ثورة العشرين في القرن الواحد و العشرين/طارق محمد عبد الصاحب
Wed, 25 Mar 2015 الساعة : 0:23

سلاما يا عراق أرض البطولات , سلاما يا عراق مهد الكلمة و الحضارات , سلاما يا عراق نبع الاباء و الصفاء و الغيرة و التضحيات , سلاما لك و عليك و على أهلك الاطائب الاكرمين .
تمر على ذاكرة ايامنا الحاضرة ملحمة بطولية سطرها أبطال الوغى و أسود العرين , رجال هبوا لتلبية نداء الغيرة و الشرف , ليذكرونا باجدادهم الابطال الذين كتبوا تاريخ هذه الارض بحروف من دم و اسمعوا العالم دوي بنادقهم التي أرقت عيون المحتل و الذي لا يزال و ما فتأ يحوك لاهل هذه الارض الطهور المكائد و يكيل عليه جم المصائب .
و لكن هذا العدو نسي أو تناسى أن أرض هذا الوطن أنجبت اسودا عابسه لا تعرف الخوف و الهلع , اسودا صبوا على هامات الموت كل خوف و فزع و جزع , ابطال هرب الموت منهم راجيا للنجاة من هبتهم و أملا للخلاص من غضبة سطوتهم .
كيف لا و هم ابناء أولئك الغيارى الذين كتبوا تاريخ العراق بأحرف الشجاعة و الوفاء , إنهم احفاد أولئك الابطال في ثورة العشرين الذين علموا المعتدي درسا ما زالت تتغنى به الاجيال أين ما حلت , و سطروا بسواعدهم و بنادقهم اروع الملاحم التي ظلت ذاكرة الايام تسترجعها متى و اين ما استقرت .
و اليوم احفاد الابطال في ثورة العشرين يعيدون الامجاد و يرسمون للاذهان شبها لتلك البطولات و الصولات التي خاضها أجدادهم على ارض و مسرح القرن العشرين .
و يمكن القول تباعا أن الايام تعيد نفسها و التاريخ يكرر احداثه وهو في دورانه و تكراره للاحداث يستعين دوما بنفس الادوات التي سطر بها ايامه السالفة .
و لكي أوصل القاريء إلى عنوان الواقع و صوته المسموع أحاول أن ارجع إلى الوراء متخطفا لفصول الذاكرة مقتطفا الشيء القليل لاسلط الضوء على الواقع المعاش في يومنا هذا و حتى نكون ممن يسمي الاشياء بمسمياتها و نعطي الافراد حقوقهم واضعين إنجازاتهم في الخانة الائقة بهم , و حتى نعرف ان اولئك الغيارى من ابناء الجنوب الحر الاغر لا يخرج من نسلهم إلا كل صنديد يتعرق جبينه غيرة و حمية على بلده و ابناء جلدته بل حتى على أولئك الذين أنكروه و ما زالو كذلك و ابدوا من انفسهم ماكانوا يخفون حنقا و غدرا تأسست عليه اصولهم و نمت عليه فروعهم فكانوا أبشع صورة للناظر و هم عار و شنار على الماضي و الحاضر و المستقبل .
ولو القينا نظرة عابرة نريد بها تكون صورة إجمالية عن ثورة العشرين نجد التالي وهو يكاد ينطبق على ما نعاصره اليوم بإستثناء الأسماء و الاشخاص , وهو ما يجعلنا نبصر بعين الفخر و الاعتزاز أن أولئك الذين كانوا روادا لتلك الثورة الشريفة هم أباء و اجداد الابطال المدافعين عن شرفنا و أعراضنا من ابناء الحشد الشعبي الطاهر و القوات الامنية الشجاعة , هذا الجمع الطاهر الكريم يذكرنا ليوم بابائنا و اجدادنا في ثورة العشرين و غيرها من الانتفاضات التي لبى فيها أبناء الملحة نداء المرجعية الغراء و هبوا لغوث البلد و العرض و الشرف ليذيقوا الذل و الحسرة كل من سولت له نفسه ان يمس ارض هذا البلد برجله الغير موقرة .
