التعددية الحزبية في العراق -ناجي لطيف العسكري
Sat, 14 May 2011 الساعة : 15:09

بعد الصراع المرير بين الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية في احتلال العراق نجحت الإمبراطورية العثمانية أخيرا في احتلاله وتحويله إلى ولايات تحت حكم السلطة العثمانية ، أصبح العراق في ظل حكم هذه السلطة المستبدة لا يمتلك ابسط الحقوق التي يمتلكها الفرد في الإمبراطورية العثمانية ويتم إدارة العراق من قبل حكام من أصول تركية ، وبعد ضعف الإمبراطورية العثمانية بدأت حقبة جديدة في تاريخ العراق السياسي حيث حكم العراق من قبل الدولة البريطانية التي كانت تعتبر هي وفرنسا من الدول العظمى والمسيطرة في تلك الحقبة من الزمن ، لم يلقى الانتداب البريطاني استحسان الشعب العراقي رغم انه قام بتخليصهم من ظلم الدولة العثمانية واضطهادها.
بزغت في اهوار الجنوب ثورة عارمة قام بها رجال الدين وشيوخ العشائر العراقية ضد الانتداب البريطاني يحملون أسلحة بيضاء يستخدمونها في حياتهم اليومية لتنتهي حقبة احتلال العراق من بلد خارجي .
عقدت الحكومة البريطاني مؤتمر القاهرة بحضور ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني للنظر في وضع العراق بعدما تكبد الاحتلال البريطاني خسائر فادحة أبان ثورة العشرين .
وتم الاتفاق على تحويل العراق إلى بلد مستقل ولكن يبقى ضمن الوصاية البريطانية حتى تستطيع الحكومة العراقية إدارة إعمالها من جديد ، رشحت خلالها الملك فيصل ابن الحسين وتشكيل المجلس التأسيسي الذي ضم عدد من رجال العشائر والشخصيات البارزة .
وعندها أصبح حكم العراق ملكياً يدار من قبل أشخاص لا ينتمون إلى العراق ويتحكمون بالسلطة العراقية مقيدين جميع الحريات التي يمكن أن تهدد الأسرة الحاكمة .
بدأت حقبة جديدة ولكن هذه المرة بحلة جديدة حيث نظم عدد من الضباط الأحرار كما كان يطلق عليهم بانقلاب عسكري في عام 1958 قتل فيها الملك فيصل الثاني هو وأسرته في قصر الرحاب لتنبثق حكومة عراقية بقيادة عبد الكريم قاسم صاحب الفكر الشيوعي الذي كان آنذاك من أكثر الأحزاب عنفاً على الساحة السياسية ، قام بتصفية جميع منافسيهم من الأحزاب أو الأشخاص .
وفي 1963 وبنفس الطريقة التي حصل بها الحزب الشيوعي على الحكم وصل حزب البعث إلى سدة الحكم بسفك دماء منافسيه والقضاء على أحزابهم واعتبارهم من أعداء الدولة التي يجب القضاء عليهم عن طريق المحاكم السريعة أو التصفية الشخصية .
بعدها استمر حزب البعث بحكم العراق منذ عام 1963 إلى عام 2003 بالسيف والحديد مارس فيها هذا الحزب الدموي جميع أنواع الاستبداد السياسي وتصفية منافسيه ومنع الأحزاب الأخرى من المشاركة في أي عملية سياسية ، حيث أصدرت الحكومة البعثية في عام 1984 أطروحة بخصوص الأحزاب ( أن الحزب القائد ( امتلك حقه القيادي من خلال استيعاب شروط الثورة وتفجيرها في وقت الضرورة ) ويعني هذا ( الحق القيادي ) حقاً شاملاً ، لا يقتصر على قيادة الجماهير والدولة ، بل القوى والأحزاب السياسية الأخرى . ومن جهة أخرى ، ( إذا كانت جميع الأحزاب الثورية تستند في ثوريتها على واقع أخلاصها للجماهير فان الحزب القائد لابد أن يكون ألا صدق والأكثر إخلاصا بينهم ) . ثم أذا كانت هذه الأحزاب تتبنى مصالح الطبقات المضطهدة وتناضل من اجل موقع انتصار لهذه الطبقات ، ( فان الحزب القائد يكون أكثر تبنياً لهذه المصالح وأكثرها قدرة على انتزاع حقوق العمال والفلاحين وعلى تحويل هذه الحقوق إلى واقع سياسي اقتصادي واجتماعي وثقافي ثابت ) .
