تاملات في القران الكريم ح269/حيدر الحدراوي

Sat, 4 Apr 2015 الساعة : 17:57

سورة  الشعراء الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ{43}
تروي الآية الكريمة خطاب موسى "ع" للسحرة (  قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ) , القوا ما لديكم من حبال وعصي , وهو بعد قولهم { قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }الأعراف115 .

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ{44}
تروي الآية الكريمة (  فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ) ,  ما كان بأيديهم من الحبال والعصي , (  وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ) , اقسموا بعزة فرعون , ولم يشعروا ان لا عزة لفرعون وملأه , (  إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ) , تكرار (  إِنَّا لَنَحْنُ ) للتأكيد على غلبتهم المزعومة .

فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45}
تروي الآية الكريمة (  فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ ) , بعد ن القى السحرة ما لديهم , جاء دور موسى "ع" ليلقي عصاه , (  فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ) , فاذا هي تبتلع ما جاؤوا به من الخداع والتمويه وسحروا به اعين الناس .

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{46}
تروي الآية الكريمة ان السحرة حالما شاهدوا ذلك علموا ان ذلك ليس من السحر الذي خبروه , بل هو معجزة الهية , فخروا ساجدين لله تعالى .

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47}
تروي الآية الكريمة كلام السحرة بعد سجودهم (  قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) الذي ارسل موسى وهارون "ع" .

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48}
يستمر كلام السحرة في الآية الكريمة مردفين (  رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) , تضمن كلامهم اعترافا بالله تعالى واعترافا برسالتهما "ع" .
هناك تساؤل يطرح نفسه , وهو لماذا لم يقل السحر ( آمنا بالله ) وقالوا (  رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) , والجواب : في اللغة العبرية حيث لا توجد كلمة تقابل لفظ الجلالة بالعربية , لذا يعبر عن الله تعالى اما  "رب العالمين" او "رب موسى وهارون" او "هو" او "يا هو "  , والاخيرة هي الارجح والتي تطورت مع الزمن لتكون " ياهوه  - يهوه" كما يلفظها العبرانيون اليوم .

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{49}
تروي الآية الكريمة كلام فرعون مخاطبا السحرة  (  قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) , بصفته الرب كما يدعي والملك , يرى ان لا يقوم احد بفعل او عمل من دون أذنه , (  إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) , ثم اتهمهم بأن موسى "ع" هو كبيرهم ومعلمهم بالسحر, ويبنى على هذا الاتهام , انها كانت مؤامرة من قبل السحرة وكبيرهم موسى "ع" ضده , (  فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) , وبال امركم , فيها تهديد ووعيد , (  لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ) , اليد اليمنى مع الرجل اليسرى , او العكس , (  وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) , ليس فقط , بل سوف اصلبنكم جميعا على جذوع النخل .

قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ{50}
تروي الآية الكريمة جواب السحرة على تهديدات فرعون ووعيده (  قَالُوا لَا ضَيْرَ ) , لا ضرر علينا , (  إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ) , بأي وجهة كان موتنا , بالصلب او غيره , فأن مرجعنا ووفودنا الى الله تعالى مجده , ويترتب على تحملنا تعذيبك محو ذنوبنا واستحقاقنا الاجر والثواب والقرب منه جل وعلا .

إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ{51}
يستمر كلام السحرة في الآية الكريمة في جوابهم لفرعون (  إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا ) , يعربون عن طمعهم في المغفرة , لما ارتكبوه من عظائم الخطايا , (  أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) , اننا اول المؤمنين من الحضور في ذلك الموقف .

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ{52}
تستكمل الآية الكريمة قصة موسى "ع" (  وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ) , مما يروى ان ذلك كان بعد سنين مضت على دعوة موسى "ع" , (  أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ) , المشي بالليل , مع من آمن بك او مع بني اسرائيل على بعض الآراء , (  إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ) , يتبعكم فرعون وجنوده .

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{53}
تروي الآية الكريمة ان فرعون بعد ان علم بمسراهم في الليل , ارسل جنوده في جميع المدن .

إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ{54}
يستمر كلام فرعون في الآية الكريمة , مبينا فيه انهم "موسى-ع- واتباعه " طائفة قليلة .
( قيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ومقدمة جيشه سبعمائة ألف فقللهم بالنظر إلى كثرة جيشه ) . "تفسير الجلالين للسيوطي" .

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ{55}
يستمر كلام فرعون في الآية الكريمة معربا عن غضبه منهم , فقد فعلوا ما يستوجب غيظه .