و نحن نقلب صفحات الماضي نرى أن الهيكلة العامة لثورة العشرين الغراء تعطينا النتائج التالية وهي ان المكون الرئيس للثائرين هم ابناء العشائر و بالخصوص عشائر الوسط و الجنوب وهو نفس المكون السكاني و نفس الشريحة الاجتماعية و الانتماء المذهبي و الديني الذي يقاتل اليوم و سيقاتل كل يوم يمر به العراق بمكيدة من قبل أعدائه .
و سيظل هذا المكون هو نفس المكون الذي يعطي التضحيات متى ما استغاث به الوطن و لهذا المكون السكاني الاصيل الشرف أن يقدم الخلاصة و الصفوة من اصحاب الامام المهدي المنتظر (عج) يوما ما , و السياق العام لكلمات أئمة أهل البيت (ع) تشير غلى ذلك و بوضوح و خصوصا روايات الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) حيث يشير إلى هذا المعنى بوضوح في رواياته التي تصف السفياني و افعاله في أهل العراق وبالخصوص في أهل الكوفة , و القتل و التنكيل و ان السفياني ياسر جماعة من اهل الكوفة حين خروجه منها وفي طريق الرجوع الى الشام يخرج عليه جماعة من الاعراب من أهل السواد (( بهذا التعبير فراجع )) على قلة ما بأيديهم من السلاح فيستنقذون اصحابهم الذين اسرهم السفياني و يهزمونهم فيرجعون بهم .
سبحان الله و كأنكم يا أهل السواد الاغر يا ابناء العشائر الكرام مندوبون لمواجهة الابتلائات العظيمة , و لكنكم أهل لتلك الابتلائات و عظيم الشأن يعرف بعظمة إبتلائه , و صولاتكم في التاريخ معروفة و مشهودة .
و اخواننا و ابناء عمومتنا و ابائنا هم نفسهم أسود الحشد الشعبي ... نعم جلهم من ابناء الجنوب و الفرات الاوسط و الذين كانوا و مازالوا يعطون التضحيات و يقدمون القرابين , نعم إنهم أحفاد مفجري الثورة العشرينية العظيمة , إنهم اصحاب السحنة السمراء ملح الارض و ناموسها , و بلا ملح يفقد كل ما له مذاق طعمة , و لولا هؤلاء الاشاوس لا طعم للسلام و لا لذة للأمان و لا ذائقة للاستقرار.
إنهم ابناء العظماء من ال حجام و خفاجة و خيون و الازيرج و بني مالك و ال دراج , ابناء كل كل عشيرة عراقية أصيلة .
إنهم ابناء البصرة و ذيقار و العمارة الغراء و الديوانية العظيمة و واسط الكبيرة و النجف الاشرف و كربلاء المقدسة ... حتى أولئك الذين يقطنون بغداد و غيرها ممن هبوا لتلبية إستغاثة البلد في يوم محنته هم يرجعون بالاصل لتلك الثلة الطيبة من ابناء الجنوب و الفرات الاوسط .. تحية لكم يا كرام يا اشاوس و كلماتي تعجز عن شكر تضحياتكم و عطائكم و افضالكم يا صناع الامن و السلام يا مستردي كل فرحة سرقت من على شفاه الصغار .
و اما المكون الرئيسي الثاني الذي قامت عليه ثورة العشرين وهو المكون الذي يحاكي نفس المكون في يومنا هذا ألا وهو شريحة علماء الدين .
وهم على قسمين علماء السنة و مراجع الشيعة و قد حاول الانكليز أنذاك جذب علماء الدين إلى صفوفهم فنجحوا في إجتذاب علماء السنة فقط و ذلك لان رجل الدين في المذاهب السنية لا يعدو أن يكون موظفا في الدولة العثمانية فبالمال استطاع الانكليز إستقطاب علماء السنة و اما علماء الشيعة فالامر معهم مختلف تماما فقد فشلوا في ذلك و لم يستطيعوا من إجتذاب أي أحد , إذ أنهم ينتهجون منهجا أخرا رسم معالمه و خط حروفه لهم أئمة أهل البيت (ع) فأوجد بذلك مراجع و علماء و اتباع مدرسة اهل البيت (ع) النظام الاساس لبناء مؤسستهم الدينية المنفصلة عن أي نظام حكم يتسلط في أي زمان .