هكذا كان حزب البعث ينظر إلى التعددية الحزبية والقوى السياسية والأحزاب ، وهذا اشد أنواع الاستبداد والدكتاتورية والرجوع إلى المربع الأول من سير الشعوب نحو الديمقراطية وكسب حقوقها عن طريق الاختيار والتميز بين الأحزاب المشاركة في العملية السياسية .
واستمر هذا الحزب إلى عام 2003 حيث تم الإطاحة به عن طريق القوات الأمريكية المحتلة .
هذه الإطلالة البسيطة على تاريخ العراق الحديث يثبت أن العراق لم يمارس العمل السياسي الحقيقي حسب المنظور العلمي والديمقراطي ، خلال هذين القرنين والعراق يدور في دوامة واحدة بين الاحتلال والحكم عن طريق الثورات العسكرية التي حسب المنظور العلمي بأنها تتصف بالاستبداد ، لأنها جاءت عن طرق غير شرعي ولا تمثل تلك الحركات السياسية التي تحمل في طياتها وفكرها نوع من المشاركة السياسية .
بعد عام 2003 تغيرت هذه الأوضاع وأصبح العراق بلد الأحزاب وهذه التجربة السياسية الجديدة لم تلاقي استحسان البعض لفهمهم القاصر بان الأحزاب تعني الفرقة وتشتت جمع الأمة ، وأصبح المواطن يمارس حقوقه الدستورية والديمقراطية في ظل التعددية الحزبية في اختيار من سوف يقود البلد في مرحلة أربعة سنوات التي صادق الشعب على دستور كتب بأيادي عراقية تضمن إلى جميع الشعب في ممارسة العمل الحزبي وحقوقه في الانتماء إلى أي حزب كان مؤيد إلى الحكومة أو معارض لها .
أصبحت هذه التجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها في المنطقة لاقت صدى كبير في البلدان العربية التي تحكم من حزب واحد وهو الحزب القائد مما دفعهم إلى موجة التغيرات التي أطاحت إلى ألان بنظامين دكتاتوريين وهنالك المزيد !!.
رغم أن التجربة الديمقراطية مورست في رحم الاحتلال ، أن هذه التجربة الجديدة لابد أن تقع في أخطاء ولـكن سـوف يسـتفاد منها في المراحل القادمة .
يجب أن نعرف ماذا تعني الأحزاب ومتى بدأت هذه التسمية تبرز على السطح السياسي .
الحزب السياسي : كل جماعة منظمة على أساس مبادئ وأهداف مشتركة في تشكيل الإرادة السياسية على المستوى الاتحادي أو الإقليم أو المحافظات غير المنتظمة بإقليم وتشارك في شؤون العامة وتسعى إلى مشاركة في الانتخابات والاستفتاءات لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية للدولة وتمارس نشاطها بالوسائل الديمقراطية بهدف تداول السلطة سلميا أو المشاركة فيها .
فيما اعتبرها البعض أنها منظمة كجميع منظمات المجتمع المدني ولكنها تحقق أهدافها عن طريق وصولها إلى السلطة .