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ{56}
يستمر كلام فرعون في الآية الكريمة مبينا انه وجيشه مستعدون دائما لكل محذور , ومنه هذا الذي كان من امر موسى "ع" وبني اسرائيل .

فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{57}
تبين الآية الكريمة  (  فَأَخْرَجْنَاهُم ) , فرعون وقومه , من مصر ليلحقوا  بموسى "ع" وبني اسرائيل , (  مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) , فتركوا خلفهم بساتينهم ومزارعهم وما فيها من عيون الماء .

وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{58}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة , لم يتركوا خلفهم الجنات والعيون فقط بل وايضا (  وَكُنُوزٍ ) , الاموال من الذهب والفضة وغيرهما , سميت بالكنوز لا نها لم تخرج الحقوق منها ,  (  وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) , القصور الفارهة والبيوت المترفة والمجالس البهية .

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{59}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع مبينه (  كَذَلِكَ ) , اخراجنا , (  وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) , فيها عدة اراء , قد لا تصمد امام النقد :
1-      جعلت هذه الديار والبساتين والكنوز لبني اسرائيل بعد غرق فرعون وجنوده , يذهب الى ما يماثل هذا الرأي جملة من المفسرين ومنهم السيوطي في تفسيره الجلالين , الا ان هذا الراي مطعون فيه , كون بني اسرائيل لم يعودوا الى مصر بعد غرق فرعون وجنوده , بل استمروا في مسيرتهم مع موسى "ع" .
2-      ان بني اسرائيل سلبوا ما كان لدى فرعون وجنوده , بعد ان القى البحر بجثثهم الى الساحل , وهذا ايضا مطعون فيه , كون ميراث بني اسرائيل ينبغي ان يكون فيه بساتين وقصور ومنازل فرعون , على ما اشارت اليه الآيات الكريمة المتقدمة , وان لا يقتصر على ما سلبوه مما لدى الجنود الغرقى فقط .
3-      جملة من المفسرين لا يبدون اراءهم بالموضوع قطعا .
4-      ان يكون ذلك الميراث هو ميراث بني اسرائيل في الشام , فهناك ما يماثله من البساتين والمنازل والمجالس الفارهة وغير ذلك , وليس في مصر ,
5-      قد يكون ذلك اشارة الى امر مبهم , لم يأتي تأويله بعد .

فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ{60}
تؤكد الآية الكريمة ان فرعون وجنوده اتبعوا مسير موسى "ع" ومن معه وقت الشروق , وقد يكون المعني بـ (  مُّشْرِقِينَ ) , نحو جهة الشرق وليس الوقت فقط , حيث يرى بعض المفسرين ان (  مُّشْرِقِينَ ) بمعنى مبكرين وقت شروق الشمس .

فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61}
تروي الآية الكريمة (  فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ ) , رأى كلا منهما الاخر , وذلك يشير الى اقتراب فرعون وجنوده منهم , (  قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) , قال حينها من كان مع موسى "ع" – ادركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم - .

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62}
تروي الآية الكريمة كلام موسى "ع" لقومه مطمئنا (  قَالَ كَلَّا ) , لن يدركونا , (  إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) , ان ربي معي بالحفظ والنصرة والهداية الى طريق النجاة , فلا داعي للخوف منهم .

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ{63}
تبين الآية الكريمة (  فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ) , فضربه , (  فَانفَلَقَ ) , فانشق البحر , (  فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) , فكان كل جانب كالجبل الثابت العظيم , فانسلوا في شعابه .

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ{64}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع  (  وَأَزْلَفْنَا ) , قربنا , (  ثَمَّ الْآخَرِينَ ) , فرعون وجنوده , فدخلوا في اثرهم .

وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ{65}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع  (  وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ) , بحفظ البحر على تلك الصورة , حتى عبروا الى الجهة المقابلة بالكامل .

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ{66}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع وذلك بأطباق البحر على فرعون وجنوده , بعد ان اجتازه وخرج منه جميع بني اسرائيل .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{67}
تبين الآية الكريمة (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ) , نجاة موسى "ع" وبني اسرائيل وغرق فرعون وجنوده , (  وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ) , مع تلك الآيات الواضحة , ما كان اكثر بني اسرائيل مؤمنين بها , بل اتخذوا العجل بعد ذلك .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{68}
تستمر الآية الكريمة في بيانها (  وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ) , المنتقم من اعدائه , (  الرَّحِيمُ ) , بالمؤمنين .

حيدر الحدراوي

Share |