فالمقوم الرئيس للقواعد الشعبية المتبعة لنهج أهل البيت (ع) هو عالم الدين و المرجع الذي يرجع إليه في حال غيبة الامام المعصوم (ع) , إذ ان المرجع الديني يجب أن يكون مبتعدا عن الدنيا و مافيها غير مرتبط بأي طرف من الاطراف سوى القواعد الشعبية المؤمنة بخط ولاية أهل البيت (ع) , غير ممسك باي حبل أخر غير حبل الله تعالى .
و قد صدر من أئمة اهل البيت (ع) بعض الكلمات تشير بوضوح الماهية التي يكون عليها العالم الديني و التي على الموالين لخط اهل البيت (ع) أن يبحثوا عنها في شخص المرجع الديني النائب عن الامام المعصوم في زمان الغيبة , فإذا وقت الايدي عليها عضوا عليها بالنواجذ , و بذلك يكون أئمة اهل البيت (ع) قد اسسوا للقواعد الشعبية المؤمنة بهم و بخط ولايتهم الاساس الذي يجب أن ينطلقوا منه دوما و هم ضامنون لهم بأن النتيجة سوف تكون النصر و السداد ماداموا قائمين عليها .
و من هذ الروايات التي خطت لنا الاساس في عملية الاختيار لشخص المرجع الديني و الشخصية الدينية التي كان على المكلفين لزاما أن ينظروا لها شاخصين هي رواية الامام الحسن العسكري (ع) حين قال : (( و اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه , فللعوام أن يقلدوه و ذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم , فإن من ركب القبايح و الفواحش مراكب علماء العامة , فلا تقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة , و إنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك , لان الفسقة يتحملون عنا , فيحرفونه عنا , فيحرفونه بأسره لجهلهم , و يضعون الاشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم و اخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ماهو زادهم إلى جهنم , و منهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون بها عند شيعتنا و ينتقصون بنا عند نصابنا , ثم يضيفوا إليه أضعافه , و اضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها , فيتقبله المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا , فضلوا و اضلوا , هم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام )) .
هذه الروايات و غيرها من الكلمات التي أطلقها أئمة اهل البيت (ع) تعطينا برنامجا واضحا في عملية إنتقاء الشخصية المؤهلة للرجوع اليها و تضع اليد على مؤشرات في غاية الاهمية في غضون إجراء هذه العملية و من خلال تلك المعطيات التي ارسى قواعدها أئمة أهل البيت (ع) نستطيع النظر للماضي و الحاضر بكل فخر إعتزاز و نستطيع ايضا أن نتنبأ للمستقبل كيف يكون .
و لذا كان و لا زال و سوف يبقى هناك ثلة من الطيبين و الاخيار المنتجبين الذين لم يبدلوا و لن يبدلوا تبديلا من المراجع العظام الذين كان لهم الدور الرائد في قيادة هذه الامة , فهم القادة و الملهمين و الموجهين و المفجرين لكل الثورات الحرة الحقيقة و لعبوا دورا عظيما في شأن إصلاح هذه الأمة و إسنادها و حمايتها و التاريخ في الحقيقة يزخر بتلك المواقف المشرفة لمرجعيتنا على طول الدرب و لاتي لن تنسى مهما بقي للايام من باقية .
و هنا بين هذه الاسطر القليلة نذكر موقف المرجعية في ثورة العشرين المباركة و خصوصا مرجعية النجف الاشرف و التي لا تزال تلعب الدور الرئيسي و الحساس في مصير هذه الامة المرحومة , و لما لها من خصوصية فريدة و قدسية أوحدية لا نظير لها في العالم , فهي من حيث المبدأ تتخذ من مدينة باب مدينة علم الرسول (ع) الامام علي بن ابي طالب (ع) مقرا و قاعدة و منطلقا لقيادة الشيعة الامامية في العالم .
