا إليه، فنعم ما صنعت وخير ما رأيت».
فعند ذلك أخذ عقيل من أم البنين الأذن لأجراء صورة العقد واجراه في حضور جماعة من بني كلاب وأشهد منهم جماعة على ذلك. ولما أراد عقيل السفر ودع بني كلاب وبني عامر وودع حزام وشكره على ما صنعه معه، من الحفاوة وعلى تلبيته لطلب أمير المؤمنين بالترحيب ثم ضرب لهم موعداً لأرسال الصداق حتى يرسلوا العروس، ثم قفل راجعاً إلى المدينة وعندما وصل عقيل إلى المدينة وأخبر أمير المؤمنين {عليه السلام}، بما جرى فأرسل لهم الصداق مع الهدايا والتحف ما غمرهم به.»{14}.
* * * * * * « 15 » * * * * * *
15} ــــ « تجهيز للزفاف: فلما وصلت الهدايا والتحف والصداق نهضت ثمامة والدة أم البنين، ودعت جاريتها وقالت لها أمضي إلى داية ابنتي وقولي لها تأتي مسرعة، فمضت وما أسرع أن رجعت ومعها الداية، فقالت لها قومي وخذي ابنتي وأصلحي شأنها فإنا نريد تزويجها، قالت ومن ذا يكون بعلها قالت أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأبو الريحانتين والإمام الهمام علي بن أبي طالب {عليه السلام}، ففرحت الداية فرحاً شديداً وقالت الحمد لله رب العالمين فقد سعد حظها وعلا قدرها.
ثم قامت وهنأت فاطمة بالسعادة الأبدية وأصلحت شأنها كما ينبغي وألبسوها الثياب الفاخرة وزينوها بالحلي والحلل.
ثم أمر حزام بإعداد خمسة هوادج مزينة بأحسن الزينة واركبوا فاطمة أم البنين وأمها في هودج، وقد غشوه بالحرير والأبريسم والنساء من بني عمومتها في بقية الهوادج من خلفها وركبت عشرة فوارس من بني كلاب يحفون بالهوادج وهم مسلحون بالسيوف الهندية والرماح الخطية وجاؤا جميعاً إلى المدينة، فلما وصلوا خرجت في استقبالهم النساء والرجال من بني هاشم وهم في فرح وسرور فأمر أمير المؤمنين {عليه السلام}، أن تعمل لهم وليمة عظيمة تليق بشأنه وبشأنهم وأكرمهم غاية الإكرام ومكثوا ثلاثة أيام في ضيافة أبي الحسن {عليه السلام}،.»{15}.
* * * * * * « 16 » * * * * * *
16} ــــ « زواجها:{عليه السلام}:تزوج الإمام علي {ع} فاطمة بنت حزام ابن خالد سنة 24 للهجرة وأنجبت له في الرابع من شعبان سنة 26 للهجرة العباس وسنة 27 للهجرة جعفر وسنة 29 للهجرة عثمان وسنة 32 للهجرة عبد الله. وهكذا لُقبت {رضوان الله عليها بأم البنين .
كما أن أم البنين طلبت من الإمام علي {ع} أن يسميها يعذا الاسم وأن لا يناديها بفاطمة حتى يدخل الحزن على أولاد فاطمة الزهراء {ع} بسماع اسم أمهم.
تزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذلك بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء {عليها السلام}،
و قال الطبري : ثم تزوّج ـ أي علي {عليه السَّلام}، بعد فاطمة {عليها السَّلام}، ـ أم البنين بنت حزام ،
وختلف المؤرخون أن تكون فاطمة الكلابية الزوجة الثانية ل علي بن أبي طالب فقيل انها الثالثة أو الرابعة وتسبقها أمامة بنت أبي العاص وخولة بنت جعفر بن قيس الحنفية. كانت ولادتها على الارجح في السنة الخامسة للهجرة الشريفة، تزوجت من امير المؤمنين علي عليه السلام بعد السنة الرابعة والعشرين من الهجرة الشريفة وذلك لأن الأمير {عليه السلام}، تزوجها بعد إمامة بنت زينب ربيبة الرسول الاعظم {صلى الله عليه وآله}.»{16}.
* * * * * * « 17 » * * * * * *
17} ــــ « أولاد السيدة أم البنين فاطمة زوجة أمير المؤمنين {عليه السلام}: لها من الاولاد كما ذكرنا اربعة ابطال العباس «أبو الفضل» وعبد الله، وجعفر، وعثمان.. استشهدوا جميعاً تحت راية الإمام الحسين {عليه السلام}، في بطفّ كربلاء، وكانوا آخر من قتل، وآخرهم أفضلهم وهو أكبرهم أيضاً العباس {عليه السلام}، حامل لواء أخيه الحسين عليه السلام، وساقي عطاشى كربلاء، وهو من الشهرة ماهو معروف مُغني عن ذكره .»{17}.