لم تظهر الأحزاب حسب التعريف أعلاه ألا في القرن التاسع عشر وكانت عبارة عن أحزاب دينية تدعو إلى المسيحية ومنها تألفت الأحزاب السياسية ، أما في بدايات القرن العشرين أصبحت الحزبية ضرورة سياسية ملحة وداعم ومطالب لحقوق الإنسانية وركزت في بداية حركتها فكانت تركز على الفئات المضطهدة وكانت هذه الطبقة هي الأرضية السياسية والقاعدة الجماهيرية التي توصل صوتهم الذي كان غائب في البرلمانات السابقة إلى صوت مسموع متمثل بصوت الحزب .
أذن ، لـم تكن أنشـأة الأحزاب نشـأة سـياسـية بحتـه وإنما نشأة سـياسية – اجتماعية .
أما نشأة الأحزاب في أوربا فقد كانت هنالك فئتين وحزبين متنافسين في البرلمان البريطاني هما ( ويغ ) والــ ( التوري ) ليصبحا فيما بعد ( حزب الأحرار والثاني ( حزب المحافظين ) .
وفي أمريكا لم يذكر دستور عام 1718 حق الفرد في تأسيس حزب أو أي تيار رغم انه أعطى العديد من حقوق الفرد وحرياته واعتبر الحزب عبارة تيار معارض كالشيطان الذي يفرق وحدة الشعوب والأمم .
ولكن حال فرنسا كان الأفضل من جانب تأسيس الأحزاب بعد ثورة 1789 فقد نشأت العديد من التيارات والتوجهات السياسية بال تعدت ذلك وأنشأت مدارس فكرية ومنتديات سياسية .
وفي الوطن العربي فقد كان أول تأسيس لحزب سياسي الحزب الوطني عام 1881 في مصر بقيادة احمد عرابي ، ولكن التجربة الحزبية في العراق لم توجد ألا في عام 1908 وكان عبارة عن فرع من حزب (الاتحاد والترقي ) العثماني .
أن الظاهرة الحزبية (التعددية الحزبية ) ليست فقط نمط سياسي والطريق الصحيح في مسار الديمقراطية وإنما الوسيلة الوحيدة لتخليص العالم الثالث من الظلم والاضطهاد والجور الواقع عليهم من التفرد بالسلطة وخلاصهم من الأنظمة الدكتاتورية التي تدفع الشعوب اليوم ثمنها ، ومن أشخاص يتفردون بالسلطة ويجعلون من السلطة تجارة ذات مردود مادي فقط ، بعيدا عن الطرق السلمية للممارسة السلطة ، فان بعض الأنظمة تستخدم الإبادة الجماعية من اجل البقاء في الحكم كما يقول ( كرومويل ) (( أن تسعة من عشرة من المواطنين يكرهونني ؟! أن ذلك غير مهم ما دام العاشر مسلحاً )) ، بهذه العقلية المريضة تحكم 50 % من شعوب العالم مستخدمين كافة الطرق الغير شرعية من اجل تثبيت سلطتهم والدفاع المستميت أن ما نافسهم عليها احد .
ليست التعددية الحزبية وحدها من تخلق الديمقراطية والحرية وتضمن للشعب حقوقه ، فهتلر وصل إلى حكم ألمانيا عن طريق انتخابات أجريت في عام 1933 وبعدما استلم الحكم في ألمانيا قام بالتخلص من منافسيه بطرق غير شرعية وتقديم البعض منهم إلى محاكم غير دستورية وغير قانونية بينما قام بقتل البعض الأخر بظروف غامضة .
أذن ، لابد للتعددية الحزبية بطرف مساند وداعم لاستمرار العملية الديمقراطية ألا وهي فصل السلطات الثلاث ( السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان ، السلطة التنفيذية المتمثلة بالوزراء ، والسلطة القضائية ) وفي ظل التعددية الحزبية والفصل بين السلطات الثلاث تخلق جو من الديمقراطية والحرية .
ومهما حصل ووصل إلية الإنسان من أنظمة ودساتير واليات تضمن إلى الشعب حريته وديمقراطيه فان مسألة الديمقراطية سوف تبقى أكثر المسائل التي تشغل الفكر الإنساني والفكر السياسي والصيغ الدستورية ألان وفي المستقبل .