و من تلك المواقف العظيمة التي وقفها علماء و مجتهدو النجف الاشرف في هجوم الانكليز على العراق تدخلا سافرا على وطنهم و كان ذاك في بداية الحرب العالمية الاولى , فأفتى مراجع النجف بالجهاد فأنخرط الشعب في اثرهم بقيادة المجتهد العالم و الشاعر الكبير السيد محمد سعيد الحبوبي و معه كتائب العلماء و طلاب النجف و ساروا مدججين بالسلاح إلى ساحات القتال في معركة الشعيبة المشهورة و دور العلماء و المراجع واضحا و اساسيا و فريدا في تلك الاوقات العصيبة التي مرت على الشعب العراقي , فلولا التعبئة و التهيئة التي قام بها علمائنا الابرار لحث أطياف الشعب على حمل السلاح لكان الانكليز قابعين على رؤوس الشعب العراقي إلى يومنا هذا .
و من الادوار الرائدة التي تذكر للعلناء أنذاك في عملية التعبئة الشعبية ضد الانكليز بإعتبارها القيادات السياسية التي كان لها حراكها الواضح , من تلك الشخصيثات الرائدة الشيخ مهدي الخالصي و السيد هبة الله الشهرستاني و اللذان كانا يمثلان حلقة الوصل بين القيادة و بين علماء الدين في الكاظمية و جماهيرها , كما أن السيد أبو القاسم الكاشاني كان حلقة الوصل بين القيادة و إيران , و الميرزا أحمد الخراساني كان حلقة الوصل بين القيادة و جماهير و عشائر النجف الاشرف , و كذلك كان السيد أبو القاسم الكاشاني و الميرزا أحمد الخراساني حلقة الوصل بين القيادة و عشائر الفرات الاوسط .
و اما القيادة أنذاك فقد تمثلت في شخص الإمام الكبير و المرجع الاعلى الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي و عندما توفي الشيخ ( قده ) قاد بعده الحراك الثوري الشيخ فتح الله النمازي او الاصفهاني المعروف بشيخ الشريعة و الذي كان له اليد في إشعال فتيل الثورة ضد الانكليز و خصوصا في ثورة المرحوم بدر الرميض الذي كان على تواصل مستمر مع الشيخ النمازي .
و قد اصدر الشيخ محمد تقي الشيرازي عدة فتاوى حدد فيها واجب الشعب العراقي في قضية الاستفتاء و في حرمة التعاون مع الانكليز بإعتبارها سلطة غير شرعية جائت بالاحتلال , ولم يكن الامام الشيرازي (قده) تنقصه الشجاعة في إصدار الفتوى بالجهاد ضد الانكليز و لكن حكمته إقتضت أن يجعل الفتوى سيف مسلك على رؤوس الانكليز دون إستخدامه إلا في الحالات التي تفقد فيها الامة جميع الامال و الحلول .
و في فترة المفاوضات بين ممثلي الانكليز و الزعامة الدينية و الشعب و فشل المفاوضات أصدر الامام الشيرازي (قده) فتواه المشهورة و هذا نصها (( مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين و يحق لهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم و الامن , و يجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا إمتنع الانكليز عن قبول مطالبهم )) .
و أنتشرت فتواه على نطاق واسع في كل مكان مع مبعوثين خصوصيين من علماء الدين لتحريض الناس و الجماهير على حمل السلاح ضد الانكليز و مقاومة المحتل بالقوة , و كان لبعض الخطباء و العلماء دور الصدارة في تعبئة الجماهير لما يملكون من ملكة خطابة فريدة و شخصية مؤثرة في النفوس أمثال السيد ابو القاسم الكاشاني و السيد صالح الحلي و السيد محمد الصدر ( رحمهم الله جميعا ) .