* * * * * * « 18 » * * * * * *
18 } ــــ « مجمع المكارم : أم البنين { عليها السلام }: من النساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى ( عليها السلام ) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيام العيد.
فقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية ، وإن مِن صفاتها الظاهرة المعروفة فيها هو :{ الوفاء} . فعاشت مع أميرِ المؤمنين { عليه السلام } في صفاءٍ وإخلاص ، وعاشتْ بعد شهادته
{ عليه السلام } مدّة طويلةً لم تتزوج من غيره ، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت . وقد روت حديثاً عن علي { عليه السلام } في أن أزواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده.
وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء{ عليها السلام } وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة - العباس وأخوته -{ عليهم السلام }، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين { عليه السلام }، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه.»{18}.
* * * * * * « 19 » * * * * * *
19} ــــ « أم البنين كانت مدرسة لتعليم البنات وتربية النساء وحياتها كلها مدرسة تفيض من الدروس الأخلاقية والإيمانية والجهادية.
هي زوجة ولي الله الإمام علي بن ابي طالب { عليه السلام } فاطمة بنت حزام الكلابية, المشهورة بلقب أم البنين..
تلك المرأة العظيمة امتازت بالشجاعة والتضحية ومحامد الأخلاق, فمنذ زواجها بالإمام علي { عليه السلام } كانت نعم الزوجة ونعم الأم لأولاده حيث زرعت في نفوسهم الشجاعة والتضحية وربتهم لليوم الذي أدخرهم له الإمام علي ليقفوا بجانب الإمام الحسين ويشاركوا بإنقاذ الدين بدمائهم وأرواحهم.»{19}.
* * * * * * « 20 » * * * * * *
20} ــــ «
أم البنين و الشعر : كانت اُم البنين شاعرة فصيحة ، تخرج بعد مقتل الحسين { عليه السَّلام } و مقتل أولادها الأربعة كلّ يوم إلى البقيع و معها عبيد الله ولد ولدها العباس ، فتندب أولادها ـ خصوصاً العباس ـ أشجى ندبة ، فيجتمع الناس فيسمعون بكاءها و ندبتها ، و كان مروان بن الحكم على شدّة عداوته لبني هاشم يجيء في مَن يجيء ، فلا يزال يسمع ندبتها و يبكي
من جملة رثائها
يا مَن رأى العباسَ كَرَّ *** على جمـاهيرِ النَقد
و وراه مِن أبناءِ حيدر *** كـلّ لـيثٍ ذي لبـد
أُنبئتُ أنّ ابني اُصيبَب *** برأسـهِ مـقطوع يد
ويلي على شبلي آمالَ *** برأسه ضَـربُ العَمد
لو كان سيفُكَ في يدك *** لمـا دنـا منك أحـد
و من مراثيها أيضاً
لا تَدعـونِّي ويـكِ اُم ّ البنين *** تُـذكّرينـي بليـوث العَرين
كانت بنـون لـي اُدعى بهم *** و اليوم أصبحتُ و لا من بنين
أربعـةُ مـثل نسـور الرُبـى *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تُنـازع الخرصـان [2] أشـلاءَهم *** فكلُّهـم أمـسى صريعاً طعين
يـا ليت شعـري أ كما أخبروا *** بـأن عبّـاساً قطيـع اليميـن
موقفها البطولي الرائع : لم تحضر أم البنين واقعة الطف ، إلاّ أنّها واست أهل البيت { عليهم السَّلام } و ضحَّت من أجل الدفاع عن الدين الإسلامي بتقديم أولادها الأبطال الأربعة فداءً للحسين{ عليه السَّلام } و لأهدافه السامية ثم واصلت جهادها الإعلامي بعد مقتل سيد الشهداء و وصول أهل البيت { عليهم السَّلام } إلى المدينة المنورة ، فكانت تخرج كل يوم إلى مقبرة البقيع و معها عبيد الله ولد ولدها العباس ، فتندب أبناءها الأربعة أشجى ندبة ، فيجتمع الناس إليها فيسمعون بكاءها و ندبتها و يشاركوها العزاء ، كما كانت تقيم مجالس العزاء في بيتها فتنوح و تبكي على الحسين { عليه السَّلام } و على أبنائها الشهداء الأربعة ، و لم تزل حالتها هذه حتى التحقت بالرفيق الأعلى وفاتها تُوفيت هذه السيدة الجليلة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة : 64 هـجرية في المدينة المنورة و دُفنت بالجانب الغربي من جنة البقيع حيث يتوافد الزائرون لزيارة مرقدها الطاهر ولائها للإمام الحسين { عليه السَّلام } كانت أم البنين تحب الحسين { عليه السَّلام } و تتولاه إلى حدّ كبير يفوق المألوف ، و مما يدلّ على ذلك موقفها البطولي لدى وصول خبر إستشهاد الإمام الحسين { عليه السَّلام } إلى المدينة ، الموقف الذي لا ينمحي من ذاكرة التاريخ أبداً ، هذا الموقف الذي رفع من شأنها و منحها منزلة رفيعة في قلوب المؤمنين يقول المامقاني في تنقيح المقال : و يستفاد قوّة