تيزابيّة الماء ..ناقوس خطر لذوبان الفهود/محمد المحمد العجرش

Wed, 1 Apr 2015 الساعة : 23:05

في شارعِ الحبوبي .. ليس للنزهةِ ، ولا لشراءِ ملابس الصيف ، تجمعُ عددٌ من أهالي الفهود ..
كبار سن وأطفال ، نساءُ وشباب فالكلُ مشمولٌ بلعنةِ الماءِ الأصفر ..
ماءُنا بطعمهِ المالح ، ولونهِ الأصفر المائل للاخضرار ، ورائحتهِ الغير طيبَة ينبئ عن ( تيزابيّة الماء ) في اصطلاحٍ جديدٍ تعدى على مركب الماء ( H2O ) والذَهاب بهِ بعيداً دفعتنا الحاجةُ لاصطلاحهِ والتعبير بهِ عن واقع ماء فاقد لصفاتهُ الحقيقية ..
واقع الماء الذي يُغذي الفهود يحتاج الى استنفار واقعهُ الجنائزي الذي مُني به في الزاويةِ المعتمةِ جنوب شرق الناصرية حيثُ الفهود .. فهنُاك تبطين لحقيقةِ وفرة المياه شمالَ الناصرية ، وهذا المشهد الفضفاض في أعماقهِ تلتف وتُستغلف في ذهنية الرغبة الداكنة في كهفِ الأنا المتفردة المطلقة في المناطق التي تحتجزُ الماء ..
هناك من يحتجز الماءَ ليسقي الأرضَ سيحاً ، وهنا من يتلظى في زمهرير العطشِ وهجير الظمأ ، وما بين المشهدين يظهر أرباك البرنامج الحكومي وموازنة المياه والتي تظهر جلياً مظاهرُها الغير عادلة في طغيان الماء في مناطق وشحتها في أخرى ..
الفهودُ ليست دولةٌ كي تتفاوض مع نظيراتها ممن يحتجزن الماءَ شمال الناصرية كي تتخلص من الاحتضار في دهاليز الجفاف ..
أكثر من فضائية وقفت على صخبِ الواقعِ المر ، ونقَلت الشللَ الذي ما عاد يَّرطبُ هلامات شقوق الشطئان ، ولم نرى تفاعُلاً من مسئولي الإنسانية الذين نراهم يتفاعلون مع أشياء اصغر من ذلك ، فيشكلون اللجان التحقيقية ، ووفود تقصي الحقائق ، واستنفار كامل لمنظمة حقوق الإنسان النيابية ، وبكاء وتباكي ، واستعراض عضلات في مهرجان بناء الأجسام على حلبة الإنسانية كما حصل تجاه مدير مدرسة الزهاوي مؤخراً ، بينما صمتٌ مطبقٌ يُغلف الشفاه ويحجب شقوق العيون عن أربعين ألف نسمه ..
الفهود صاحبت الرقم الأعلى بالشهداء والسهم الأكبر بالهجرات التي تلت عقابها بسوط الجفاف اللاذع الذي استخدمهُ النظام سلاح ملأتهُ الضغينة من تلك المدينة ، لأنها لمعت في المتراس الأول للخروج عن عربته والتمرد على سكتهِ الملتوية عندما كانت السباقة في اقتحام شفق ليلهُ البهيم فجر الرابع عشر من شعبان لتكون الشرارة الأولى لنار الثورة الكبرى التي كوت جبين النظام فامتدت من البصرة وحتى تخوم بغداد جنوباً ..
لم نكن نتوقع أن يجلدنا التاريخ مرةً أخرى وبنفس السوط ، ونحن مازلنا منجم للشهداء لا ينضب يمد الوطن برحيق من الدم ليستمر العراق بالحياة ..
مناشدة مسئولي الفهود لم تجد الأذن الصاغية في أروقة ذي قار ، وعلى ما يبدو أننا نحتاجُ ان نخترقَ الحُجب لنصل الى سرادقِ الخضراء ، لعلها تُعيد علينا الخضراء والماء والوجه الحسن الذي غيرته تيّزابية الماء ..
نتمنى من وزارة الموارد المائية ان تزور الفهود وتتحسس وجودها بكل ما يعني التحسس ليُدركوا عمقَ المحنةِ تجاه مسؤوليتهم الوطنية والإنسانية ، خصوصاً ونحن في فصلِ الربيع وأكثر المتفائلين يعتقد بجفافِ الماء بالكامل في غضون الأيام المقبلة ، وعندها يكون جواز السفر قد اكتملت فيزته ..
انَ ( كري ) النهر عدة مرات لإيصال ما يسمى بالماء ليس حلاً .. فمشروع ( البدعه ) هو الشريان الأبهر الذي يتدفق به دم الحياة مادام الماء يُحتجز في حدود البدعه الجغرافية .
مشروع ( البدعه ) ليس ميناء الفاو الكبير ، ولا المدينة الرياضية فيحتاج الى إمكانيات كبيره ، خصوصاً بعد انجاز جزء كبير منه وما بقي فقط يحتاج الى صعقه كهربائية من مولدة الضمير تقتحم من غفى تحت سبات اللامبالاة ، ليعود رمق قضاء وناحيتين يتذوق عذوبة الماء ويتخلص من طرقات ناقوس خطر الجفاف .. فمن لا يتحمل مسؤوليتهِ الوطنية تجاه الفهود فلن يرحمه التاريخ ان كتب بقصبه من الأهوار .

Share |