هذه المواقف و البطولات التي خاضها علمائنا الابرار في السابق تحاكي مواقف و بطولات خاضها علمائنا في الحاضر و التي تتجلى واضحة في فتاوى اسد الشيعة الرابض في عرينه الغروي في الجف الاشرف السيد علي السيستاني (قده) و الذي كانت مواقفه من الاحتلال و فتاواه المتتالية التي تهدف إلى حفظ الامن و السلام و الاستقرار على طول الخط حتى في فتواه بالجهاد الكفائي هو لا يريد منها سوى حفظ الامن و السلام الذي لابد منه لاستقرار هذا البلد المنكوب .
و من الملاحضات اللطيفة التي يمكن الاشارة اليها في فتوى السيد السيستاني أنه اصدر فتواه بالجهاد الكفائي ضد التكفيريين النواصب بشرط أن لا تصاب المنظومة المؤسساتية بالتعطيل و أن تبقى المؤسسة الحكومية مستمرة في اداء دورها في تنظيم الداخل و إلا لتعطلت البلاد برمتها و اصابها الشلل , و هذا إن دل على شيء فهو يدل على حكمة و دراية و بعد نظر تفردت بها مرجعيتنا الرشيدة وهو أمر جلي في مواقفها عل طول الخط مشيرة بذلك الى نوع المدد الغيبي الذي ما فتأ يرافقها في جميع الظروف الحالكة التي تمر بالامة , هذا المدد الغيبي لا يمكن أن يكون غير شخص الامام الغائب صاحب العصر و الزمان (عج) الذي لم و لن ينسى مراعاة شيعته و محبيه و مريديه و النظر في مصالحهم .
نعم هي المواقف ذاتها حذو النعل بالنعل و كيف لا تكون كذلك وهم ينهجون من نفس المنهج العلوي الحسيني الثائر و على خطاهم سارت كل أطياف الشعب حتى من بقية الشرائح المؤمنة من ابناء الاديان و المذاهب الاخرى و الواقع يحكي لنا مدى صدق إدعائنا .
و كذلك لا يمكن نسيان او تجاهل دور العلماء و الخطباء في عملية التعبئة الشعبية , و نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر موقف العلامة المجتهد السيد مرتضى القزويني الذي لبس لباس الجنود المقاتلين و بيده بندقيته و قال قولته المشهورة (( كلنا جند المرجعية )) , و ايضا الخطاب الذي القاه العلامة الخطيب الشيخ جعفر الابراهيمي في مقام الامام صاحب الزمان (عج) وهو يرتدي لباس الجنود المقاتلين و الالاف من ابناء العشائر أولاد الملحة يتوافدون للتطوع في صفوف الحشد الشعبي الطاهر تاركين ورائهم كل شيء ملبين نداء المرجعية الغراء و إستغاثة الوطن .
ابناء اليوم هم أحفاد البارحة سواء كانوا من مراجعنا الكرام الذين كانوا و مازالوا يسرون بالركب على نفس النهج و الدرب , أو من ابناء العشائر أحفاد الشجاعة و الغيرة و الاباء , او حتى من المثقفين و الشعراء و الادباء و اصحاب القلم و الذين كانوا يسمون سابقا بالافندية نضرا لما كانوا يتميزون به من وعي ثقافي إستثنائي عن بقية شرائح الشعب كما كانوا يتميزون بالادراك العالي نتيجة إطلاعهم و كانوا يتمتعون بإحترام كبير بين اطياف الشعب العراقي أنذاك لما يملكونه من حس ثقافي و إطلاع كبير , و لعب الافندي دورا ليس بالهين في عملية تنوير شرائح الشعب و توجيههم نحو حقوقهم المنهوبة المسلوبة . فكانوا يجوبون المحلات و يطوفون على البيوت و يلقون الخطابات الرنانة في المحافل العامة و يقرؤن القصائد التي تثير في النفوس الغيرة و الحمية و الثورة على الباطل .
و من أكثر الشرائح المثقفة التي كان لها دور كبير في إشعال المشاعر بحس الثورة على الظالم هم شريحة الشعراء الذين كان لهم دور كبير جدا في ردف الثورة العشرينية ضد المحتل و من تلك الاسماء اللامعة قصيدة للمرحوم عيسى عبد القادر الرزيلي الاعظمي و التي أثرت حتى في نفوس الانكليز نفسهم مما اثار حفيظتهم فأصروا على إعتقاله في دائرة الشرطة , يقول في مطلع قصيدته :
بني النهرين نسل الطيبينا
تفرقنا شعوبا و أختلفنا
أفيقوا و أسمعو حقا يقينا
فأصبحنا جميعا صاغرينا
و من الشعراء الذين كان لقصائدهم وقع كبير في نفوس الجماهير و التي ظلت تتغنى بها في المحافل العامة , تلك القصائد العصماء كانت للشاعر الكبير محمد مهدي البصير , الذي كان لقصائده الوقع الكبير في إذكاء نار الثورة في صدور الثوار على المحتل , و قد ألف كتابا إسمه (( القضية العراقية )9 و الذي يعد مصدرا مهما للباحث في أحداث ثورة العشرين و وقائعها , وله ديوان شعر أسماه ب (( البركان )) ضمن فيه قصائده الحماسية الثورية التي قالها ضد المحتل الانكليزي , و من قصيدة له يقول فيها :
الحر من لا يستكين لقاهر و أدرأ بموتك عن بلادك موتها
و لدتك تربتها و ضمك جوها أفبعد ذاك تعاف نفسك نصرها
ما أنت من ابنائها إن لم تكن فانهض بشعبك يا فتى قحطان
ما للبلاد سواك من قربان و بها نطقت مميزا بلسان
ببيان حر صادق و بنان عنها تذود بكل طعان
و يقول في قصيدته بعنوان (( صرخة من دار السلام )) يستنهض بها همم الثوار و ينقل من خلالها حال اهل بغداد :
غضبنا فقمنا ثائرين لغاية و رددت الاجواء قصف زئيرنا
فهل تنطق الزوراء وهي أسيرة تهون المنى من دونها المشانق
فردت عليه بالدوي البنادق و تسكت عما تبتغيه المناطق
و من قصيدة للمرحوم عبد المطلب الحلي و الذي يحاكي في قصيدته ضمير الشعب مستنهضا فيهم همم العرب الاشاوس و أمجادهم التي لا تنسى , يقول :
بني العرب إن العصر بالعلم أزهرا تأخرتم عن حقكم و تقدما
و صبح الهدى من ظلمة الجهل أسفرا به أمم من حقها أن تؤخرا
و من الشعراء الكبار الذين كانت لحروفهم وقع كبير في ذهن الفرد العراقي أنذاك هو محمد حبيب العبيدي الذي تصدى لمواجهة المحتل بقصائده , منها قصيدته التي يقول فيها و هو ثائر حانق على المحتل يقول :
أضرمو النار يا سراة العراق كلا لن تسقون كأس الهوان
و أغسلوا العار بالدم المهراق فأقطعوا بالسيوف كف الساق
هذه الكلمات و غيرها من الحروف الثائرة الناطقة رفدت المسيرة الشعبية الثائرة أنذاك بالحماسة و أذكت نار الثورة ضد المحتل الغاشم .
و أحفاد الأفندية من شعراء اليوم و أصحاب القلم من الادباء و المثقفين لهم دورهم الحاضر الغير غائب وهم يغدقون الثوار بلفيف كلماتهم الزاكية مشعلين في نفوسهم الحماسة مادحين لفضلهم شاكرين جزيل عطائهم و إستشهادهم , اولئك الابطال من ابنائنا و اخوتنا أسود الحشد الشعبي الطاهر .
فكل يجاهد على شاكلته واحد مرة بالقلم و مرة أخرى بالدم و ثالثة بالموقف الحازم .
هذه هي أركان الثورة في العراق و هذه هي أطيافه و لن تجد فردا منه لا ينخرط الا في هذه الشعب الثلاثة و الغريب في فعله و موقفه سيبقى غريبا و إن طال الزمان به , فالمثل الشعبي يقول (( كلمن يرد لاصله ))