إيمانها و تشيّعها من أنّ بشراً بعد وروده المدينة نعى إليها أحد أولادها الأربعة فقالت ما معناه : أخبرني عن أبي عبد الله الحسين { عليه السَّلام }، فلمّا نعى إليها الأربعة قالت : قطّعت نياط قلبي ، أولادي و مَن تحت الخضراء كلّهم فداء لأبي عبد الله الحسين { عليه السَّلام }، فإنّ عُلْقَتِها بالحسين ليس إلاّ لإمامته { عليه السَّلام }، و تهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سَلِمَ الحسين { عليه السَّلام } يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة ، و إنّي اعتبرها لذلك من الحسان إن لم تعتبرها من الملحمة المقدسة. وقصة الفداء والتضحية, عن الإمام الباقر { عليه السَّلام } قال : وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي . ومن قولها { رضي الله عنها }: يا من رأى العباس كرّ على جماهير iiالنقد ووراه مـن أبـناء حيدر كل ليث ذي iiلبد أنـبئت أن ابني أصيب برأسه مقطوع اليد ويلي على شبلي أمال برأسه ضرب العمد لو كان سيفك في يديك لما دنا منك أحد، وبقيت على ذلك حتى توفيت عليها السلام.
لا تدعونـي ويك أم البنين * * * * * * تذكريـني بليوث العريـن
كانـت بنون لي اًدعى بهم ****** والـيوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسـور الربـى ******قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهـم **** * * فكلهم أمسى صريعـاً طعيـن
يا ليـت شعري أكما أخبروا ****** بأن عبـاس قطيـع اليمـين{1}.
{1}. ـ ثمرات الأعواد ج2 ص68.
{1}. ـ ثمرات الأعواد ج2 ص68. أم.»{20}.
* * * * * * « 21 » * * * * * *
21} ــــ « بعد واقعة ألطف ورجوع الآل إلى المدينة: ولما رجعن نساء أهل البيت { عليهم السَّلام }، من كربلاء إلى المدينة أقمن العزاء في بيتها, ولم تكن قد حضرت كربلاء لكنّ حزنها لم ينقطع على الحسين وإخوته عليهم السلام وكانت تذهب كل يوم إلى البقيع ترثيهم بتفجّع حتى ان مروان على قساوة قلبه كان يبكي لرثائها, وكانت تخاطب النساء اللاتي ينادينها أم البنين: {لا تدعونّي ويكِ أم البنين ...} ولم يخبأ أنينها حتى فارقت الدنيا بلوعة.
عن أبي جعفر عليه السلام: {... وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها, فيجتمع الناس إليها يسمعون منها, فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك, فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي}.
ويستفاد من إيمانها وتشيعها من أن بشر بن جلذم بعد وروده المدينة نعى إليها الأربعة من أولادها قالت: قطعت نياط قلبي, أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبدالله الحسين عليه السلام.
.»{21}.
* * * * * * « 22 » * * * * * *
22} ــــ « شهادتها وموضع قبرها : قبرها في المدينة المنورة البقيع في الزاوية اليسرى و توفيت في
الثالث عشر من جمادى الآخر سنة 64 للهجرة. ذكرى شهادة السيدة الجليلة أم البنين فاطمة بنت حزام زوج أمير المؤمنين {عليها السّلام}: وبعد عمرٍ طاهر قضتْه أمُّ البنين {عليها السّلام{، بين عبادةٍ لله « جلّ وعلا » وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله « سبحانه »، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الحسين {عليه السّلام{، وبعد شهادة زوجها أمير المؤمنين {عليه السّلام{، في محرابه.. بعد ذلك كلّه وخدمتها لسيّد الأوصياء وولديه الإمامين سبطَي رسول الله {صلّى الله عليه وآله {، وسيّدي شباب أهل الجنّة، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى {صلوات الله عليها{، أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم. فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة 64 من الهجرة النبوية الشريفة ـ كما ذكر البيرجنديّ في كتابه { وقائع الأيّام } {8}، والسيد محمد باقر القره باغي في كتابه { كنز المطالب }، وغيرهما ـ حيث جاء في { الاختيارات } عن الأعمش قال: « دخلتُ على الإمام زين العابدين { عليّ بن الحسين } {عليه السّلام{، في الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان يوم جمعة، فدخل الفضلُ بنُ العبّاس وهو باكٍ حزين، يقول له: لقد ماتتْ جَدّتي أمُّ البنين ». فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة، الوفيّة المخلصة، التي واست الزهراء {عليها السّلام{، في فاجعتها بالحسين {عليه السّلام{، ونابتْ عنها في إقامة المآتم عليه، فهنيئاً لها ولكلّ من اقتدت بها من المؤمنات الصالحات.
سبب تسميتها ب أم البنين: كان ذلك بطلب من فاطمة الكلابية لزوجها بإن لا يناديها ب فاطمة حتى لا يشعر أبناء فاطمة الزهراء بالحزن عند سماع اسم امهم في كل مرة وطلبت منه منادتها ب أم البنين تفاؤلا بالبنين بعد ولادتها كان أولادها الأبطال أبناء أمير المؤمنين {عليه السلام} وقد استشهدوا جميعاً في نصرة أخيهم الإمام الحسين {عليه السلام} في كربلاء يوم عاشوراء. أكبرهم وأفضلهم: {العباس} {عليه السلام} ويكنّى بـ {أبي الفضل} وهو آخر من قتل من الأربعة، حيث قدَّمهم بين يديه فقتلوا جميعاً. وقد كان للعباس {عليه السلام}عقب ولم يكن لأخوته الثلاثة، وكان رجلاً جميلاً حتى لقّب بـ {قمر بني هاشم}. وكان شجاعاً جسيماً بحيث يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان الأرض خطاً، وكان لواء الإمام الحسين {عليه السلام{ معه يوم استُشهد، ولقِّب بـ {السقّاء} لأنه استسقى الماء من الأعداء لأخيه الحسين {عليه السلام} وعائلته ولكن قُتل قبل أن يوصل الماء إليهم، وكان قد جاء بالماء من نهر علقمة، وقد رأيت أنا هذا النهر قبل نصف قرن في طريق بغداد مبتعداً عن كربلاء بمقدار نصف فرسخ، كذا قالوا بأنه نفس ذلك النهر. وقد ذكر أصحاب المقاتل شيئا عن بطولة أولاد أم البنين ومواساتهم للإمام الحسين { عليه السلام } وكيفية استشهادهم، فقالوا: إنه لما رأى العباس {عليه السلام} كثرة القتلى في أهله وفي أصحاب الحسين{عليه السلام} ـ بالنسبة إلى عددهم القليل ـ قال لأخوته الثلاثة من أبيه وأمه، عبد الله وجعفر وعثمان: «يا بني أمي تقدموا للقتال، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تستشهدوا دونه، وقد نصحتم لله ولرسوله» {1}. 1 - انظر { الحسين{عليه السلام} قتيل العبرة} مقتل الشيخ عبد الزهراء الكعبي، ص106، و{مقتل السيد المقرم} و{ اللهوف في قتلى الطفوف} و…
وفاتها رضوان الله عليها: الثالث عشر من جمادى الآخرة تاريخ وفاة ام البنين ـ وكما تقدم ـ ولكن السؤال المتبادر هنا هل قتلت ام لا؟ وبخاصة وان مؤامرات الاعداء الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر تنال الكثير من الأشياء والأشخاص .. ومن هنا لا نعلم شيئاً عن سبب وفاة السيدة ام البنين، مع العلم بأنها كانت تفضح بني أمية الذين قتلوا الحسين عليه السلام...وقد اسس معاوية جند العسل وقتل به مالك الاشتر رضوان الله عليه وكثير من الأبرياء بالسم حتى صار عادة فيهم وفي العباسيين والعثمانيين من بعدهم .»{22}.
* * * * * * « 23 » * * * * * *
23} ــــ « زيارة قبرها رضوان الله عليها: زيارة قبر السيدة ام البنين لها اجر وثواب عظيم فان زيارة قبور المؤمنين والمؤمنات لها اجر كبير، وقد ورد التأكيد عليها في الروايات الشريفة، فكيف بزيارة مثل قبرها {عليها السّلام}، قبرها المنور في المدينة المنورة قي البقيع، ومن الواضح ان تراب قبرها له اثر خاص طبعاً لا كأثر تراب قبور الائمة المعصومين والأنبياء {عليها السّلام}، فان مجرد كونه تراباً لقبرها له حيثية رفيعة كما هو واضح .»{23}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فأنها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}}
وَربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا،